مجلة الرسالة/العدد 603/البريد الأدبي
→ حولي عينيك. . . | مجلة الرسالة - العدد 603 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 22 - 01 - 1945 |
إلى معالي الدكتور عبد الرزاق السنهوري بك
يا وزير الحقَّ والعدل ويا ... منهلاً يَغْرف منه كل غارفْ
// لك في العلم مكانٌ سابقٌ ... وتليد في القوانين وطارفْ
كنت كالصخرة لا تَعْيَا على ... صَخَبات الموج والتَّيارُ جارفْ
العصامية فيك انكشفت ... عن ضليع وقدير في المواقف
هذه (دجُلة) قد روَّيتها ... فهي ظلُّ مِنْ جَنَى علمك وارفْ
فاجعل العلم بمصرٍ قبلةً ... يلتقي في كعبتيها كلُّ طائفْ
قد شَدَدَتْ العدل في دارته ... فأَقْمُه اليومَ في دار المعارفْ
م. ع. ح
نشيد العرب
(اختار إمام العربية الأستاذ إسعاف النشاسيبي هذه الأبيات من قصيدة للشريف بهذا العنوان في كتابه (البيتمان) واقترح بعض الأدباء في مجلسه أن يلحنها أحد الملحنين لتكون النشيد العام لـ (جامعة الدول العربية) وكان الأستاذ سامي الشوا حاضراً فأخذ على نفسه أن يلحنها وتلك الأبيات):
أما كَنَتَ مَع الحي ... صباحاً حينَ ولينْا
وقد صاحَ بنا المجدُ ... إلى أينَ إلى أينا؟
لنا كلُّ غلامٍ هُّم ... هُ أن يَرِدَ الحْينا
لنا السَّبْقُ بأقدامٍ ... إلى المجدِ تساعَينا
ترى زَمْجَرَة الآسا ... د همساً بين غابَيْنا
مَلَكَنا مَقَطَع الرزِق ... فأقْفرنا وأغنَيْنا
وحُزنا طاعةَ الدهرِ ... فأغْضَبْنا وأَرْضينا
إذا ما ثَوَّبَ الداعي ... إلى الموتِ تَدَاعَيْنا
تصو وقعت أخطاء مطبعية في مقالي الثاني عن مليم الأكبر بالعدد الماضي من (الرسالة). وكثيراً ما وقع مثلها في مقالاتي فلم أنبه إليه اعتماداً على ذكاء القارئ، وتوفيراً للوقت والورق!
ولكني يعنيني اليوم تصحيح خطأ يقلب قضية كاملة، فقد سقطت كلمة (لا) من جملة، فأحالت المعنى إلى نقيضه في موضع شديد الحساسية!
قلت عن المؤلف (مليم) بعد اقتباس فقرات من كتابه: (فهم بعض إخواننا من هذه الفقرات أنه يشير إلى أسلوب (القرآن) وتحكمه في نمو الأدب العربي، وغضبوا لهذا الفهم جداً. . .)
ثم قلت:
(وأنا لا أحب أن أعرض للمسألة على هذا الوجه، ولا أن أحكم الحس الديني في مسألة أدبية)
وهذا هو التصحيح بنفي الجملة، وهذا ما اتبعته في كتابي (التصوير الفني في القرآن) الذي أشرت إلى منهاج البحث فيه على هذا الأساس في نفس المقال. فقد أردت أن تكون نظرتي للقرآن نظرة فنية بحتة مجردة عن كل تأثر ديني في دراستي لطريقته التصويرية المبدعة.
سيد قطب
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
أصدرت لجنة التأليف هذا الكتاب بقلم معالي مصطفى عبد الرزاق باشا، وهو يقع في 359 صفحة من الحجم الكبير، والكتاب قسمان وضميمة: القسم الأول مقالات الغربيين والإسلاميين في الفلسفة الإسلامية وتحته فصول: الأول في مقالات المؤلفين الغربيين، والثاني في مقالات المؤلفين الإسلاميين، والثالث في تعريف الفلسفة وتقسيمها عند الإسلاميين، والرابع في الصلة بين الدين والفلسفة عند الإسلاميين. وعنوان القسم الثاني (منهجنا في درس تاريخ الفلسفة الإسلامية)، وتحته ثلاثة فصول: الأول في بداية التفكير الفلسفي الإسلامي، والثاني في النظريات المختلفة في الفقه الإسلامي وتاريخه، والثالث في الرأي وأطواره. وخاتمة الكتاب ضميمة في علم الكلام وتاريخه هذا الكتاب هو أهم وأعظم المؤلفات خطراً من الناحية الثقافية في العصر الحاضر، ولا ترجع أهمية الكتاب إلى أن صاحبه وزير من وزراء الدولة، بل لأن المؤلف كان الأستاذ الفلسفة الإسلامية بالجامعة، وانه صاحب مدرسة لها شأنها في مصر والشرق. وليست هذه المدرسة داراً ذات جدران يختلف إليها المدرسون والطلاب في أوقات معلومة، بل هي مدرسة روحية تعتمد على الطريقة والمذهب، والأسلوب والفكرة. وهي مدرسة قديمة زعيمها جمال الدين، ثم تلميذه محمد عبده، ثم تلميذه مصطفى عبد الرزاق.
منهج المدرسة الحرية في البحث، والتثبيت والتحقيق، والاعتماد على الثقافة الإسلامية الصحيحة، ومذهبها النهضة والإصلاح في العلم والدين.
والحرية أهم ما يميز منهج هذه المدرسة. ومن آيات ذلك أن زعماءها لم يجدوا حرجاً في الاطلاع على آثار الغربيين والمستشرقين، والأخذ بما في آرائهم من صواب، ونبذ ما جاء على لسانهم من أخطاء، ولاشك أننا استفدنا من طرائق الغرب في البحث، كما أننا نأخذ عنهم إلى جانب العلوم الحديثة كالطبيعة والكيمياء وعلم الحياة، التاريخ الإسلامي وعلوم الدين. ذلك أن المؤلفات الإسلامية في التاريخ والدين التي كتبت في عصور قديمة لا تلائم روح العصر الجديد ولا يتذوقها المحدثون الذين درجوا في دراساتهم على مناهج الغربيين الحديثة. ومن الخطر الشديد أن نستقي تاريخنا عن الغرب، ولا حيلة للشباب إلا الرجوع إلى هذه المؤلفات الأجنبية، لأن الطبيعة نشأتهم في الدراسة تدفعهم إلى ذلك. وقد كان مصطفى باشا رفيقاً في خطاب هؤلاء المستشرقين فقال: (أما بعد، فان الناظر فيما بذل الغربيون من جهود في دراسة الفلسفة الإسلامية وتاريخها لا يسعه إلا الإعجاب بصبرهم ونشاطهم وسعة اطلاعهم وحسن طريقتهم. وإذا كنا قد ألمعنا إلى نزوات في الضعف الإنساني تشوب أحيانا جهودهم في خدمة العلم، فأنا نرجو أن يكون في تيقظ عواطف الخير في البشر، وانسياقها إلى دعوة السلم العام، والنزاهة الخالصة والإنصاف والتسامح، مدعاة للتعاون بين الناس جميعاً على خدمة العلم باعتباره نوراً لا ينبغي أن يخالط صفاءه كدر)
فأنت ترى أن المؤلف اطلع على مقالات المستشرقين، ثم ناقشتها، ثم عاد إلى الأصول التي استقى منها الشرقيون نتائج أبحاثهم وهي الكتب والمخطوطات الإسلامية، ودرسها بنفسه وذوقه واستعداده وروحه أو روح المدرسة التي وصلت زعامتها إليه، ينشد الحق والخير، وينبغي النهضة والإصلاح.
وفي الكتاب ظواهر كثيرة جديرة بالتسجيل والالتفات أولاها أن المنهج الذي جرى عليه المؤلف منهج حديث سليم، يتذوقه أولئك الذين درسوا على مناهج الغربيين
والظاهرة الثانية هي الدقة في تحري الحقائق في مظانها، ورد الأقاويل إلى مصادرها، مع الإحاطة بأغلب المصادر من مطبوع ومخطوط.
والثالثة الوضوح التام، والتمييز بين المعاني المختلفة والآراء المتباينة، وإيراد الحجج لأنصار الرأي ومخالفيه، والخروج بعد ذلك بالنتيجة الصحيحة.
وعنوان الكتاب (تمهيد لدراسة الفلسفة الإسلامية)، يشير إلى الغرض الذي يرمي إليه صاحب الكتاب، وهو دعوة المفكرين والطلاب إلى السير في هذا الطريق، واستيفاء البحوث التي أثارها وفتح أبوابها فكانت موضع النظر والتفكير الطويل
وأبرز الآراء وأكثرها خطراً القول بأن الفلسفة الإسلامية الصحيحة ينبغي التماسها في بفقه الإسلامي
هذه القضية تناقض تمام التناقض ما يقول به المستشرقون بأن المسلمين عارون عن الفلسفة، وأن الفلسفة التي دخلت إلى ثقافتهم يونانية.
ومنهم من يعتبر أن علم الكلام هو أصل الفلسفة الإسلامية وأن علم الكلام عند المسلمين مستمد من الفلسفة اليونانية متأثر بها.
ومنهم من يرد بعض الفلسفة الإسلامية إلى الفرس والهند
أما أن الفقه هو اصل الفلسفة الإسلامية، فنظرية جديدة لاشك أنها ستفتح باباً جديداً للبحث والجدل والمناقشة.
ويرى مصطفى باشا بعد الاستشهاد بأقاويل المؤرخين الإسلاميين أن الشافعي هو (أول من وضع مصنفاً في العلوم الدينية على منهج علمي)؛ ومصنف الشافعي هو (الرسالة).
ونحب أن ننقل إليك ما كتبه مصطفى باشا عن (مظاهر التفكير الفلسفي في الرسالة) بعد أن حللها تحليلاً وافياً:
(ورسالة الشافعي كما رأينا تسلك في سرد مباحثها وترتيب أبوابها نسقاً مقرراً في ذهن مؤلفها، قد يختل اطراده أحياناً ويخفي وجه التتابع فيه، ويعرض له الاستطراد ويلحقه التكرار والغموض، ولكنه على ذلك كله بداية قوية للتأليف العلمي المنظم في فن يجمع الشافعي لأول مرة عناصره الأولى.
وإذا كنا نلمح في الرسالة نشأة التفكير الفلسفي في الإسلام من ناحية العناية بضبط الفروع والجزيئات بقواعد كلية. . . فأنا نلمح للتفكير الفلسفي في الرسالة مظاهر أخرى.
منها هذا الاتجاه المنطقي إلى وضع حدود والتعاريف أولاً، ثم الأخذ في التقسيم مع التمثيل والاستشهاد لكل قسم.
ومنها أسلوبه في الحوار الجدلي المشبع بصور المنطق ومعانيه وحتى لتكاد تحسبه لما فيه من دقة البحث حواراً فلسفياً على رغم اعتماده على النقل أولاً.
ومنها الإيماء إلى مباحث من علم الأصول تكاد تهجم على الإلهيات، أو علم الكلام، كالبحث في العلم. . .)
هذه هي جملة ما ذكره المؤلف خاصاً بمظاهر التفكير الفلسفي عند الشافعي صاحب الرسالة. ولم يستطع أن يجزم بأنها فلسفة بمعنى الكلمة؛ فاستعمل ألفاظ الترجيح كقوله (نلمح للتفكير الفلسفي مظاهر أخرى) وكقوله (حتى لتكاد تحسبه).
ومهما يكن من شيء، فهذا الكتاب يفتح آفاقاً جديدة، وبحثاً لا يزال بكراً، سيدفع المفكرين إلى الاتجاه إلى الثقافة الإسلامية اتجاهاً جديداً، يلتمسون فيه الخصوبة الأصلية للإسلام، والقوة العقلية التي سادت في مدينتها قروناً طويلة من الزمان.
دكتور أحمد فؤاد الاهواني