مجلة الرسالة/العدد 594/قضية المرأة أيضا
→ أبو تمام | مجلة الرسالة - العدد 594 قضية المرأة أيضا [[مؤلف:|]] |
القضايا الكبرى في الإسلام ← |
بتاريخ: 20 - 11 - 1944 |
ً
للأستاذزكريا إبراهيم
إذا كان الرجل والمرأة سواء، اللهم إلا فيما يرجع إلى الجنس، فلا بد لنا إذن من أن نستند إلى البحوث الفسيولوجية الخاصة بمسألة التفرقة بين الجنسين، حتى نستطيع أن نفصل في (قضية المرأة) فصلا علمياً صحيحاً. والبحوث الجنسية التي أجريت في هذا الصدد كثيرة متعددة، ولكن النتائج التي تستخلص منها مختلفة متعارضة. وسنحاول في هذا البحث الموجز أن نجد أساساً مشتركاً بين كل هذه البحوث، نجعله عمدة لنا في الوصول إلى رأي صحيح تنحل به مشكلة الجنسين، وبالتالي قضية المرأة.
وأول رأي يواجهنا في مسألة الجنسين، هو ذلك الرأي القديم الذي ينظر إلى المرأة والرجل على انهما جنسان مختلفان، يقوم كل منهما بنفسه، ويستقل كل منهما عن الآخر. وهذا الرأي يقضي بأن يكون الرجل متميزاً كل التميز من المرأة، لأن جنس الذكر أرقى وأكمل من جنس الأنثى، ولان المرأة هي التي جبلت من ضلع الرجل، لا العكس! وقد دأب الناس على أن يأخذوا بهذا الرأي، حتى أن أي شك يثار حول رجولة فرد، كان كافياً لأن يثور له ذلك الفرد، باعتبار أنه إهانة عظيمة لا تغتفر! وليس من شك في أن قصة الخلق - كما وردت في التوراة - كانت عاملا من العوامل التي أدت إلى اعتبار الرجل أرقى من المرأة، كما يظهر من استشهاد القديس بولس بها، في معرض المفاضلة بين الرجل والمرأة
ولكن البحوث العلمية التي قام بها علماء (الجنس) والتجارب المنوعة التي قاما بأجرائها، تدلنا على أن الأدنى إلى الصواب أن تكون الأنثى هي الأصل الذي اشتق منه الذكر. فالمرآة هي (الصورة الأولى) للنوع الإنساني، والرجل إنما هو (الصورة الثانية) التي تفرعت من ذلك الأصل، ومعنى هذا أن الذكر ينطوي في أثنائه على أنثى كامنة، هي الجنس الأصلي الذي تنزع إليه كل الثدييات. وهذه الأنثى الكامنة هي على استعداد لأن تظهر بشكل واضح، حينما تستأصل تلك الغدد الزائدة التي تعوق ظهورها - فليست الفروق الجنسية بين الذكر والأنثى إذن، فروقاً جوهرية أصلية، بل هي فروق فرعية مستجدة. وبعبارة أُخرى يمكن أن يقال أن التركيب الجنسي لأفراد كل فصيلة، له أساس مشترك يحتمل التذكير والتأنيث، وهذا ما يعبر عنه بالإمكانية الجنسية المتعاد من هذه الحقيقة البيولوجية، يتبين لنا خطأ النظرة القديمة إلى الجنس. فليس الذكر والأنثى وحدتين مستقلتين تقوم كل منهما بذاتها، وإنما هما حالتان متماستان، قد يبلغ بهما التقارب أن يندمجا معاً ليكونا حالة مختلطة هي ما يعرف بالخنثى فليس في استطاعتنا أن نتحدث عن (النوع المذكر) و (النوع المؤنث) بل عن تلك السلسلة الطويلة من الحالات الجنسية التي تمتد ابتداء من الخنثى حتى تلك الأشكال المعتدلة التي تكاد تكون سوية طبيعية.
هذه هي النظرة الصحيحة إلى الجنس، وهي نظرة تساعدنا على أن نفهم تلك الحالات الكثيرة التي طالما نظر إليها الناس على أنها انحرافات غريبة أو حالات شاذة، مثل حالة (التخنث) وحالة (حب الجنس للجنس): ذلك أن التجارب قد دلتنا على أنه ليس من الحق أن هناك رجولة خالصة أو أنوثة خالصة. فإذا لم يكن في استطاعة أحد أن يفخر بأنه رجل كامل الرجولة فأي حق يكون لنا إذا حكمنا بالغرابة والشذوذ على قوم بلغت درجة الرجولة عندهم حدا أدنى بقليل مما يوجد لدينا؟ أن كل ما هنالك هو أن هؤلاء القوم قد اخذوا من الجنس الآخر قسطا أكبر مما لدينا، فلذلك ظهرت حالة (الاختلاط) عندهم بشكل أوضح. والتجارب قد دلتنا على أن التميز الجنسي التام، يكاد يكون معدوماً. فالرجل الخالص، والمرأة الخالصة، هما حالتان قلما يلتقي بهما المرء في الظروف العادية - كما يقول بيدل - وإذن فإن كل ما يميزنا عن أولئك الذين نعدهم شاذين منحرفين، هو أن الإفرازات الهرمونية الموجودة لدينا أكثر مما يوجد لديهم. وقد كنا جميعاً في البداية، ذوي نزعة جنسية إلى نفس الجنس بالقوة ولكننا لحسن الحظ قد تحولنا إلى الطريق الصحيح، بافتراقنا عنهم وأصبحنا أميز من حيث الذكورة.
يتبين لنا من هذه النظرة الجديدة إلى الجنس أن الناس يخطئون إذ يعممون أحكامهم، فيقولون بوجود فروق جنسية كبيرة بين الرجل والمرأة، وبخاصة حول موقف كل منهما من الزواج والحياة الجنسية. فليس الرجل والمرأة كالقطب الموجب والقطب السالب، وإنما الصلة بينهما أبعد ما تكون عن هذا التصوير الساذج البسيط. وعلى الرغم من أن الخلط بين (الإيجاب) والذكورة، وبين (السلب) والأنوثة، قد يبدو لنا حقيقة بيولوجية، فإن الواقع أنه خلط لا أساس له - كما بين ذلك فرويد - وحتى في الناحية الجنسية الخالصة، فإننا لا نستطيع أن نقول أن موقف المرأة موقف سلبي خالص.
أما تلك التعميمات التي قد نضطر إليها لبيان بعض الفروق الموجودة بين الجنسين، فإنها قد تضللنا إذا اعتبرنا تلك الفروق عامة على الإطلاق. حقاً أن تلك الصفات التي ننسبها إلى كل من الجنسين، قد تكون صحيحة بالنسبة إلى الأفراد الذين يشغلون أعلى السلم أو أسفله، أعني بالنسبة إلى الرجل الحقيقي والمرأة الحقيقة (وهذان قلما يوجدان)، ولكنها تقل شيئاً فشيئاً حينما تقترب من الرجل المتأنث والمرأة المتذكرة (أو المترجلة). فإذا كنا قد فرقنا بين الرجل والمرأة (في البحث السابق) من بعض النواحي الجنسية والنفسية، فإن من الواجب أن نذكر القارئ هنا أن هذه التفرقة ليست عامة مطلقة، وإنما هي تطبق في دائرة محدودة فقط؛ وثم أفراد كثيرون لا تصح بالنسبة إليهم.
وإذا كانت هذه هي حقيقة الصلة بين الرجل والمرأة، فما أحرانا بأن نبتسم حينما نلتقي بأولئك الذي يفخرون برجولتهم، متناسين أن هناك (امرأة) تكمن في قرارة نفوسهم! (حقاً أن هؤلاء قد لا تكون بيوتهم كلها مصنوعة من الزجاج، ولكنهم مع ذلك ينسون أن نوافذ بيوتهم مصنوعة من الزجاج، فما يليق بهم أن يقذفوا الآخرين بالأحجار!)
لقد دنت الشقة بين الرجل والمرأة؟ فكيف بها بين الرجل والرجل؟ أن الرجولة الخالصة قد أصبحت أسطورة من الأساطير، فلنترك لأولئك الواهمين تلك الأسطورة الرائعة، أسطورة الرجولة المزعومة! أما نحن فحسبنا أن نكون (إنسانيين)، ننظر إلى الرجل على أنه إنسان، وننظر إلى (المرأة) على أنها إنسان، ونعتبر أن جوهر الإنسانية واحد في كل منهما؟
زكريا إبراهيم