مجلة الرسالة/العدد 589/البربد الأدبي
→ نداء الموت | مجلة الرسالة - العدد 589 البربد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 16 - 10 - 1944 |
حرية الفكر أيضاً
إلى حضرة الفاضل الأستاذ عبد المنعم خلاف المحترم
أرجو من حضرة الأستاذ أن يتذكر - أو أن يعرف إذا كان لم يعرف - أن نسخ كتاب لبعض المؤلفين المعروفين أحرقت في مصر والشام، وأن بعض الكتب صودرت بعد طبعها ونشرها بعد زمن، وبعضها صودرت في المطبعة قبل أن تنشر، وإن الرقابة على المطبوعات غير مقتصرة على الكتابات السياسية فقط، وإن النقاش بين الكتاب في (الرسالة) حول (وحدة الوجود) مفعم بتهمة الكفر والإلحاد. أجل ليس الكفر جريمة ولا سبة، وقد يجاهر بعض الناس بأن دينه ما يحسبه الناس كفراً، ولكن الاتهام بالكفر عندنا أيغار لصدور الذين يحرقون الكتب والذين يلعنون الكتاب المكفرين، أي الذين يتوهم بعض القراء أنهم كافرون
أجل ليس أمام الكتاب الصريحين أو الصرحاء مشنقة ولا سجن، ولكن أمامهم نقمة فريق من الناس، فإذا (الصراع في المجال الفكري متخذ سبيل القوة والإرغام حتى الاضطهاد) لذلك حذرت إخواننا الكتاب من التمادي في بحث (وحدة الوجود)
فمعذرة يا حضرة الأستاذ خلاف وتحية.
نقولا الحداد
عودة دجال (البديع)
وقفت برهة أصغي إلى متطبب دجال يروج على الناس عقاقيره الزائفة من سفوف وسعوط ولعوق وسنون وبرود ولدود ووجور وذرور. . . وهم يصيخون إلى أكاذيبه مصدقين
وكنت أعجب لغفلة القوم عن تزييف دجله، كما أعجب بلباقته وحسن تأتيه في التلبيس عليهم. وقد جعل من أول همه أن يكثر عددهم من حوله: فأقبل يثني علي من يتلبث أمامه يسيراً، ويقذع في سب من تحدثه نفسه بالريال عن موضعه قبل أن يعي بقية مقاله
وتدفقت على خاطري وأنا أسمع كلمته هذه، صرخة (دجال) بديع الزمان في إحدى مقاماته حيث يقول: من كان منكم يحب الصحابة والجماعة، فليعرني سمعه ساعة! ورأيتن كروايته عيسى بن هشام (قد لزمت أرضي، صيانة لعرضي)
ثم راح دجالنا العصري يتحدث بكلام مؤثر بليغ، لا يعيه إلا قلة حظه من فصاحة العربية. كلام لم أجد له ترجمة موجزة فصيحة احسن من قول (دجال) البديع: حقيق علي إلا أقول غير الحق، ولا أشهد إلا بالصدق
قد جئتكم ببشارة من نبيكم، لكني لا أؤديها حتى يطهر الله هذا المسجد من كل نذل يجحد نبوته! وثبت القوم في أماكنهم وثبت معهم وأنا أغالب ابتسامة التعجب، مردداً قول ابن هشام في مثل هذا المقام: لقد ربطني بالقيود، وشدني بالحبال السود!
ووصف دجالنا ما كان من جهاده في عالم الطب؛ وكيف فتح بأبحاثه موصد أبوابه، ووقع على اثمن كنوزه وانفس أعلاقه، حتى لأرهفت أذني، لأن اسمعه يواصل حديثه فيقول ما قال سلفه: ولا من عليكم فما أعددتها إلا لضرسي، ولا حصلتها إلا لنفسي - والحق أنه عبر عن هذا المعنى بأفصح لهجة عامية أن صح أن توصف عامية بالفصاحة
وبعد أن أوضح خصائص دوائه - ورقم تسجيله بوازرة الصحة! - عرضه على الحاضرين وهو يقول ما ترجمته: فمن استوهبه مني وهبته، ومن رد على ثمن القرطاس أخذته. ثم قال ما هو أقرب شئ إلى قول الأول: ليشتر مني من لا يتقزز موقف العبيد، ولا يأنف من كلمة التوحيد
وأشهد لقد رأيت القوم يجهرون بكلمة التوحيد - غير أنفين - ثم تتبسط أيديهم نحوه بالدراهم الكثر، ثمناً للدواء الذي لا يشفي، وقد يسقم
شهدت كل ذلك ثم انطلقت وحدي في زحمة هذه السوق الناشطة، وأنا أتعجب للنفس الإنسانية كيف تتواتر صورها على مرآة الزمان متشابهة في مكرها وغفلتها، واحتيالها وبلاهتها. وما زلت إلى اليوم أعجب لهذا الدجال - وأمثاله كثيرون - من (فصاحته في وقاحته، وملاحته في استماحته. وربطه الناس بحيلته، وأخذه المال بوسيلته)
ولو أن القارئ الكريم استحضر في ذهنه بعد مطالعة هذه الكلمة، صورة أحد أولئك الدجالين، أو سعي إلى مشاهدته حيث يقوم على رأس شارع أو في صدر سوق - ثم أقبل يراجع مقامتي بديع الزمان: الرابعة السجستانية والعاشرة الأصفهانية. إذن لرأى في وقائعهما التي تخيلها البديع على أساس من الحقيقة، أعظم الشبه بوقائع دجاجلتنا ومُكْدينا اليوم
فما أشبه الليلة بالبارحة حقا. لولا هذه الزيادات المتلاحقة من المآثم والشرور، تزيد صفحة حياتنا قتاماً وتشويهاً، وتضاعف من عمق إحساسنا بمرارة المعنى الذي ينطوي عليه قول أبي الطيب:
أتى الزمانَ بنُوه في شبيبته ... فسرَّهم، وأتيناه على الهرم
(جرجا)
محمود عزت عرفة
مقام الشهود لا وحدة الشهود
صوب الأستاذ أحمد صفوان في العدد 58 من (الرسالة) إطلاق وحدة الشهود على وحدة الوجود، وهذا لا يجوز، فمذهب وحدة الوجود يتلخص في أن الموجود الحقيقي هو الله تعالى، وما عداه من المخلوقات فهو عدم حال كونه موجوداً؛ فالكل محتاج إليه، لأن به قيام كل شيء. وعلى هذا لا يصح إطلاق هذه التسمية عليه
وأما مقام الشهود فهو من مقامات الصوفية، يصل الإنسان إليه بكثرة الذكر حتى يقع الشهود القلبي، فإذا حصل الشهود واستغنى عن الذكر بمشاهدة الذكور، وهذه حالة قلبية روحانية ليس لها علاقة بوحدة الوجود، ولا يصل إليها إلا الكمّل الأطهار
(شطانوف)
محمد منصور خضر
بين أبي العلاء وداعي الدعاة الفاطمي
فهمت مما كتبه الدكتور محمد كامل حسين في العدد 583 من (الرسالة) أن الرسائل التي تبودلت بين أبي العلاء ومناظره داعي الدعاة لم ينشرها غير المستشرق الإنكليزي مارجوليوث مرة سنة 1896 ومرة سنة 1902 بمجلة الجمعية الأسيوية الملكية، ولكن هذه الرسائل نشرت في مصر كذلك (1349هـ - 1930م) على يد الأستاذ محب الدين الخطيب الذي أشار في مقدمته التي قدم بها للرسائل أن المغفور له أحمد تيمور باشا أطلعه على نسخة خطية منها في خزانته تحت رقم 478أدب، وأنه قد بادر إلى نشرها في مجلته الزهراء، ثم ما لبث أن أفرد لها رسالة خاصة تقع في حوالي 40 صفحة تحت عنوان (بين أبي العلاء العربي وداعي الدعاة الفاطمي) (القاهرة. المطبعة السلفية 1349هـ)
ويؤخذ كذلك من هذه المقدمة أن ما أورده ياقوت في معجم البلدان (وهي التي نشرها مارجلويث) إنما هو مختصر لتلك الرسائل. أما نصها الكامل فموجود في خزانة ليدن
وذهب الأستاذ الخطيب كما ذهب الدكتور محمد كامل حسين إلى أن هذه الرسائل تبودلت في السنة التي توفي فيها المعري أي 449هـ
هذا وللأستاذ الفاضل إعجابنا وتقديرنا لبحثه القيم الطريف
مصطفى كمال عبد العليم
ليسانس في الآداب. جامعة فاروق
الإسكندرية