الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 62/رد على نقد

مجلة الرسالة/العدد 62/رد على نقد

بتاريخ: 10 - 09 - 1934


مكة ومشهد

للدكتور عبد الوهاب عزام

قرأت وأنا على أهبة السفر كلمة في الرسالة لأخي الأستاذ أمين الخولي عنوانها (مشهد ومكة) فلم أجد بين مشاغل السفر فراغاً لإجابته ومناقشته، وعزمت أول الأمر أن أترك كلمته حتى تتهيأ لي المناقشة فيها، ثم بدا لي أن أكتب كلمة كعجالة الراكب، أو لهنة الضيف، يروي بها الأستاذ بعض ظمئه للحقيقة (وإنها لحقيقة أن تبتغي لذاتها).

أترك كلام الأستاذ عن (فرق ما بين العقيدة والفكرة وصلة العقل بمنطقه، والاعتقاد بسلطانه) فهذه فلسفة لم أتهيأ لفهمها، وأعمد إلى الموضوع:

أخذت على الرحالة محمد ثابت في مآخذ أخرى تاريخية ولغوية قوله إن الشيعة يفضلون مشهد على مكة، فقلت: (وأفظع من هذا كله قوله عن إخواننا شيعة إيران أنهم يفضلون مشهداً على مكة، وكيف يعقل أن أمة مسلمة شديدة الغيرة على دينها تعتقد أن الحج إلى مكة فرض، وقاعدة من قواعد الإسلام كيف يعقل أن هذه الأمة ترى زيارة مشهد أفضل من الحج إلى مكة الخ)، ففقه المسألة أن الشيعة يعتقدون أن الحج قاعدة من قواعد الإسلام، ولا يرون زيارة مشهد كذلك، خلافاً لما رواه محمد ثابت.

فهل استطاع الأستاذ أن ينقض هذه الدعوى بما روى من حديث هذا (الكوزة كناني) الذي تسلح به للجدال ولم يستطع إخفاء فرحه به؟

قلت: (ربما بالغ عامة الإيرانيين في تعظيم مشهد وغيرها من المزارات الشريفة كما يبالغ عامة المصريين في تعظيم مسجد سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيد البدوي وإبراهيم الدسوقي، ولكن عمل العامة لا تقاس به عقائد الأمة. وهذه كتب الشيعة بين أيدينا تنطق بخلاف ما زعم الكاتب) فطالبني الأستاذ متحدياً بأن أذكر له من كتب الشيعة التي بين أيدينا شيئاً بعينه ليرتاح القارئ.

ثم قال: (وكيف يكون الأمر إذا كانت كتب الشيعة تقرر هذا التفصيل المكاني بقسوة وعنف إلخ) وساق ما نقله من كتاب الكوزة كناني. وظاهر أن دليل الأستاذ الخولي لا يفي بدعواه، فقد ادعى أن كتب الشيعة تقرر هذا التفضيل ثم لم يرجع إلى كتب الشيعة ولم يتحر أقوا أئمتهم، ولكنه اكتفى برواية في كتاب فرد لمؤلف لا يعرف عنه الأستاذ إلا أن له كتاباً مطبوعاً منه نسخة في دار الكتب. فلو فرضنا أن كتب الشيعة الأخرى تؤيد رواية الكوزة كناني لكان الأستاذ مجازفاً في الاستشهاد بكتب الشيعة قبل الإطلاع عليها

أنا لا أطيل على القارئ بنقل نصوص من كتب أئمة الشيعة، ولكن أعرض عليه خلاصة قراءتي:

في كتب الشيعة روايات في تفضيل كربلاء على مكة، وفيها روايات يؤخذ منها تفضيل مكة على غيرها مثل هذا الحديث المروي عن جعفر الصادق في كتاب (وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة) (ما خلق الله خلقاً أكثر من الملائكة، وأنه لينزل كل يوم سبعون ألف ملك، فيأتون البيت المعمور فيطوفون به، فإذا هم طافوا به نزلوا فطافوا بالكعبة، فإذا طافوا بها أتوا قبر النبي عليه الصلاة والسلام، فسلموا عليه، ثم أتوا قبر أمير المؤمنين فسلموا عليه، ثم أتوا قبر الحسين فسلموا عليه، ثم عرجوا، فينزل مثلهم أبداً إلى يوم القيامة.)

وفي كتب الشيعة أيضاً روايات عن فضل زيارة الحسين والرضا، ولكن خلاصة الروايات كلها، وفقه النصوص الكثيرة أن الحج والعمرة الواجبين لا تعدلها زيارة أحد، وأن زيارة الحسين قد تعدل عمرة أو حجة أو أكثر من ذلك من الحج والعمرة المندوبين بعد أداء حجة الإسلام المفروضة. وفي (وسائل الشيعة): قلت لأبي عبد الله (جعفر الصادق): ما تقول في زيارة قبر الحسين، فإنه بلغنا عن بعضكم أنه قال: تعدل حجة وعمرة، فقال: ما أصعب هذا الحديث. ما تعدل هذا كله، ولكن زوروه ولا تجفوه، فإنه سيد شباب أهل الجنة. . الخ.

فهذه خلاصة قراءتي في كتب الثقات، وذلك تصديق ما قلته في مقالي السابق، وفي صدر هذا المقال.

وقد ختم الأستاذ الخولي مقاله بعد أن أثبت عليّ الخطأ بقوله: (واكتفى بهذه الكلمة، قائلاً مع الأستاذ عزام في ختام كلمتي: وإنني لراج أن يتم التعارف بين الأمم الإسلامية، حتى لا يكتب بعضها عن بعض إلا عن علم وروية، وتثبت وإنصاف، والله ولي التوفيق.)

وإعادة كلمتي هنا تعريض معناه أن محمد ثابت كان ثبتاً فيما كتب، وأنني أنا غير المتثبت. ولعل الأستاذ قد عرف الآن أينا ينقصه التثبت، على أن من فاته التثبت وهو يصف أمة مسلمة بما هو حري بها وبدينها خير ممن فاته التثبت في الإدعاء على بعض المسلمين أنهم يفضلون زيارة كربلاء على الحج، وهو قاعدة من قواعد الإسلام عند المسلمين كافة.

عبد الوهاب عزام