مجلة الرسالة/العدد 621/الأدب العصري في الجنوب الغربي لشبه جزيرة
→ صفحة من تاريخ الاستكشاف: | مجلة الرسالة - العدد 621 الأدب العصري في الجنوب الغربي لشبه جزيرة [[مؤلف:|]] |
هرموبوليس مدينة الحج ← |
بتاريخ: 28 - 05 - 1945 |
العرب
للدكتور ر. ب. سارجنت
بقية المنشور في العدد الماضي
حضرموت:
لقد تأثرت الحياة السياسية والثقافية لحضرموت، في خلال عدة قرون على أقل تقدير، تأثيراً عميقاً بما طبعتها به عدة أسرات شهيرة من السادة نذكر من بينها الأسماء القليلة الآتية: السقاف، وعيدروس، وبا فقيه، وبا علوي. وفي القرن الحادي عشر الهجري أخرجت أسرة السقاف التي كان مقرها في ذلك العهد غالباً في تريم وابلا من الأدب الصوفي، وطبعاً أخرجت الأسرات الأخرى كذلك مجموعة غير صغيرة من المؤلفات الصوفية. وقد طبع من مؤلفات السقافين عدد ما في خلال القرن الماضي. ولم يقتصر نفوذ السقافين على كليتهم أو مدرستهم التي كانت في تريم بل كانت لهم كذلك صلة بضريح عينات المشهور، الذي تظهر صورته على طوابع البريد الحضرمية، وكان نفوذهم وعلاقاتهم تمتد في ذلك الحين - كما تمتد اليوم - إلى أفريقية الشرقية وإلى الهند ولا سيما أحمد آباد؛ بل ربما كانت لهم علاقات بالجاليات العربية في جزر الهند الشرقية. ومن المعلوم لنا أن الأسرة كانت مزدهرة منذ عهد يرجع على أقل تقدير إلى القرن التاسع، ومن عجيب ما يروى أنه هناك شخص سمي حسين بن أبي بكر السقاف أنكر على تدخين التبغ الذي كان يباع في جزيرة العرب في سنة 1012 هجرية، وقد نجح في الحصول على حظر بيعه العلني في الأسواق! وأشتهر السقافون بأنهم صوفيون غيورون، وارتحلوا في بقاع الأرض برسالتهم الصوفية، وتقبلوا العباءة الصوفية من أعضاء الجمعيات الصوفية الأخرى.
ومن ثم لم يكن غريباً أن يكون اليوم للحضرميين حي يقطنون به في القاهرة، بناحية الجمالية، على مقربة من مسجد سيدنا الحسين، وقد نشر عدد من الكتب الحضرمية أحدهما تأليف كاتب سقافي. ويحتوي هذا الكتيب على ست قصائد في مدح الإمام يحيى، نظمت سنة 1912 حين كانت بلاد اليمن تحت الحكم التركي، ونشرت في سنة 1926، وبه أيضاً ردان شعريان من الإمام نفسه، إذ أن الإمام شاعر معترف بشاعريته. وقد قامت هذه الأسرة المجددة، في خلال السنتين أو الثلاث الماضية بنشر مجلة الاعتصام، وهي صحيفة شهرية تصدر في مدينة سيون وتعالج الشئون الدينية والثقافية والأدبية؛ ومن حسن حظي أنني أمتلك نسخة من هذه المجلة، وهي العدد الثامن الصادر في صفر سنة 1362هـ، وهي السنة الأولى في حياة الصحيفة. ومما يذكر عن هذه المجلة أنها مكتوبة بخط اليد إذ يظهر أنه ليس في ذلك الجزء من الوادي مطبعة، ولا بد أن تكون هذه الصحيفة هي المجلة الوحدة التي تصدر في البلاد العربية على هذا الشكل.
وصدر في القاهرة كذلك منذ بضع سنين كتبا آخر هام عن حضرموت اسمه (تاريخ حضرموت السياسي)، وهو يشتمل على قدر كبير من المعلومات القيمة، ليس فيما يتعلق بالشعراء العصريين، والأدب العصري، والتاريخ الحديث فقط، بل كذلك فيما يتعلق بالعلوم التي نهضت في الغرب كعلم طبقات الأرض وعلم وصف البلدان، مما له فائدة جليلة على الرغم مما قام به الطيران في السنوات الأخيرة من رحلات الكشف والاستطلاع
وحضرموت تواجه الشرق كما تواجه الغرب، ولقد كانت العلاقات بين جنوبي جزيرة العرب والهند قائمة على أساس وطيد قبل الإسلام بزمن طويل. ويقوم اليافعيون اليوم بالخدمة المتوارثة في الحرس السلطاني الخاص لنظام حيدر آباد، كما كان اليافعيون والمهريون يخدمون في الحرس الخاص في أحمد آباد في عهد مضى عليه أكثر من أربعة قرون. ولدينا من الرجحان ما يقرب من اليقين إذ نعزو سبب طبع كتب مثل كتاب فتوح اليمن، في عبادي وغيرها من البلاد الهندية إلى أنه كان في الهند جاليات حضرمية؛ كذلك طبعت كتب أخرى تختص بشئون جنوبي جزيرة العرب، في المدينتين الهنديتين الكبيرتين، كلكتا وكانبور، غير أنه طبع في بغداد، في عهد أحدث من هذا، كتاب مشهور هو (النور السافر، عن أخبار القرن العاشر) وهو من تأليف أحد أفراد أسرة العيدروس، ويتناول أخبار الصوفيين في جنوبي الجزيرة العربية وكجرات.
وللحضارمة جاليات تقطن منذ عهد بعيد في جزائر الهند الشرقية الهولندية، ومستعمرات الملايو البريطانية، وإن كان من المرجح أن نشأة تلك الجاليات لا ترجع في تاريخها إلى مثل ما ترجع إليه جاليات الحضارمة في الهند. وللحضارمة مطبوعات نشرت في بتافيا، عاصمة الهند الشرقية الهولندية منذ سنة 1875 وتتناول هذه المطبوعات في معظمها العلوم الدينية، والفقه، وعلم التوحيد، وبعضها طبع حجر وبعضها طبع حروف؛ وبعد ذلك التاريخ بعشرة أعوام طبعت خريطة هامة لشبه الجزيرة العربية، وكذلك الأطلس العربي، للسيد عثمان، على مطبعة الحجر.
ومعلوماتنا عن الجهود الأدبية للحضارمة خارج وطنهم، معلومات متناثرة في جملتها، وبما أنهم أقليات في تلك البلاد التي اتخذوها وطناً لهم - مهما تكن تلك الأقليات مهمة - فقد جر النسيان ذيله على جهودهم الأولى. وليس فيما أعلم في مكلا نفسها مطبعة، وإلى أن تنشأ هناك آلة للطباعة لن يكون مفر من أن ينتشر الأدب عن طريق المخطوطات التي تنسخها الأيدي أو عن طريق المطبوعات التي تستورد من البلاد العربية الأخرى. وهذا أدعى إلى الأسف، إذ أن للبلاد تاريخاً ثقافياً عريقاً تمكن المحافظة عليه وتغذيته بما يعيد إليه الحياة مرة أخرى، بإدخال فن الطباعة.
الصحافة والمطابع في الجنوب الغربي لجزيرة العرب
أصبحت الجرائد اليوم مصدراً من المصادر التي يعتمد عليها التاريخ، وإن كان من غير الممكن أن نقول عنها في الغالب دقيقة، أو نزيهة عن المحاباة، أو إنها دائماً حسنة الأسلوب، بل لا نستطيع أن ندعي لها أنها تضع أمامنا صورة صادقة عما هو حادث في البلاد فعلا. والحق أن المؤرخ اليقظ لا يترقب أن يجد في الجرائد تلك الصفات، وهو إذ يرجع إليها إنما يرجع إليها مع شعوره بتشيعها، ليوضح طريقة للحوادث في ضوء ميولها الحزبية، فستنتج من الجرائد المختلفة آراء الأحزاب المختلفة عن شأن من الشئون، ثم يعتمد على مصادر أخرى أقل تشيعاً ليستقي منها التأويل الحقيقي للحوادث. على أن المؤرخ الأدبي أسعد حظاً من زميله المؤرخ العام، إذ أن الجرائد هي إلى حد كبير مرآة تنعكس عليها الحركات الأدبية للعصر الذي تصدر فيه، بل إنها في بلاد مثل بلاد الجنوب الغربي للجزيرة الغربية تكاد تكون الوسيلة الوحدة لنشر الآداب. وقد شاهدنا جميعاً الدور الهام الذي قامت به الجرائد في نهضة الأدب العربي في مصر وسورية، فمن المهم إذن أن نتدبر أثر الجرائد في المجهودات الأدبية في ذلك الركن من شبه الجزيرة العربية.
وفي منتصف القرن التاسع عشر نشر عالم هولندي اسمه فان دن بيرغ ثبتا بالجرائد العربية التي كانت متداولة بين الجاليات العربية في الهند الشرقية، ولنا أن نفترض أن كل تلك الجرائد كانت متداولة في المدن التي كان يمكن الوصول إليها في الجنوب الغربي للجزيرة العربية، وكانت هناك جريدة (الجوائب) التي أسست في إستنبول سنة 1860 وكانت تطبع فيها، وقد عطل الباب العالي هذه الجريدة، ولكنها عادت للصدور مرة أخرى سنة 1885 باسم جريدة (القاهرة). كذلك كانت جريدتا (الاعتدال) و (الإنسان) تصدران في إستنبول وتتداولان في الهند الشرقية. ومما كان منتشراً في الهند الشرقية أيضاً الجرائد البيروتية الآتية: (الجنة) و (لسان الحال) و (ثمرات الفنون)؛ ومن القاهرة جريدة (الوطن)؛ ومن الإسكندرية جريدتا (الأهرام) و (روضة الإسكندرية)؛ ولعل أهم ما كان متداولاً من الجرائد هناك، من الوجهة السياسية، هو صحيفة (العروق الوثقى) وهي مجلة دعاة الوطنية من العرب وكانت تصدر في باريس.
وليس من الميسور الحصول على معلومات فيما يتعلق بإنشاء المطابع وتأسيس دور الطباعة في الجنوب الغربي للجزيرة العربية. ذلك إلى أنه يظهر أن معظم المطبوعات الأولى التي أخرجتها تلك المطابع كان ذا صبغة وقتية فاختفى غير مخلف له أثراً يهتدي به على نوعه أو قدره. وما كتب له البقاء من الوسائل أو الجرائد التي طبعت في تلك المطابع في عهدها الأول، يرجع أنه اليوم مبعثر بين المكتبات الخاصة والعامة في تركيا، والهند، وصنعاء، وعدن، وبريطانيا العظمى، ولكن القارئ العادي لا يعرف شيئاً عن وجودها. على أن لدينا شيئاً من المعلومات عن تأسيس الجريدة اليمنية (صنعاء) التي كانت تطبع بالعربية والتركية. ففي سنة 1867 قررت الحكومة التركية العثمانية أن يكون في عاصمة كل ولاية من ولايات الدولة العثمانية مطبعة، وأن يقوم كبار الموظفين في الولاية بنشر تقويم أو كتاب سنوي (سالنامه) يشتمل على أهم الأخبار في الولاية، وأن تنشر كذلك جريدة في كل عاصمة. وبناء على هذا القرار أقيمت مطبعة في القصر الحالي للإمام المعروف باسم (مقام الإمام) وطبعت فيها جريدة (صنعاء). ونسخ هذه الجريدة نادرة الوجود جداً في الوقت الحاضر، ومن المرجح أن هذه الجريدة لم تكن منتشرة، حتى في ذلك العهد، إلا في المدن الكبرى، إذ أن سلطة الأتراك خارج تلك المدن كانت واهية جداً. ويظهر أن عدداً من الرسائل طبع كذلك في تلك المطبعة، ومن المرجح أن معظمه كان متصلا بالشئون الحربية والإدارية، ولكن واحدة من هذه الرسائل قد وقعت في يدي وهي تبحث في الفرائض الدينية. والكتاب الأتراك عن اليمن هم الذين يمكنهم أن يكشفوا عن نشأة هذه المطبعة، وعلى الخصوص حامد وهبي الذي نشر كتابه السنوي عن اليمن (سالنامه سي) في سنة 1289هـ.، وكذلك غيره من المؤلفين الذين كانوا على الأرجح موظفين في الحكومة وكان لهم اهتمام بالبلاد دعاهم إلى كتابه تاريخها. ولقد كان الأتراك طبعا حكاماً لجزء من اليمن في حقبة قصيرة في خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. ومما يذكر على سبيل التنذر أنه ما زال باقياً حتى اليوم في القسطنطينية صور للفتح التركي لليمن من صنع فنانين أتراك من أهل ذلك العهد.
وفي أثناء العهد المضطرب الذي تلا الحرب العظمى الأولى لم يكن في اليمن على ما يظهر نشاط أدبي كبير، غير انه في سنة 1345هـ. و (1926م.) ظهرت الأعداد الأولى للجريدة اليمنية الجديدة في صنعاء، مطبوعة في المطبعة التركية القديمة ومسماة باسم (الإيمان). وتشمل هذه الجريدة الرسمية على نصوص المعاهدات المعقودة مع الدول الأجنبية. وعلى المراسيم، والأحكام القضائية، والقصائد المنظومة في مدح الإمام وأمراء البيت المالك، كما تحتوي على مقالات أدبية ودينية. وبفعل هذه الجريدة يمكن تتبع الموقف السياسي الداخلي للبلاد، إلى درجة ما، كما يمكن الوقوف على الجهود الحميدة التي تبذلها الحكومة المركزية في النهضة بالتعليم، وتربية روح وطنية عامة - لا روح قبلية محلية - في جميع أنحاء البلاد. وعلى أنه من غير الممكن أن نقدر مبلغ ما لهذه الجريدة من الانتشار في داخل بلاد اليمن، يمكننا أن نسلم بأنها تصل إلى جميع دور الحكومة في كل قضاء، وبأنها تتداول بأيدي قراء يزيدون في عددهم زيادة كبرى على ما كان للجريدة التي كانت تصدر في العهد التركي، وتؤدي ذلك خدمة أهم من تلك التي كانت تؤديها تلك الجريدة. ومن المميزات الشائقة في جريدة (الإيمان) ما تنشره لمراسليها في سورية وغيرها من البلاد العربية الأخرى.
أما أهل عدن فأنهم يستوردون منذ عهد طويل الصحف المصرية التي يكاد يكون الحصول عليها في عدن في مثل سهولة الحصول عليها في القاهرة، ولا يقتصر قراؤها هنا على العرب فقط، بل يقرؤها كذلك المتعلمون من الصوماليين. وتنتشر الجرائد كذلك في لحج عاصمة السلطنة العبدلية، ولكنها قليلة الانتشار في الجهات الأخرى من المحمية. ولدينا من المراجع المسطورة ما يدل على أنه في سنة 1870 كان في عدن مطبعتان: إحداهما في السجن، ومن المرجح أنها تطبع بجانب المطبوعات الحكومية إلا القليل، والأخرى خارج السجن، وليس لدينا ما يدل على أنها كانت تطبع كتباً عربية أو على مقدار ما طبعته منها إن كانت قد طبعت منها شيئاً. وشاهدت سنة 1914 قيام مطبعة ثالثة، فأصبح هناك ثلاث مطابع تقوم على خدمة عدد من السكان يتراوح بين أربعين ألفاً وخمسين ألفاً؛ واليوم أستطيع أن أسمى ثلاث مطابع تطبع بالعربية، منها مطبعة (فتاة الجزيرة)، ومطبعة (الهلال) في بازار بهرة، وربما كان هناك مطابع أخرى ولست أدري أكان بين مطبوعات المطابع الأولى ما يزيد على حجم الرسائل أو الإعلانات أم لا، ولكن من غير المحتمل أن تكون تلك المطبوعات قد اشتملت على كتب. ومنذ نشوب الحرب الحاضرة تولي تحرير جريدة (فتاة الجزيرة) صحفي عدني اسمه محمد لقمان، وتنشر هذه الجريدة الأخبار المحلية، وقصائد شعرية، ومواد في التربية والتعليم، ومقالات عامة، والأوامر الحكومية. وإذا قارنا هذه الجريدة بجريدة (الإيمان) التي تجنح إلى الأسلوب القديم، ألفيناها ذات أسلوب حديث في عرض موضوعاتها، وتستخدم لغة الصحافة الحديثة العربية. وهي منتشرة في عدن ولحج وإن كنت رأيت بعض نسخ منها في الأجزاء الأخرى من المحمية، وربما وجدت أيضاً في حضرموت حيث مستوى التعليم أعلى نوعا ما.
وقد سبق أن ذكرنا جريدة (الاعتصام) الحضرمية، ولكنه إذ لا مفر من طبع جميع الكتب الحضرمية في الخارج، كذلك الجرائد المطبوعة تأتي من الخارج. فمن ذلك أن الجرائد تستورد من جزائر الهند الشرقية الهولندية، ومن المرجح أن يكون من بينها جريدة (حضرموت) التي تطبع في سورابايا، في الهند الشرقية الهولندية، منذ نحو سنة 1923. وكانت تطبع في سنغافورة جرائد عربية قبل الحرب الماضية، وعلى أنني لم أر واحدة منها، أرجح كل الترجيح أنها كانت من تحرير الحضارمة، وأنه ظلت الجرائد العربية تظهر هناك حتى عهد قريب. ومن الصحف المتداولة في المدن الساحلية للمحيط الهندي مجلة (العرب) التي تصف نفسها بأنها (جريدة إسلامية، أخبارية، أسبوعية، تصدر من الهند)؛ وقد بدأت هذه الصحيفة في الظهور في سنة 1940 - 1941، وهي تحتوي على أخبار ومعلومات عامة عن عدن، واليمن، وحضرموت. وهي تطبع في مبادئ، وتدعي أنها (حلقة الاتصال بين الهند والعالم العربي) ويرد إلى حضرموت مجموعة متنوعة من الصحف بالإضافة إلى الصحف المصرية والعراقية، غير أن توزيعها مقتصر على المدن ولا سيما المدن التي هي أقرب إلى الساحل.
اللغة العربية في جنوبي الجزيرة العربية
ونختتم بحثنا هذا بكلمة قصيرة عن الأساليب العربية التي تستعمل في جنوبي الجزيرة العربية. والأب أنستاس ماري يقول عن جدارة، معبراً عن وجهة نظر الأمم الآخذة من التقدم بنصيب أوفى، فيما يتعلق بالأسلوب العربي الذي يستعمله اليمن: (وأما لغة الإنشاء فصحيحة، لكن أسلوبها أسلوب العصور الوسطى، وليس فيها تلك السلاسة والرطوبة واللدونة التي ترى في أساليب العصريين من أهل مصر، وسورية، ولبنان، والعراق؛ وكل ما يرمي إليه كتبه اليمانيين السجع الممل.)
ولكنه يحتاط فيقترح الحل الآتي: (على أننا لا نريد بذلك ذم كلام أبناء اليمن، بل نود أن يطالعوا التصانيف الحديثة التي تصدر كل يوم في الديار العربية اللسان.)
وفيما يتعلق بلغة التخاطب والمحادثة، يستخدم أهل المدن لهجة شائعة يفهمها الغريب بسهولة، أما في القرى فللناس لهجات كثيراً ما يصعب فهمها على المسافرين الوافدين من جهات أخرى. وبين يدي الآن وثيقة قانون قبلي أو شرع قبيلة كما تسمى في جنوبي جزيرة العرب، وهي وثيقة لا يستطيع فهمها مصري أو سوري، بل لا يستطيع فهمها حضرمي مثلاً. ومع ذلك فهي مكتوبة باللهجة التي تتكلمها هذه القبيلة دائماً، بل يتكلمها سلطانها. وفي بعض المناطق ما زالت لغة التخاطب قوية الشبه بلغة بني حمير، ولن يدهش علماء النحو أن يعلموا أن (أم) ما زالت تستعمل أداة للتعريف بصفة عامة جداً، كما أخبرنا بذلك منذ قديم كل من الزمخشري وسيبويه. إن في الجنوب الغربي لجزيرة العرب مناطق كثيرة لم تكد الحروف المطبوعة تخترق أصقاعها، وهذه المناطق تكاد لا تزيد على أن تفهم لغة الجرائد العصرية. على أن ارتجال الشعر في تلك الجهات ما زال عنصراً من عناصر الحياة الاجتماعية للناس. وليس ثمة شك في أنه في خلال نصف قرن يأتي ستتطور منطقة الجنوب الغربي بانتشار التربية وتعلم القراءة والكتابة، وما سيصحبها من نشر المعلومات العصرية في الفنون الهندسية والأساليب الأدبية، وسيكون من الشائق جداً أن يلاحظ الباحث تطور هؤلاء القوم تحت تأثير هذه العوامل الحديثة. لقد كان للبلاد ماض مجيد في تاريخ المدينة، وجدير بها أن يكون لها مستقبل مجيد، وهي بذلك أجدر بسبب ما تحتويه من الثروة الطبيعية التي ساعدت في الحجاز على تقدم الشعب العربي.
الدكتور ر. ب. سارجنت