مجلة الرسالة/العدد 617/هذا العالم المتغير
→ التصوير الفني في القرآن | مجلة الرسالة - العدد 617 هذا العالم المتغير [[مؤلف:|]] |
حَنةُ غريب!! ← |
بتاريخ: 30 - 04 - 1945 |
للأستاذ فوزي الشتوي
بترول من الميكروبات؟!
من الأخطار التي تهدد المدينة الحديثة نقص احتياطي البترول في العالم، فقد استنفدت أدوات الحرب كميات طائلة منه. ولهذا اتجهت أنظار الساسة والاقتصاديين إلى مد أنابيب البترول عبر شبه جزيرة العرب لاستغلال آباره مع ما يتكلفه هذا المشروع الضخم من نفقات كبيرة. ولقد أجهد الكيمائيون والعلماء أذهانهم ليحصلوا على موارد جديدة تزيل المخاوف المقبلة.
وكان من أمتع الأبحاث وأغربها بحث الدكتور كلود زوبل الذي تجاوزت مدته 15 سنة، قضاها لا يحفر الأرض ليعثر على آبار جديدة للبترول، بل منقباً عن حشرة صغيرة تحول المواد الأولية إلى بترول. ووفق أخيراً إلى العثور على ضالته فكان لكشفه أهميتان مزدوجتان.
أولهما أن البحث عن آبار البترول لن يحتاج إلى حفر إغوار بعيدة، ولا إلى استعمال المجسات المختلفة، بل سيبحث العلماء بعد ذلك سطح الأرض للعثور على هذا النوع من البكتريا، فإن وجودها فقد وجدوا الآبار.
والثانية أن دراستنا لهذا النوع من البكتريا ستتيح لنا معرفة الوسيلة التي يتكون بها البترول في الطبيعة، فيستطيع الإنسان بوسائله الصناعية الإسراع في إنتاجه بالمقادير اللازمة.
فمنذ خمس عشرة سنة اقتنع الدكتور زوبل بأن نوعاً من البكتريا يقبض بيده على سر إمداد العالم بالزيوت، فنقب ودرس ما وسعته الدراسة وهو يوفق في كل فترة إلى كشف جديد يبطل فكرة قديمة أو يقدم للعام معلومات جديدة - فعثر على قائمة طويلة بأنواع البكتريا لم يسمع عنها الناس، ومنها ما تحول الدهنيات النباتية أو الحيوانية إلى مواد بترولية. ولكن الميكروبات لم تكن ثابتة الإنتاج فأحياناً تترك بقايا زيتية وأحياناً ترفض.
واتجه تفكير وبل إلى ناحيتين، فأما أن البكتريا تنتج البترول بشروط خاصة وإما أنه يجرب في أكثر من نوع واحد منها، وأي الاحتمالين يقض مضجع صاحبه. ففي أي الظروف تنتج البكتريا الزيت؟ وكيف يحصل على البكتريا الأصيلة نقية؟ ولكي يحقق الاحتمالين خرج إلى عرض المحيط مرات ليستخرج من قاعه عينة نقية. فمن المعروف أن أكثر الزيوت العالمية نشأ في ظروف بحرية. وفي خلال هذا التنقيب قلب كثيراً من الأوضاع العلمية القديمة، وأثبت خطأها، فنفى ما قيل من أن البكتريا لا تعيش في المياه المالحة في أعماق المحيط.
وقال العلماء أيضاً أن الأحياء الميكروسكوبية لا تعيش في أعماق المحيط أو الأرض لأنها تتأثر بالضغط ودرجة الحرارة فأخرج لهم زوبل أحياء ميكروسكوبية من أعماق زادت على ثلاثة أميال. وأثبت أن بعض الأحياء تعيش في أبعد الأعماق، وتتحمل عشرة أضعاف ضغطها وفي درجات حرارة لم يحلم بها عالم.
وغذى ميكروباته بالسكر واللحم والدهن والملح والخضروات والجيلاتين والفيتامين وأحياناً بالكعك، فهضمت كل المواد العضوية وأنتج بعضها ثاني اكسيد الكربون أو الميثين كما حلل آخر أحجار الجير أو أطلقوا الألمنيوم من السليكا أو استخرجوا البوتاسا أو النيتروجين إلى غير ذلك من قائمة المستخرجات والانحلالات.
ولكن الموضوع الذي يحصر فيه كل تفكيره استمر على غموضه إذ تعطيه بعض الأنواع مادة زيتية لا تلبث أن تتلفها. فكيف تنتج المادة وكيف تفسد وتزول؟ أهو قبل نوعان من البكتريا يتشابهان في المظهر؟
سؤال أرسل إلى رأسه الصداع مرات فإنه ليضع 15000 حي تحت المجهر فلا يزيد طولها عن بوصة واحدة فكيف السبيل إلى التفريق بين النوعين. كثيراً ما أعطته هذه المجموعة نفسها دهنيات لا زيوتاً.
ولقد جرب حتى أنهكته التجارب، وفصل الأنواع حتى أرهقه التنويع. وأخيراً هدته المصادفة وحدها إلى عزل النوع المضبوط، فحصل على النتيجة التي يريد، ففي إحدى المرات عزل مجموعات منها في أوانيه الصغيرة ثم غطاها بلصقة باريس ووضع فوق الجميع شمع البارافين. وبعد أسابيع أزال الأغطية فعثر على سائل أثبت التحليل الكيماوي أنه زيت خام. كما وجد أن التجربة التي عملها أوجدت بيئة بحرية داخل الإناء، وأعاد التجربة مرات فإذا هو يجد نفس النتيجة.
ومن الطبيعي أن تعتبر الجزء التجاري من أبحاث زوبل في الوقت الحالي من الأسرار العسكرية. ويقال إن نجاحه كان عظيماً حتى ليتيح تحويل جميع مخلفاتنا النباتية إلى زيوت معدنية، على أن مبدأ واحداً أذيع وهو كيفية الكشف عن منابع البترول التي يتسرب قليل منها خلال طبقات الأرض مما يتعذر على الطرق الكيميائية معرفته، ولكن هذه (البكتريا المحللة) تستطيع بطبيعتها الخاصة اكتشاف أماكنه. فأينما وجد هذا النوع من البكتريا فإلى جواره منابع زيت.
فهذه الجراثيم الدقيقة هي الآن قائدتنا إلى منابع الزيت المختفية في باطن الأرض لا المجسات ولا وسائل الحفر والاستنتاج.
زجاج من غير رمل
استخدمت إحدى مصانع النظارات نوعاً جديداً من الزجاج للوقاية من بعض أنواع الحوامض التي تأكل الزجاج العادي، فإن سقطت على جسم الإنسان أحرقته. وهذا النوع نقي جداً ولا يدخل في صناعته الرمل كما هو معروف.
وينتظر أن يكون لهذا النوع من الزجاج مستقبل كبير لأن الحامض المعروف باسم هيدروفلوريك ضروري في كثير من الصناعات الحيوية الهامة مثل صناعة المعادن والمنسوجات والمطاط الصناعي. وكان في أول أمره عسير الحفظ لأنه يأكل المعادن والزجاج ويصعب وضعه في آنية.
وقد استعيض في هذا الزجاج عن الرمل الذي يعتبر جوهرياً في جميع أنواع الزجاج بأحد مركبات الفسفور. ومن الغريب أن هذه المادة شديدة التفاعل مع الماء ويحدث فرقعة شديدة ولكنه تيسر تذليل هذه العقبة بجعلها أقل تفاعلاً مع الماء. وعلى العموم فأنه يفضل وضع هذا الحامض الشديد الأثر في هذه الأواني الزجاجية على وضع الماء فيها.
ولهذا الزجاج نفس خواص الزجاج العادي فينصهر في درجة حرارة الزجاج. ويمكن صنعه في رقائق طويلة أو مربعة أو لفه على شكل زجاجات ويسهل صقله بوسائل صقل الزجاج المعروف.
لوقاية الآذان من الضوضاء
استخدم أحد المصانع أخيراً غطاء للآذان يقيها من الصمم الناتج عن الأصوات المرتفعة.
ويستخدم هذه الغطاءات رجال المدفعية في البحر والبر فإن شدة انفجار القنابل تحدث دوياً مرتفعاً يؤدي إلى الصمم الكامل.
وتخفض هذه الصمامات دوي أصوات المطارق الكهربائية الضخمة وحركات الآلات الكبيرة الكافية لصم الآذان فتجعلها كصوت قطار قادم على محطة وقوفه.
علاج لشلل الأطفال
لا يزال شلل الأطفال من الأمراض المستعصية في الطب. وقد وصل الطب إلى اكتشاف علاج له على ضوء اختبارات نباتية وصناعية. فقد كانوا من قبل يجربون لإحياء أعصاب المرضى مهتدين بما هو متبع في تقليم الأشجار بفضل الفروع التي لا فائدة منها للشجرة.
وكان الأطباء يعمدون إلى قطع الأعصاب الباقية في جزء ملتهب من الجسم بدقه بمطرقة صغيرة ذات وجهين. ونظرية الأطباء في هذه العملية هي أنه عندما يقطع العصب يبدأ في النمو ثانية ولكنه في هذه الحالة يتفرع بطريقة أقوى مما يجعله أكثر تغذية للعضلات وهو ما يحدث عند تقليم شجرة.
ولكن الاستخدام اليدوي لهذه المطرقة كان عملاً مرهقاً للطبيب ويحتاج إلى قوة احتمال طويلة منتظمة مما يصعب على أعصاب الطبيب تحمله.
وحدث أن زار بعض الأطباء الذين يهتمون بهذا المرض أحد مصانع الطائرات، وهناك رأوا مطرقة كهربائية على شكل مروحة تدور فتدق أطرافها المسامير. وفي هذه المطرقة وجد الأطباء ضالتهم المنشودة فصقلوها حتى تؤدي الغرض المطلوب منها في تقليم أعصاب المرضى بشلل الأطفال.
وقد أجريت التجارب في معهد فيلادلفيا في 500 مريض فتحسنت حالتهم إلى حد يدعو إلى كثير من الرجاء. ويرجع فضل هذه الاكتشافات إلى إحدى المؤسسات الخاصة بعلاج حالات الشلل التي قدمت لأطبائها ما يلزمهم من أموال لإجراء تجاربهم.
فوزي الشتوي