مجلة الرسالة/العدد 62/بمناسبة عيد موزار
→ فصول مدرسية في الأدب الدرامي | مجلة الرسالة - العدد 62 بمناسبة عيد موزار [[مؤلف:|]] |
من الأدب الإغريقي ← |
بتاريخ: 10 - 09 - 1934 |
تكريم النوابغ
للأستاذ عبد الحميد فهمي مطر
في الوقت الذي وصل فيه العدد الأخير من الرسالة إلى أيدي القراء كان سكان مدينة سالزبرج خاصة والنمساويون عامة. قد انتهوا من عيدهم الذي يقيمونه سنوياً ذكرى للموسيقار النابغة الذي لم يطل عمره أكثر من ستة وثلاثين عاماً بذّ فيها جميع معاصريه الموسيقيين وأحدث في الموسيقى الغربية حدثاً عظيماً لا يمحوه الزمان. ولد هذا النابغة في 27من يناير سنة 1756 في مدينة مدينة الحدائق والجمال، ونشأ وترعرع في حضن والده ليوبولد الذي كان موسيقاراً في خدمة الكنيسة في تلك المدينة، وقد ظهر ميله إلى الموسيقى ولما يبلغ الثالثة من عمره، وبدأ في سن الرابعة يعزف بعض القطع الصغيرة وفي سن السادسة رحل مع والده إلى ألمانيا فحاز عزفه إعجاب الملوك والأمراء حتى الإمبراطور فرنسوا الأول أجلسه بجواره وسماه (الساحر الصغير) كما أن البرنسيس ماري انتوانت التي صارت فيما بعد ملكة فرنسا رفعته بين ذراعيها لشدة إعجابها به، فقال لها الطفل عندئذ: (حقاً إنك لطيفة وعندما أكبر سأتزوج منك) وفي سن السابعة بدأ يعزف على الكمان والأركون في رحلاته مع والده كما بدأ يؤلف بعض قطع صغيرة. وفي أبريل من سنة 1764 زار مع والده إنجلترا. فكان إعجاب الأسرة المالكة به كبيراً، وقد أملى على الملكة قطعة موسيقية من تأليفه، كما أنه أهدى إلى المتحف البريطاني مقطوعة (الله ملجأنا) ولما بلغ الحادية عشرة ألف أول أوبرا له أسماها بناء على إشارة الإمبراطور جوزيف الثاني قالت عنها لجنة الفحص (إنه عمل لا يضارع) ومن ذلك الوقت أخذ يظهر حقد الموسيقيين عليه وهبوا يدسون له الدسائس في قصر الإمبراطور، فكان ذلك سبباً في البؤس والفاقة الذين لازماه طول حياته تقريبا. غير أن هذا لم يمنعه من إبلاغ رسالته وإخراج تأليفه العظيمة أثناء جولاته في إيطالياوغيرها من بلاد أوربا
وفي يوليه 1769 أي عندما كانت سنه ثلاثة عشر عاماً تقريباً منحته أكاديمية بولونيا لقب (مؤلف) مع أن القانون يحرم منح هذا اللقب لمن هو أصغر من عشرين عاماً. ولقد كان عجباً أن يخرج هذا الصبي النمساوي المولد والنشأة واللغة في26 ديسمبر سنة 1769 ول يبلغ الرابعة عشر من عمره أوبرا باللغة الإيطالية في ميلانو أسماها أحرزت نجاحاً منقطع النظير، ومنذ ذلك الحين اعتبر هذا الفتى سيد الموسيقى وزعيمها. وفي سنة 1773 وبعد أن عاد إلى مسقط رأسه أخرج أوبرا بمناسبة زواج البرنس فرديناند فاقت كل ما أخرجه قبل ذلك حتى قال عنه أكابر الموسيقيين (إن هذا الصبي سيجعلنا نسياً منسياً) وزاد حسدهم له وحقدهم عليه كما زادت دسائسهم عليه في قصر الإمبراطور. وبالرغم مما كان يلاقي بسبب ذلك كله من ويلات، وما كان يعاني من ضيق وضنك، فإنه أستمر في إتمام رسالته بما كان ينفثه في الموسيقى من سحر، حتى اعترف له الجميع بأنه أدخل عليها تعديلات وتحسينات غيرت من طبيعتها. وكان أشد الحاقدين عليه في حياته ولما توفي في يوم 5 من ديسمبر سنة 1791مات معتقداً أن هذا الرجل هو الذي دس له السم في الدسم كما كان يعتقد الكثيرون، فراح بذلك ضحية نبوغه وعبقريته. ولكن النمساويون الذين يقدرون الفضل لذويه إن كان فاتهم أن يواسوه في حياته، فلم يفتهم أن يكرموه بعد وفاته فلقد رأيت له تمثالين عظيمين رفع أحدهما بين القصر الإمبراطوري ودار الأوبرا في فينا يحف به تلاميذه بآلاتهم الموسيقية ورفع الثاني في أفخم ميدان في مدينة وهم فوق ذلك يقيمون لذكراه في هذه المدينة عيداً سنوياً في شهر أغسطس من كل عام حيث يهرع إليه أكابر الموسيقيين والممثلين من فيّنا وغيرها من بلاد النمسا لإقامة الحفلات وتمثيل مختلف الروايات، فتراها غاصة بالجماهير من مختلف الشعوب بين إنجليز وأمريكيين وغيرهم. وقد بدأ عيد هذا العام يوم 28 يوليه وانتهى يوم 2 سبتمبر وكان لي حظ مشاهدة كثير من مظاهره في تلك المدينة الجميلة. وقد مثلت هذا العام في هذا العيد بعض الروايات المشهورة مثل , ست مرات كما أعيد تمثيل كثير من الروايات الأخرى في ال وفي مدينة مسرح اسمه لا يعرف له قط نظير في العالم وقد حضرت فيه تمثيل رواية يرفع الستار فترى أمامك دمى لا يزيد طول الواحدة على ثلاثين سنتمتراً تتحرك أمامك على المسرح وتتكلم وتمثل أدوارها بغاية الدقة والإتقان تسطع عليها أنوار قوية زاهية مختلفة الألوان. ولقد كنت دهشاً طوال مدة التمثيل لحركات تلك الدمى العجيبة وللمناظر الرائعة التي كانت تسحر الأنظار وتأخذ بمجاميع القلوب. فلعل أحد علمائنا يفسر لنا حركة تلك الدمى على المسرح.
وبعد فلا يسعنا إلا أن أعلق أمنيتي العظيمة في أن يحل الوقت الذي يكرم فيه الشعب المصري نابغيه كما يكرم الأوربيون عامة والنمساويون خاصة نابغتهم العظيم موزار
عبد الحميد فهمي مطر