مجلة الرسالة/العدد 614/أقوال في الزكاة مهمة، لأئمة
→ الرصافي وأغاخان | مجلة الرسالة - العدد 614 أقوال في الزكاة مهمة، لأئمة [[مؤلف:|]] |
علم العرب الأقدمين بالجراد ← |
بتاريخ: 09 - 04 - 1945 |
للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي
أراجع من أجل الطبعة الثانية لكتابي (الإسلام الصحيح) مؤلفات القوم، فأجد في (إعلام الموقعين عن رب العالمين، وفي مفاتيح الغيب، وفي المحلى) هذه الأقوال العظيمة المهمة في الزكاة والمعونة. وهي أقوال لا تسأل راويها تفسيراً ولا تفصيلاً؛ إنها تشرح نفسها، وتعلن أمرها، وتذكر وتنذر، بل تكاد تنطق بالحق مصوتة مثل الأناس الناطقة. وقد رأيت أن أتعجل نشرها في (رسالتنا) الإسلامية، والسبق من دأب (الرسالة) ومن دأبها تعجل الخير.
- 1 -
قال الإمام عبد الله محمد المعروف بابن قيم الجوزية في (إعلام الموقعين عن رب العالمين):
إن عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) أسقط القطع عن السارق في عام المجاعة. قال السعدي: حدثنا هارون بن إسماعيل الخراز: حدثنا علي بن المبارك حدثنا يحيى بن أبي كثير: حدثني حسان بن زاهر أن ابن حدير حدثه عن عمر قال: لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة. قال السعدي: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث، فقال: العذق النخلة، وعام سنة المجاعة. فقلت لأحمد: تقول به؟ فقال: إي لعمري.
قلت: إن سرق في مجاعة لا تقطعه؟
فقال: لا. إذا حملته الحاجة على ذلك، والناس في مجاعة وشدة. وقد وافق أحمد على سقوط القطع في المجاعة الأوزاعي، وهذا محض القياس ومقتضى قواعد الشرع؛ فإن السنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة غلب على الناس الحاجة والضرورة فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد رمقه، ويجب على صاحب المال بذل ذلك إما بالثمن أو مجاناً على الخلاف في ذلك. والصحيح وجوب بذله مجاناً لوجوب المساواة، وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج.
قلت: قد درأ الحد عن السارق في غير المجاعة وفي غير السنة، ففي (سيرة عمر بن عبد العزيز) للإمام أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي: (. . . حدثنا زياد بن أنعم الألهاني عن عمر بن عبد العزيز أنه أتى إليه بسارق، فشكا إليه الحاجة، فعذره وأمر له بنحو عشرة دراهم)
والمثل يقول: (الخلة تدعو إلى السلة) والخلة الفقر، والسلة السرقة، قال العلامة الميداني: ويجوز أن يراد بالسلة سل السيوف. . .!
- 2 -
قال الإمام محمد فخر الدين الرازي المعروف بخطيب الري في (مفاتيح الغيب) وهو تفسيره الكبير الشهير:
1 - إن النفس الناطقة لها قوتان: نظرية وعملية، فالقوة النظرية كما لها في التعظيم لأمر الله، والقوة العلمية كما لها في الشفقة على خلق الله، فأوجب الله الزكاة ليحصل لجوهر الروح هذا الكمال وهو اتصافه بكونه محسناً إلى الخلق ساعياً في إيصال الخيرات إليهم دافعاً للآفات عنهم.
2 - إن الخلق إذا علموا في الإنسان كونه ساعياً في إيصال الخيرات وفي دفع الآفات عنهم - أحبوه بالطبع، ومالت نفوسهم إليه - لا محالة - على ما قال عليه الصلاة والسلام: (جبلت النفوس على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها) فالفقراء إذا علموا أن الرجل الغني يصرف إليهم طائفة من ماله، وأنه كلما كان ماله أكثر كان الذي يصرفه إليهم من المال أكثر - أمدوه بالدعاء والهمة. وللقلوب آثار، وللأرواح حرارة، فصارت تلك الدعوات سبباً لبقاء ذلك الإنسان في الخير والخصب، وإليه الإشارة بقوله تعالى: (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) وبقوله عليه الصلاة والسلام: (حصنوا أموالكم بالزكاة)
3 - إن المال سمي مالاً لكثرة ميل كل أحد إليه فهو غاد ورائح، وهو سريع الزوال مشرف على التفرق، فما دام يبقى في يده كان كالمشرف على الهلاك والتفرق، فإذا أنفقه الإنسان في وجوه البر والخير والمصالح بقي بقاء لا يمكن زواله، فإنه يوجب المدح الدائم في الدنيا والثواب الدائم في الآخرة. وسمعت واحداً يقول: الإنسان لا يقدر أن يذهب بذهبه إلى القبر. فقلت: بل يمكنه ذلك إذا أنفقه في طلب الرضوان الأكبر فقد ذهب به إلى القبر، وإلى القيامة.
4 - إن إيجاب الزكاة يوجب حصول الإلف بين المسلمين وزوال الحقد والحسد عنهم، وكل ذلك من المهمات.
5 - إن الأغنياء لو لم يقوموا بإصلاح مهمات الفقراء فربما حملتهم شدة الحاجة والمسكنة على الالتحاق بأعداء المسلمين، وعلى الإقدام على الأفعال المنكرة كالسرقة وغيرها.
- 3 -
قال الإمام ابن حزم في المحلي:
فرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات ولا فيء سائر أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والشمس وعيون المارة.
قال عمر بن الخطاب (ض) لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين.
وعن ابن عمر أنه قال: في مالك حق سوى الزكاة.
وصح عن الشعبي ومجاهد وطاوس كلهم يقول: في المال حق سوى الزكاة.
. . . ويقولون: من عطش فخاف الموت ففرض عليه أن يأخذ الماء حيث وجده وأن يقاتل عليه.
فأي فرق بين ما أباحوا له من القتال على ما يدفع به عن نفسه الموت من العطش وبين ما منعوه منه من القتال عن نفسه فيما يدفع به عنها الموت من الجوع والعري، وهذا خلاف للإجماع وللقرآن وللسنن وللقياس.
ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة أو لحم خنزير وهو يجد طعاماً فيه فضل عن صاحبه لمسلم أو ذمي، لأن فرضا على صاحب الطعام إطعام الجائع، فإن كان ذلك كذلك فليس بمضطر إلى الميتة ولا إلى لحم الخنزير، وله أن يقاتل عن ذلك، فإن قتل فعلي قاتله القود، وإن قتل المانع فإلى لعنة الله لأنه منع حقاً. وهو طائفة باغية. قال تعالى: (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) ومانع الحق باغ على أخيه الذي له الحق، وبهذا قاتل أبو بكر الصديق مانع الزكاة.
تلكم أقوال الإسلامية عربية بينة. وأقول في هذا المقام وفي الختام: إنه من لم يجب داعي الله وهدى (الكتاب) وشرعة سيد الأنبياء والمرسلين - وفي الوقت فسحة - فليرتقب طلعة التنين، وقسمة لينين. . .!!
محمد إسعاف النشاشيبي