مجلة الرسالة/العدد 61/سافو
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 61 سافو [[مؤلف:|]] |
الكتب ← |
بتاريخ: 03 - 09 - 1934 |
5 - سافو
لأوجييه اميل
ترجمة الأستاذ محمود خيرت
حنا - لنر الآن ماذا أكتب إليك: (لا أنسى عطفك على بزيارتي يا فني) ولكن متى كان ذلك (يقرأ) إبريل من هذه السنة. . إذن فقد أقدمت على زيارته وأنت معي. . .
فني - شفقة به وحياتك عندي
حنا - (يقرأ): (وإني أفكر الآن في أمر ولدنا. .) ولك منه ولد؟
فني - نعم. فماذا تريد الآن
حنا - ها. ها. ما أكبر فخرك بهذه البذرة التي نبتت في السجن!
فني - (صارخة شامخة في غضبها) لا تزد على ذلك حرفاً
حنا - وما أجمل طفلاً أبوه فرومان وأمه سافو!
فني - لا تسبه فهو ولدي
حنا - (وقد غلبته صرخة الأمومة) حسناً
فني - (بصوت مخنوق) قضى الأمر بيننا، فعد إلى أهلك لعلك تسعد إلى جانبهم
حنا - يا لك من قذرة!
فني - يا لأمك وابنة عمك من حواصير!
حنا - ماذا؟ (يهم بضربها فتحتقره هازة كتفيها)
فني - حقيقة إنك نذل. أخرج الآن من هنا.
حنا - على هذا عزمت (يأخذ حقيبته وعند ما يصل إلى الباب يلقي الخطاب في وجهها ثم يختفي فتتناوله وتضعه فوق المائدة وهي تبكي وتنشد)
فني - ظلموني وأسرفوا=حين نّموا وأرجفوا
كم تخيّلت أنه ... ذو شعورٍ فيعطف
فإذا الطبع واحدٌٌ ... دبّ فيه التعسف
وإذا من بذكرِه ... كنت في الحب أهتف
حانثٌ في يمينه ... واعدٌٌ وهو مخل قُضى الأمر لم يعد ... لي من الناس مُنصفُ
الفصل الرابع
(في أفينون منزل أسرة جوسين إلى اليمين، وله حديقة بئرها في الجهة اليسرى، وعلى بعد نهر الرون. والأشخاص حنا ووالداه وإيرين ثم سافو وهم عدا سافو على المائدة حيارى لحزن جنا، وعندئذ تشير ديفون إشارة فيخلو المكان إلا منها ومن ولدها.)
ديفون - مالك يا حنا؟
حنا - أمي!
ديفون - (تمسح رأسه بكفها) مم تشكو يا ولدي؟
حنا - لا أدري!
ديفون - لا تكذبي. أحدث لك حادث هناك؟
حنا - كلا. يا أمي
ديفون - إذن لم تعجلت العودة حتى كأنك فررت إلينا فراراً؟.
حنا - لا، لا شيء يا أمي
ديفون - لعل امرأة خدعتك أو حباً غير موفق صادفك؟.
لا تخف عن أمك شيئاً يا حنا. إنك لا تجهل مالك في فؤادها من الحب.
حنا - أمي. ما أخطأت ولكني شفيت
ديفون - أصدقني يا حنا
حنا - كانت يا أماه ثورة ولكني نسيتها، فهل أستحق بعد ذلك صفحك عني؟.
ديفون - وماذا فعلت مما يستوجب صفحي يا ولدي؟
حنا - آه ليتك يا أماه تنزلين إلى أعماق نفسي؟
ديفون - إن حنو الأمهات يخترق الحجب فتتكشف لهن الأحزان والدموع
حنا - ليقاسمن أبنائهن إياها
ديفون - نعم يا بني حتى تغسلها قبلاتهن. تشجع يا حنا وإذا عادت إليك همومك فأستحلفك ألا تكتمها عني
حنا - سأفعل يا أماه ودعيني أضمك ديفون - نعم. نعم تعال فادفن همك عند صدري (يضمها)
حنا - الآن خف حمل ألمي. وهدأت ثورتي. وربما أخطأ الحزن بعد ذلك طريق قلبي ما دمت إلى جانبي
ديفون - إذن أدعك لأزف إلى أبيك هذه البشرى، فإنه يطرب إذا رأى نور السكينة يتلألأ في عينيك
حنا - نعم أسرعي إليه يا أمي (تخرج أمه)
إيرين - (مقبلة على حنا) ماذا يحزنك يا أبن عمي؟
حنا - لست السبب على كل حال يا إيرين
إيرين - ألست صديقتك. أنسيت مريم ويوسف؟. إنني ساعة الأسى أندفع إلى صدر صديق تذيب حرارته همي ويطرد حديثه وحشي
(يدخل سيزار)
سيزار - (مسرعاً إليه) حنا
حنا - (مندفعاً إليه) أبي
سيزار - (لإيرين) اذهبي أنت لديفون
إيرين - ولم لا لأبقى؟
سيزار - قلت لك اذهبي
إيرين - كأنك غاضب عليّ؟
سيزار - لا. ولكن دعينا الآن (تخرج حزينة) (لولده) آه يا ولدي المسكين. إنها هنا. . .
حنا - (مضطرباً) هنا؟ أو عادت؟
سيزار - نعم وتلح في أن تراك!
حنا - سافو؟
سيزار - نعم هي يا ولدي. أحسبتني عميت عن أمركما وأنت تكتمه عنا. ولكن تشجع عند مقابلتها يا حنا
حنا - سأكون عند نصيحتك يا أبي، ولقد كنت من برهة أنتفض وأتلوى. أما الآن فسأستقبلها بقلب ثابت. نعم نعم يا أبي (سيزار يخرج وتتقدم سافو بخطى بطيئة وهي تنظر حولها حتى إذا وقع بصرها عليه أسرعت نحوه ثم وقفت فجأة)
سافو - (بعد سكوت طويل) لا تعتب على إذ عدت وما ودعتك الوداع الأخير. وقد كنت وأنا بعيدة عنك أشعر بألم خفي يعذني. أما الآن وقد رأيتك فقد ذهب ألمي.
حنا - إنني لا أحمل لك في نفسي غلاً
سافو - (والألم يرجها) ماذا؟ آه لو تعلم كم بكيت وكم هدني الجهد حتى لا ادري كيف أنني لم أزل من بين الأحياء (بدهشة) أتراني تغيرت؟
حنا - وهل تقيميين دائماً هناك؟
سافو - وأين تريد أن أقيم، وهناك تلك الذكريات التي أحيا عندها باللم. وكثيراً ما كنت على أثر البكاء تقتلني وحدتي فأضطر إلى العمل لأتسلى. وكم من مرة كنت أستيقظ عند الصباح باسمة فأرتدي ثوبي الأبيض وأصلح شعري على ما كنت تحب، ثم ألزم نافذتي إلى مغرب الشمس، وأنا أتسمع خطواتك وأتلمس عودتك، حتى إذا يئست أغلقها واستسلمت لحزني.
(يتبع)
محمود خيرت