الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 615/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 615/الكتب

بتاريخ: 16 - 04 - 1945


أربعة كتب

1 - القومية والعروبة

2 - المنتخب المدرسي من الأدب التونسي

3 - إلى الأبد

4 - عطر ودخان

للأستاذ محمد عبد الغني حسن

1 - القومية والعروبة

هذا الكتاب على صغر حجمه يعد من أمتع ما كتب في موضوعه. سار فيه مؤلفه الأستاذ نقولا زيادة، من حياة القبيلة أو العشيرة، إلى حياة المدينة فالدولة، وذكر فيه فكرة نمو القومية والوطنية أولا، ثم وقوفها أجيالا طويلة، ثم عودتها ثانية للظهور بعد عصر النهضة الأوربية المعروفة بالرينسانس. وذكر أثر تلك النهضة في التحرر الفكري والتعبيري الذي كان من نتائجه محاولة التعبير عن النفس باللغة الوطنية: وتلك هي الخطوة لنشأة الشعور الوطني والقومي.

وللعروبة في هذا الكتاب فصل يعد، على إيجازه الكثير، تلخيصاً جيداً لتاريخ الأمة العربية، والموجات التي انساحت منها. ولو أن المؤلف أطال في هذا الفصل لاستطاع أن يلائم بين فصول الكتاب من حيث معالجة الموضوع. وذلك ما نعيبه على صديقنا المؤلف؛ فإنه لم يكتف بنصيب العروبة الضئيل في مكانها العالمي الآن، حتى جعل نصيبها في كتابه ضئيلا.

والأستاذ نقولا منصف للإسلام ومتعصب لعربيته. وهو يدعو غير المسلمين - وهو منهم - إلى إتقان اللغة العربية، وفهم القرآن الكريم فهماً صحيحاً. وفي ذلك أجران: أجر المسلم عند ربه، وأجر غير المسلم عند نفسه وعند عروبته، وعند أبنائه الذين ينشأون على منهج عربي صحيح.

وهذا كلام فيه من الجمال، والسماحة، واتساع الأفق، وصدق الوطنية، وقوة الروح العربية، ما لا يصدر إلا عن فتى عربي مثل أخي المسيحي نقولا زيادة، الأستاذ بالكلية العربية بالقدس، وخريج جامعة لندن، والذي أهدى كتابه (إلى كل من علمني درساً في الوطنية).

2 - المنتخب المدرسي من الأدب التونسي

العروبة كلها وطن واحد مهما تباعدت بها الأصقاع. ألم يكن المتنبي ينشد الشعر في حلب فتردده الدنيا في كل بلدة عربية من العراق، إلى مصر، إلى اليمن. واللغة العربية رباط يصل بين العرب والمستعربين. وقد وصل في التقديم بين العرب وغير العرب ممن أظلتهم الراية الإسلامية.

وما أحوجنا نحن العرب، في هذه الأزمان، التي تلعب فيها الأحداث السياسية أدواراً جساماً، إلى أن نصل بين تراثنا الفكري، ونصل منه ما قطعت الأيام.

في تونس أدباء، وفي تونس شعراء. ومن ثرى تونس الخضراء نبت علماء، نبتت لهم في الفكر العربي شئون، مثل ابن خلدون.

وإذا أتاحت ظروف النبوغ لرجل مثل ابن خلدون أن يشتهر في العالم العربي، وغير العربي، فإن مئات غير ابن خلدون لا نزال نحتاج إلى التعرف إليهم، والقراءة لهم.

وهذا ما فعله الأمير حسن حسني عبد الوهاب الصمادحي، حين أخرج كتابه (المنتخب المدرسي من الأدب التونسي). وقد أحسنت وزارة المعارف المصرية في طبع هذا الكتاب، الذي يعرف أبناء العروبة بإخوانهم في العروبة والإسلام أهل تونس من أهل الشعر والأدب والعلم. كما أحسن سعادة حسن حسني عبد الوهاب في تأليف هذا الكتاب وإهدائه إلى كل تلميذ عربي نجيب.

والواقع أن أستاذنا المؤلف الفاضل كان متواضعاً في إهداء كتابه إلى (التلميذ)، فهو كتاب يهدى إلى المعلم والمتعلم على السواء. ولكن في الرجل تواضعاً يبعد به عن الادعاء.

لقد أمتعني هذا الأمير التونسي المتواضع العالم بهديته النفسية التي عرفتني إلى فضيلة أرضه وفصل قومه. وهم إخواننا وجيراننا. والحق أن هديته هذه باقة تونسية مختلفة الثمر، ناضرة الزهر. ولو أنها وصلت إلى أدباء القرن الرابع عشر الهجري، لعرفتنا بتونس الحديثة التي يهم كل عربي أن يعرف كثيراً عن أدبائها وشعرائها وعلمائها. ولكننا نطمع منه في دراسة أخرى تصل حاضر تونس بماضيها، ولعله فاعل إن شاء الله.

3 - إلى الأبد

هذه ملحمة شعرية جديدة للأستاذ إلياس أبي شبكة، الأديب الشاعر اللبناني المعروف. أخرجتها دار المكشوف ببيروت. وهي دار لصنيعها في النهضة الأدبية الحديثة أطواق في أعناقنا. ولقد حاولت أن أدرس شعر هذه الملحمة الفاتنة على وجه واسع إلا أن (الرسالة) الغراء قيدتني في هذا المكان الضيق وقالت لي أكتب! كما يقيد الرجل الطير في قفص ويقول له غرد!

ولست بمستطيع ذلك على سبيل يرضي عنه النقد والذوق. فآثرت أن أنقل إلى القراء بعض أبيات من هذه الملحمة تعرفهم بنفسها وتدلهم على جمالها. قال:

جنت الدنيا كما نهوى فجنى ... إنما الدنيا هوى منك ومني

أنزلت عيناك في صحرائها ... من سماء الحب سلواي ومَنيِّ

وقال:

أحبك. . . لا أدري لماذا أحبها ... كيفاني إيماني بأني أشعر

وأهوى الذي تهوين حتى كأنني ... بقلبك أستهدي وعينيك أنظر

وقال:

أحبك لا أرجو نعيما يصيبني ... وأبذل من قلبي ولا أبتغي جدوى

وقد كنت أهوى فيك حسنا أناله ... فأصبحت أهوى فيك فوق الذي أهوى

وقال:

كنت في الناس كالنساء فلما ... جئت قلبي ظهرت شعراً ولحناً

وزرعت الآمال فيَّ نجوماً ... أي كنز أحب منها وأغني؟

نحن يا ليلَ أسعد الناس فلنغ ... فر لهم كل ما يقولون عنا!

ولقد كنت وأنا أمضي في قراءة هذا الديوان - أو هذه القصيدة الفريدة - أخط بقلمي على كل موضع فيه منها جمال. فلما كثرت الخطوط خرجت من هذه المهمة بأن القصيدة كلها نشيد عذب من الجمال. فأهنئ الأخ الشاعر (إلياس أبو شبكة) على تحفته، وأشكره على هديته. والقصيدة كلها - على اختلاف أوزانها وقوافيها - تجري على نغم حلو الرنين مستقيم الوزن

ولقد وقفت وأنا أقرأ هذه القصيدة عند بيت أعجبني وهو:

سوف نغدو في الورى أسطورة ... ينقل الناس الهوى عنك وعني

أترى في أي ديوان قرأت مثل هذا البيت؟ ولأي شاعر ينسب هذا المعنى؟ ألم يقل شوقي في مصرع كليوباترة:

غننا في الشوق أو غنى بنا ... نحن في الحب حديث بعدنا

نعم قال شوقي ذلك. ولكن الياس أبو شبكة زاد عليه قوله (ينقل الناس الهوى عنك وعني) وتلك زيادة شرح وبيان زاد بها المعنى حلاوة وليست من فضول الكلام.

4 - عطر ودخان

اشتهر الأستاذ محمود تيمور بالقصة وله فيها مكان مشهور أما أدب المقالة فلم يطالعنا منه إلا هذا الكتاب الجديد (عطر ودخان). فهو محاولة أولى من قلم تيمور؛ ولكنها محاولة ناجحة، فإن أفكار تيمور التي كان يبثها في خلال قصصه ومسرحياته نراه اليوم يبثها في خلال طائفة من المقالات الممتعة.

ولكن أليس لنا أن نتساءل لماذا عدل تيمور عن فن القصة في معالجة المشكلات إلى فن المقالات؟ هل وجد في المقالة متسعاً للعلاج لم يجده في القصص والمسرحيات؟ جواب هذا السؤال عند تيمور نفسه. ولكننا نستطيع أن نؤكد له أن هذه المقالات فيها من المتعة الفنية الكثير. وأن فيها من روح القصصي الكثير. وأن فيها نفوذاً إلى دقائق الحياة عالجها تيمور في هدوئه ورفقه أكثر مما يعالج الكتاب الاجتماعيون بالأرقام والمستندات. . .

وأول شئ في هذا الكتاب فصل عن الرجعية الحميدة وكونها من دعائم النهضة الحديثة. فالأستاذ تيمور في هذا الفصل العميق ينادي بأن نأخذ من الجديد ما يبقى على شخصيتنا ويجعلها قوية نامية. وينادي بأنه ليس من المستطاع قطع الصلة بالماضي قطعاً باتاً مهما يكن من أمره ومهما تكن المصلحة في هذا القطع. فما يدعو أليه ولاة التجديد من نفض اليدين من تراث الماضي مضاد للطبيعة القاهرة التي جعلتنا زبدة ذلك الماضي. وهذا كلام جميل وخاصة أن الرجل كمحمود تيمور عرف ثقافة العرب وثقافة الغرب. ولعل هذه الصرخة الكريمة من تيمور مضافة إلى صرخات المعتدلين تحمل المغالين في تحقير القديم على أن يخففوا من غلوائهم.

وهذا الفصل الأول جعله تيمور جداً كله، ولهذا صدر به كتابه الجديد، إلا أن في الفصول التالية جمعاً بين الجد والدعابة. ودعابة تيمور كالجد لأنه يرسلها في جو من الحياء والاستحياء والوقار فيختلط على قارئه الأمر ولا يدري أجاداً كان أم مداعباً. . .

ومحمود تيمور بارع في الصور الوصفية للرجال، ولا شك أن لوحاته الثلاث لشقيقه إسماعيل باشا تيمور ولصديقه زكي طليمات وبشر فارس هي مما يحملنا على أن نستزيده من مثلها لأخواننا الأدباء. . .

محمد عبد الغني حسن