مجلة الرسالة/العدد 598/فرقة التمثيل ومديرها الفني
→ شعر البارودي في منفاه | مجلة الرسالة - العدد 598 فرقة التمثيل ومديرها الفني [[مؤلف:|]] |
على هامش النقد ← |
بتاريخ: 18 - 12 - 1944 |
للأستاذ زكي طليمات
المدير الفني للفرقة المصرية
يشاء السيد الزحلاوي أن يجعلني المسؤول الأول والأخير عن تصرفات الفرقة، وهو يعلم علم اليقين من المصادر التي يستقي منها معلوماته، أن للفرقة لجنة عليا تشرف على توجيهها إشرافاً دقيقاً، وأخرى تنتخب مسرحياتها - ولست عضواً فيها - ثم إن للفرقة لجنة ثالثة تتولى توزيع الأدوار على الممثلين، وأن للفرقة مديراً عاماً له السلطة الواسعة، وأنه ما من اقتراح أتقدم به يأخذ دور التنفيذ إلا بعد موافقة هذه اللجان.
ففيم إذن تجاهله كل هذا، إلا لغرض مبيت في سريرته. فهو والحالة هذه أحد رجلين: إما إنه (مخلب قط) لموتورين من الفرقة - وما أكثرهم وأحبهم إلى نفسي - فهم لا يزودونه إلا بالمغرض الكاذب من المعلومات، وإما إنه يعلم كل هذا، ثم يتجاهل ليغالط نفسه والقراء، وما أحب له أن يكون هذا أو ذاك
بيد أنني له في كل مزاعمه، وسأناقش على الاعتبار الذي اجتلبه وافتعله ولم يبال بحقائق الأشياء، أي على اعتبار أنني المسؤول الأول والأخير
1 - يأخذ علينا أن الفرقة قدمت (شهرزاد) و (يوم القيامة) و (كلنا كده) و (سلك مقطوع)، فكان في زعمه أن هبطت إلى مستوى الفرق الأهلية التي لا تراعي إلا الربح المادي)، وكأن الفرقة لم تقدم غير هذه المسرحيات! أسائله: أين إذن مسرحيات (يوليوس قيصر) لشكسبير و (متلوف) و (مدرسة الأزواج) لموليير و (غادة الكاميليا) لديماس الإبن، و (الوطن) لساردو، و (مروحة الليدي وندرمير)، و (زوج كامل) لأوسكار وايلد، و (مرتفعات ويذرنج) لأمبلي برونتي. ثم أين (قيس ولبنى) للشاعر النابه عزيز بك أباظة، و (قطر الندى) للمؤلف المصري الكبير عباس علام. وكل هذه المترجمات من النفائس الأدبية في عالم التمثيل، والروايتان الأخيرتان من أحسن ما أخرجته الأقلام المصرية، وقد توليت بنفسي إخراج ست منها؟
أتساءل لماذا لم يسجل السيد الزحلاوي غير الجانب الذي قد يؤاخذ عليه في منهج الفرقة، ولم يذكر الجانب الآخر الذي يشرفها ويقيم الحجة على أنها في جادة الطريق إلى تأ رسالتها؟
ثم ذاك الجانب الذي لا يؤاخذ عليه إلا صاحب العنت والهوى، ما خطره ما دامت الفرقة تحرص في انتخاب مسرحياتها على إقامة توازن دقيق بين الهزيل والماحل، وبين الدسم والخصب من المسرحيات، تمشياً مع الجمهور الذي لم يستقم له بعد أمر الهضم القوي لما هو دسم حقاً، وموفور الغذاء حقاً؟
ما الخطر في أن تأخذ الفرقة بالاعتدال في انتخاب ما تقدمه مراعية أمر التفاوت البين بين طبقات الجمهور من حيث المستوى الثقافي والمزاج، فتكون تارة لخاصة الجمهور، وأخرى لعامته من غير تعال أو إسفاف مشين؟
كلنا يعلم - إلا المتعنت المتجني - أن التهذيب بطريق المسرح اختياري محض، إذ الجمهور إنما يغشى المسارح مختاراً لا مجبراً. ولهذا أسائل: هل من الخير للفرقة أن تحظى بإقبال الجمهور مع أخذها بهذه السنة الحصيفة المعتدلة في انتخاب مسرحياتها، أم تبوء بالفشل وانصراف الجمهور وهي لا تقدم إلا التحف الأدبية والروائع الفنية؟
هل يدري السيد الزحلاوي لماذا أخفقت الفرقة القومية فألغيت وقامت مكانها هذه الفرقة القومية المصرية؟ هل غاب عن علمه أن إيراد تلك الفرقة الملغاة انكمش إلى قروش وملاليم في الحفلة الواحدة؟
وهل في استطاعته أن يعرض على الجمهور تلك المسرحيات الرفيعة مع ضمان إقبال الجمهور؟ إذا كان هذا في وسعه فإنني أنزل له عن مكاني في الفرقة لأعمل تحت إمرته
2 - لم نقصر في إعلاء شأن العربية الفصحى كما يزعم الكاتب، بدليل أن الفرقة حتمت أن تكون كل المسرحيات المترجمة مكتوبة بالعربية السليمة معنى وإعراباً، كما أنها لم تتوان عن تقديم مسرحية (قيس ولبنى) وهي مكتوبة بالشعر الرقيق الآسر، كذلك لم تقض الفرقة بأن تكون المسرحيات المحلية الموضوع مكتوبة باللهجة العامية المبتذلة، ولكنها قضت بأن تكتب باللهجة التي يتكلم بها شخوص الرواية كما لو كانوا في الحياة الواقعية حتى لا ينهار جانب المعقول في أسلوبها
3 - الذي يأخذه علينا الأستاذ من أننا أوردنا (ضرب الزار وهز والبطن والأرداف) - وهما الرقص أو الحركة الإيقاعية في لغة العلم - لم نورده لذاته ولم نزج به زجاً في روايتي (شهرزاد) و (يوم القيامة)، بل أوردناه لأنه عنصر لا تستقيم بدونه المسرحية الغنائية الفكاهية (الأوبريت)، وهو نوع يقوم على الموضوع اللين المشرق بالفكاهة وبالغناء، ويقضي كمال إخراجه بأن نجعل من شخوص الرواية وماثليها والمنشدين منها عرضا منسقاً لمتعة العين والأذن
وإخراجنا هذا النوع يحقق جانباً من رسالة الفرقة، إذ هي للتمثيل وللموسيقى المسرحية كما يشهد بذلك عنوانها (الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى)، ومع هذا فإننا لا نقدم غير رواية واحدة من هذا النوع في كل عام
4 - تشاء خبيثة السيد الزحلاوي أن تتهمني بالتغرض والعبث في توزيع الأدوار على الممثلين، أي أنني أعطي الدور لمن لا يحسن تأديته. وتفنيد هذا الزعم الباطل إنه ما من رواية قدمتها الفرقة وباءت بالفشل، بل كان نصيب كل رواية النجاح الجدير بها. ومن المعلوم أن نجاح الرواية يتكئ أولاً على حسن تأدية الممثلين أدوارهم. فلو صح ما زعمه السيد الزحلاوي لأغلقت الفرقة أبوابها، لأنها لا تعيش من إعانة الوزارة وقدرها عشرة آلاف جنيه، فقد بلغت مصاريف الفرقة في العام الماضي ثلاثة وعشرين ألفاً من الجنيهات، وزاد دخلها على مصاريفها بدليل أن الممثلين تناولوا مرتبات خمسة عشر شهراً عن العام الماضي
ثم ماذا يقول الأستاذ المتجني، وما عسى أن يقول له القارئ، إذا علم أن توزيع الأدوار لا يرجع أمره إليَّ وحدي، بل إلى لجنة أنا واحد منها، إذ تتضمن سواي مدير عام الفرقة، وعضو من اللجنة العليا، وزميلي في الإخراج!
5 - شاء أدب الأستاذ الزحلاوي أن يتهمني بأنني أسأت إلى سمعة مصر في البلاد العربية. أسائله هل قرأ ما كتبته صحف فلسطين ولبنان وسوريا عن رحلة الفرقة ورواياتها في الصيف الماضي؟ ما أظن. . . ويقيني إنه لو قرأه لتغيرت في ذهنه معاني ما يقرأ، لأن العين التي يراني بها ترى الزهر شوكاً والضياء ظلاماً، وكان الله في عونه
وإذا سمح أستاذنا الزيات فإنني أنشر في (رسالته) نبذاً مما تفضل بكتابته عن الفرقة بعض الأدباء والكتاب في هذه الأقطار الشقيقة الكريمة
6 - وأروع مثال أقدمه ليتعرف القراء إلى مقدار فهم الأستاذ الزحلاوي لما يشاهد من مسرحياتي، ما أورده عن (كلنا كده) في مقاله، فالرواية في فهمه وعلى حد قوله: (تقول عن أبناء الأمة إنهم كلهم ديوث وقواد وعكروت)!
فليتصور القارئ رواية هذا موضوعها ومفادها! كيف وافق عليها قلم النشر في الداخلية، وكيف تأتى أن النظارة لم يحطموا مقاعدهم ويقذفوا الممثلين بحطامها، وكيف توالى تمثيلها شهراً ونصف شهر في حفلات متوالية! لا مراجعة فهذا فهم الأستاذ، في حين أن الرواية تجري حوادثها وتتعاقب مشاهدها لتلوح في لطف أننا كلنا كتب علينا الخطأ، وكأنها تذكرنا بالحديث الشريف (كل امرئ خطاء وخير الخطائين التوابون)
وأرجو أن يكون الأستاذ الزحلاوي من الخطائين التوابين!
زكي طليمات