مجلة الرسالة/العدد 611/البريد الأدبي
→ هذا العالم المتغير | مجلة الرسالة - العدد 611 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 19 - 03 - 1945 |
الأستاذ النشاشيبي
كادت القاهرة في هذا الشتاء أن تكون حاضرة العالم كله. وفد إليها الملوك والرؤساء والوزراء وأقطاب السياسة وأعيان الأدب وأعلام الصحافة، فأشرقت بهم إشراق الفجر المسفر عن صبح يوم سعيد، ثم غادروها بعد أن وضعوا في تاريخ الشرق العربي عنوان فصل جديد. وكان آخر من تركها إمام العربية وخاتمة محققيها الأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي رائد الوحدة الوحدة العربية بما حاضر وخطب، ورسول الجامعة الإسلامية بما ألف وكتب. والأستاذ النشاشيبي شخصية قوية تميزت بجملة من الفضائل والمواهب قلما تجتمع لأحد. وقف نفسه ووقته وجهده على دراسة الإسلام الصحيح في مصادره الأولى، وتحصيل اللغة وعلومها وآدابها من منابعها الصافية، وأعانه على ذلك قريحة سمحة وبصيرة نيرة وذاكرة قوية وذوق سليم، فكان آية من آيات الله في سعة الاطلاع وكثرة الحفظ وتقصي الأطراف وتمحيص الحقائق. ومن يقرأ ما ألف من الكتب، ويتتبع ما نشر من المقالات، يجد الدليل الناهض على كل ذلك.
كان مجلسه في (الكنتنتال) ندوة علم وأدب وفكاهة؛ لا تُذكر مسألة إلا كان له عنها جواب، ولا تثار مشكلة إلا أشرق له فيها رأي، ولا تروي حادثة إلا ورد له عليها مثَل، ولا يحضر ندوته أديب مطلع إلا جلس فيها جلسة المستفيد. حفظ الله الأستاذ الكبير في حله وترحاله، وحفظ العربية والعروبة بنبوغ أمثاله.
الدكتور عبد الوهاب عزام
أقيل الدكتور حسن إبراهيم حسن من عمادة كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول. وفي يوم الأربعاء الماضي اجتمع مجلس الكلية لانتخاب العميد الجديد، فانتخب صديقنا الدكتور عبد الوهاب عزام بما يشبه الإجماع. وفي هذا الانتخاب الموفق رفعٌ لهذا المنصب إلى المستوى الذي كان له حين شغله الأستاذان الجليلان طه حسين وأحمد أمين؛ فإن للدكتور عزام من سعة العلم وسمو الخلق ورفيع المكانة ما يرد إلى عمادة الآداب اعتبارها، ويحقق للكلية ما ترجوه من حسن الثقة وسداد التوجيه واطراد التقدم.
ذكرى الأستاذ أمين الريحان في الساعة الرابعة بعد ظهر يوم السبت الماضي احتفلت بيروت بذكرى الكاتب الفيلسوف الأستاذ أمين الريحاني بمناسبة قرار الحكومة اللبنانية (رفع رسمه في دار الكتب الكبرى، وإطلاق اسمه على أحد الشوارع المعروفة)، فافتتح الحفلة وزير التربية الوطنية والفنون الجميلة، وخطب صاحب الدولة رئيس الوزارة السورية، فمندوب المملكة السعودية، ثم أنشدت قصيدة للأستاذ خليل مطران بك عن مصر؛ ثم تتابع على المنبر الأساتذة: خليل تقي الدين، وخليل السكاكيني، وسامي الكيالي، وعمر الفاخوري، وفؤاد باشا الخطيب، فوفوا صاحب الذكرى حقه من الإشادة بفضله والاعتراف بجميله.
ومصر الأدبية تشاطر المحتفلين الأفاضل هذه العاطفة الكريمة وتسأل الله أن يتغمد فقيد العربية بالرضوان والرحمة.
محمد رمزي بك مؤرخ البلدان المصرية
يلاحظ الذين يقرئون في كتاب (النجوم الزاهرة) لابن تغري بردى تعليقات ثمينة على الأماكن الأثرية والمدن والقرى المصرية.
وتكاد هوامش هذا الكتاب القيم تزدحم بهذه التحقيقات التي تدل على بسطة في العلم وسعة في الاطلاع، حتى ليخيل إلى القارئ أن صاحبها لم يدع أثراً من آثار مصر ولا خطة من خططها إلا تعرف إليه معرفة الخبير.
ذلك العالم الذي فجع العلم بوفاته في الأسبوع الماضي هو المرحوم محمد رمزي المفتش بالمالية سابقاً ومؤرخ المواقع المصرية ومحقق تاريخ الآثار والديار وصفتها وتحديد أماكنها القديمة إذا كانت ضاعت معالمها
كان محمد بك رمزي دليلا حافلا من دلائل الآثار المصرية وخاصة الإسلامية منها. وقد عرفت له الهيئات العلمية والدوائر الرسمية هذا الفضل فكانت تأنس إلى رأيه وتطمئن إلى تحقيقه ولطالما تهافتت عليه الهيئات وألحت عليه فصرفته عن التأليف المستقل إلى الكتابة هنا وهناك وهو في ذلك لا يشفق على سنه العالية؛ كأنه كان يزيد على الهرم مضاء وفتاءً.
ويشهد بهذا الفتاء الجزء التاسع من (النجوم الزاهرة) الذي خرج إلى سوق الأدب من عهد غير بعيد فإذا به يفيض بتحقيقات عجيبة لا يتسع لها صدر رجل جاوز السبعين. فهو يحقق في هامش صفحة 96 موضع (جامع بين السورين) ويناقش المقريزي مناقشة العالم.
ويعلق في ص 144 على (خانقاه سرياقوس) وتاريخ إنشائها فيصوب ما ذكره المقريزي ويخطئ رواية ابن تغري بردى في (النجوم الزاهرة).
وهكذا تجد للرجل - في هامش كل صفحة تقريبا - تعليقاُ وتحقيقاً وتصويباً وتخطيئاً. وهو في ذلك كله الحجة الثبت. وهو الذي عرف الدكتور عزيز سوريال عطية الأستاذ بجامعة فاروق الأول إلى المغفور له الأمير عمر طوسون فكلفه إخراج كتاب (قوانين الدواوين) لابن مماتي إخراجا علمياً. فقام الدكتور بالعمل؛ وراجع محمد رمزي بك الباب الثالث من الكتاب وهو الخاص بتقويم البلدان، وأقام ما فيه من تحريف وتصحيف فاستحق بذلك شكر الأمير وتقديره في مقدمته للكتاب
ولقد عرفت الفقيد معرف عين وحديث من ثلاثة أعوام. قدمني إليه محمود نصير بك فرأيت منه فضل التشجيع وحسن التقدير؛ ورأيت منه فوق ذلك تواضعاً أكبره في عيني؛ ورأيت تحت إبطه خريطة منتفحة لا يحمل فيها مالا ولا ذهباً؛ ولكن يحمل علماً وأدباً. . .
وحدثته بعد ذلك في (المسرة) حديثاً علمياً تاريخياً. وكان ذلك منذ عام. وما كنت أدري أنه حديث لغير لقاء. أجمل الله للعلم فيه العزاء.
محمد عبد الغني حسن
تصويب اسم كتاب
ذكر الأستاذ الفاضل منصور جاب الله في العدد (610) من مجلة الرسالة الغراء أن أسم كتاب صاحب العالي الدكتور هيكل باشا (الفاروق عمر) خطأ لأن علماء النحو من بصريين وكوفيين نصوا على أن الاسم يتقدم على اللقب في جميع الأحوال، فيقال: (عمر الفاروق) ولا يقال (الفاروق عمر)
وقد فات الأستاذ أولا أن اللقب إنما يجب تأخيره عن الاسم إذا لم يكن اجتماعهما على سبيل إسناد أحدهما إلى الآخر، فإذا كان اجتماعهما على هذا السبيل أخر منهما ما قصد المتكلم الحكم به. ويمكن أن يكون اسم هذا الكتاب (الفاروق عمر) على سبيل الإسناد. فهو جملة اسمية مركبة من مبتدأ وخبر. وقد ورد عن العرب العلم المركب من جملة فعلية مثل تأبط شرا، وشاب قرناها، ولم يرد عن العرب المركب من مبتدأ وخبر، ولكنه جائز بمقتضى القياس كما ذكره الأشموني.
وفاته ثانياً أن تقديم اللقب على الاسم في غير الإسناد جاء نادراً في مثل قول أخت عمرو ذي الكلب:
أبلغ هُذَيْلاً وأبلغ من يُبَلَّغهُا ... عني حديثاً وبعض القول تكذيبُ
بأن ذا الكلب عَمْراً خيرهم حسباً ... ببطن شِرْيَاِنَ يغوى حوله الذَّيبُ
وكذلك ورد في قول أوس بن الصامت:
أنا ابن مُزيْقِيَا عمرٍو وجَدَّي ... أبوه منذرٌ ماء السمَاءِ
ولا شك أن ورود هذا، وإن كان نادراً، مما يكفي في تصويب اسم هذا الكتاب (الفاروق عمر)، والحكم بأنه خطأ مع هذا تعنت لا يقبل في عصرنا.
عبد المتعال الصعيدي
وقد زاد الأديب أحمد إبراهيم الغرباوي على ذلك بقوله:
وقد نقل العلامة (يس) في حاشيته على كتاب التصريح قول الزرقاني: (قد نص ابن الأنباري على أن اللقب إذا كان أشهر من الاسم يبدأ به قبل الاسم، كما في قوله تعالى: إنما المسيح عيسى بن مريم، فإن المسيح لا يقع على غيره بخلاف عيسى فإنه يقع على عدد كثير. ولذلك تقدم ألقاب الخلفاء لأنها أشهر من أسمائهم).
قال السيوطي: (ففي هذا تخصيص لإطلاق وجوب تأخير اللقب).