مجلة الرسالة/العدد 589/لعنة الحرب
→ حول مقال. . . | مجلة الرسالة - العدد 589 لعنة الحرب [[مؤلف:|]] |
نداء الموت ← |
بتاريخ: 16 - 10 - 1944 |
للأستاذ علي الجندي
(في سبتمبر سنة 1944 دخلت الحرب في عامها السادس من
أعوامها المشؤومة؛ وكان أكثر الناس على أن رحاها الطحون
ستقف بعد سقوط باريس في يد القوات المتحالفة، فاستبشرت
النفوس الحزينة، واستعدت لتلقي نعمة السلام! ولكن الدوائر
الأمريكية حذرت من التفاؤل! ثم جاء ديجول فصرح: بأنها
ستستمر أشهراً وأشهراً! ثم أبان تشرشل في خطبته الجامعة
بأن القتال سيتحر في سنة 45! وليث شعري ماذا يبقى من
معالم الحضارة وآثار المدينة بعد هذا العالم؟! فرحماك اللهم
رحماك!)
طال ليلُ السُّرَى وحار الدليلُ ... ونجومُ الهدى طواها الأُفولُ
وقف المدلجون: لا دَنت الغا ... يةُ منهم ولا تَسَنَّى القُفول
كلَّ عام نُؤمِّل الخير فيه ... ويخَيب الرَّجاءُ والتّأميل
ظُلْمَةُ فوق ظلمةٍ تتدجَّى ... ليس فيها على الصبّاح دليل
وشقاءٌ ينساب إثْر شقاء ... وعذابٌ بمثله موصول
ليت شعري والشر أطبق فكيه (م) ... علينا، ألِلنّجاةِ سبيل؟!
كيف ينجو الأنام من شرك الهُلْك ... ولم تبق للأنامِ عقول؟!
أشكل الأمر: لا الصباح صباح ... نجتليه، ولا الأصيل أصيل
نبئوني: أين السلام؟ فظنِّي ... - وهو صدق - أن السلام قتيل
مشت النارُ تأكل الحرث والنَّسلَ (م) ... وكلٌّ لها غَداً مأكو إنْ خبا جانبٌ تسعّرَ منها ... جانبٌ حولَه الدماءُ تسيل
رحمتَا للدّيار أمست خراباً ... وخراب الديار خطب يَهُول
بُدِّلتْ بالأنيس بوماً يغنِّى ... فوقَها، والغِناءُ منه عويل
لا تقولوا: الجهَّالُ خير من العا ... لِم - في عصرنا - الغبُّي الجهول
غرّنا العلمُ، فالتمسنا هُداه ... فإذا العلمُ كلُّه تضليل
لا تقولوا: الألوانُ فالسُّودُ باتوا ... - فوقها - بعضهم لبعض خليل
لا رعي الله في الوجوه بياضاً ... خلفه الهمُّ والشقاء الطويل
لا تقولوا: الوحوش أظلم منها ... من نراه على البريء يصول
ساكنُ الغابِ أدرَكَ الأمنَ في الغا ... ب، وقد غالتِ الأناسِيَّ غُول
غابة الوحش لم تَدُسها العوادي ... والقصور التي بنيْتم، طُلول
إن يكن للذئاب أنيابها العُصلُ (م) ... فأنيابكم قَناً ونُصول
كل من في الوجود أرقم ليل ... قاتل - في سُراه - أو مقتول
سنَّ (قابيل) سُنَّة الفتك للنا ... س فلا كان منهمو (قابيل)
سأل الناسُ - ذاهلين حيارى - ... ما أفاد المعقول والمنقول؟!
لا (الكتاب الحكيم) يلقَى سميعاً ... - حين ندعو به - (ولا الإنجيل)
إن لله حكمة يسكنُ العقلُ (م) ... إليها إن خانه التأويلُ
فَسدَ الناس واستطالوا على الله (م) ... فأخنى عليهمو (عزريل)
علي الجندي