الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 609/هذا العالم المتغير

مجلة الرسالة/العدد 609/هذا العالم المتغير

مجلة الرسالة - العدد 609
هذا العالم المتغير
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 05 - 03 - 1945


للأستاذ فوزي الشتوي

الفأر يختار لنا طعامنا؟

هل فقدنا وراء جرينا وراء الحقيقة حواس وغرائز زودنا بها الله؟

يصرح العلم بأننا أضعفنا كثيراً من غرائزنا أو على الأقل سيطرنا عليها فأصبحت لنا قوانين وتقاليد تحكم تصرفاتنا. ويرى خواص الحيوانات مميزات ليست في الإنسان. وعلى هدى هذه الغرائز يعيش الحيوان فيختار ما يفيده ويرفض ما يضره، ويتصرف بما يقي نوعه.

ومن التجارب التي أجريت أخيراً ما وفق إليه البروفيسور رشتار في أبحاث أجراها على الفيران لاختبار قدرتها الغريزية على اختيار الغذاء المفيد لها في الحالات المختلفة. فعمد إلى مجموعة من الفيران الكبيرة السن فأطلقها لتشرب كما تشاء من ماء نسبة الملح فيه 3 % ثم أزال غددها التي تعلو الكلى فكانت النتيجة عجيبة إذ شربت الفيران كمية كبيرة من الماء المالح.

وأزال الغدد التي في العنق فازدادت شهية الفيران إلى المواد الجيرية وغيرها من المواد المعدنية. ثم قسم البروفيسور رشتات وجبات الطعام إلى أكوام نقية من النشويات والزلاليات والدهنيات والفيتامينات، وزن كل منها محدود. وأعد أيضاً أوعية بسوائل تحتوي الأملاح المختلفة والفيتامينات وزيت كبد الحوت وكل مادة أخرى يراد اختبارها، فاختارت الفيران وجبات الغذاء اللازمة لها كأن أخصائيا في التغذية أوصاها بتناولها.

وتناولها مبعضه مرة أخرى فأزال البنكرياس من كل منها فأصبحت معرضة للإصابة بمرض السكر، فامتنعت الفيران عن تناول أي غذاء فيه سكر أو نشاء، واستهلكت كميات كبيرة من الدهن تماماً كما يوصي الطبيب مريضه.

وهكذا كلما استأصل منها الطبيب عضواً عوضت الجرذان عمله باختيار الطعام الملائم لها أو امتنعت عن الأغذية التي تضرها.

وكانت في كل مرة تقدم للبروفيسور رشتار قائمة بالأغذية التي يجوز تناولها والتي لا يجوز.

فهل جرد الإنسان من مثل هذه الغريزة التي ترشده إلى الغذاء الصالح له؟ لقد عاش الإنسان ملايين السنين معتمداً على حاسة الذوق وحدها فلم يرشده طبيب ولا أخصائي عما يجوز تناوله من الأغذية وما لا يجوز.

إن تقدم العلم وحده حول من وسائلنا وطرقنا في الحياة فمنع وأجاز بناء على اختبارات ثابتة. ولكنه لم يقل كل كلماته، ولم يكشف عن كل أسراره. فمنذ مئات السنين عرف الإنسان أن التغذية ليست خبزا وإداما، بل هي ما في هذا الخبز والإدام من وحدات حرارية تحرك أجهزة الجسم فرأينا أنفسنا كغلايات وقودها الطعام.

واكتشفت الفيتامينات فعرفنا سراً آخر، وأدركنا أن الأجهزة الإنسانية لا تعمل بالوحدات الحرارية فحسب، بل إن نشاطها ومرضها يعتمدان إلى حد كبير على حيوية هذه المواد التي أطلقنا عليها الحروف الهجائية، فالاعتماد على اللحم وحده مع وفرة كمياته الحرارية لا يمنع الجسم من الانحلال إن لم تعضده مجموعة الفيتامينات.

فنقص الفيتامينات في الجسم يؤدي إلى عدة أمراض تبدأ من الالتهابات الجلدية فإن استمر نقصها أوصلت الإنسان إلى الموت، ولا عبرة في هذا بوفرة الوحدات الحرارية التي يحويها غذاء الإنسان في وجباته. على أنه من الثابت أيضاً أن كمية الوحدات الحرارية التي تنتجها المواد الغذائية ذات أثر كبير في نشاط الإنسان، فالعامل الذي يشتغل بعضلاته يحتاج إلى كميات طعام أكثر من الموظف الذي يؤدي الأعمال الكتابية.

وتقودنا أبحاث البروفيسور رشتار إلى نتيجتين: أولاهما أن يؤدي التوسع في أبحاثه إلى معرفة دقيقة لأنواع الأغذية الملائمة للأمراض المختلفة مما يساعد الطبيب والمريض على سهولة الشفاء أو توقي المرض.

والثانية هي حاسة التذوق، فإذا كانت الجرذان بفضل هذه الحاسة تجيد اختيار طعامها فكيف نصقلها في الإنسان، وما هي على التدقيق، فقد ثبت من هذه التجارب أن الجرذان تفضل الغذاء الطبيعي الغني بالوحدات الحرارية وبالفيتامينات وغيرها من المواد الضرورية للحياة. وهي بهذه الحاسة تدرك من مطالبها أكثر مما يدرك الإنسان.

لماذا لا تحترق الشمس؟

ولو كانت الشمس مجموعة عادية من الغازات المحترقة لزالت من عالم الوجود. ولو كانت كمية من الفحم المحترق

لاستهلكت كميته من قرون مضت. ويعلل العلماء بقاء الشمس إلى الآن بأنها تتكون من غازات مرتفعة الحرارة إلى درجة تمنعها من الاحتراق.

فالاحتراق نوع من التأكسد ونظن عادة أنه يحدث بالحرارة، ومن المحتمل أنه إذا كانت الحرارة شديدة جداً فان التأكسد يمتنع وهذا ما حدث للشمس فعلا. فدرجة حرارة غازاتها مرتفعة جداً إلى حد يمتنع فيه التأكسد والاحتراق.

ويعرف العلماء الذين يدرسون الشمس أن درجات الحرارة المرتفعة تحلل المركبات الكيميائية وتقسمها لعناصرها الأولية المختلفة، ولهذا فان الغازات المكونة للشمس هي خليط آلي من العناصر الأولية. ولا يوجد فيها مركبات كيميائية بتاتاً فان الخلط آلي وليس كيميائياً

ونحن نعرف أن الشمس تفقد حرارتها التي نستفيد منها، على أن هذه الحرارة تفقد ببطء ينتظر معه أن تعيش عدة بلايين من السنين.

تربية الأسماك

عندما هددت الغواصات الألمانية الشعب الإنجليزي بالجوع كلف معهد الصناعات الكيميائية الإمبراطوري السير جون جراهم كر والبروفيسور جروس بإجراء التجارب لزيادة المحصول القومي من الأسماك. وأفردت للعالمين بحيرة يجريان فيها تجاربهما في إحدى خلجان اسكتلندا.

وبعد عدة محاولات نجحا في تحقيق المطلوب منهما إذ تمكنا من زيادة إخصاب البحيرة بالنترات والفوسفات التي كان يتغذى بها السمك الصغير، وهو الغذاء الطبيعي للأسماك بسرعة غريبة فان حجمها ووزنها زاد في شهر أو شهرين زيادة كبيرة كانت تستلزم ثلاث سنين بطرق التغذية العادية. وكانت النتيجة أن شباك الصيد وجدت في الأسماك كمية وافرة فبلغ وزن بعض الأسماك 20 ضعفا لوزن مثيلاتها في العمر.

فوزي الشتوي