الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 587/اللغة القانونية في الأقطار العربية

مجلة الرسالة/العدد 587/اللغة القانونية في الأقطار العربية

مجلة الرسالة - العدد 587
اللغة القانونية في الأقطار العربية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 02 - 10 - 1944


ووجوب تصفيتها وتوحيدها

للأستاذ عدنان الخطيب

عقد في شهر أغسطس الماضي أول مؤتمر لمحامي البلاد

العربية في مدينة دمشق حاضر فيه علماء حقيقيون من كل

قطر في مواد معينة من القانون، وكان الأستاذ عدنان الخطيب

المحامي ممن حاضروا في مادة (المصطلحات الحقوقية) فنالت

محاضرته إعجاب المؤتمرين ورجال الحكومات، وقد خص

الرسالة بنشر محاضرته قبل نشرها في (كتاب المؤتمر)

المقرر إصداره قريباً.

1 - اللغة وأهميتها

لا ريب في أن اللغة تعتبر من مقومات الأمم في العصر الحاضر، لا بل إنها أهم تلك المقومات التي تميز الأمم والشعوب بعضها من بعض، وهي الركن الأساسي فيما يعرف (بالوعي القومي) لأنها وسيلة التفاهم والتقارب، ولأنها أهم رابطة تصل الحاضر بالماضي، إذا كان ثمة تاريخ يرغب في الاحتفاظ به، ولهذا ترى كل أمة ذات تاريخ مجيد، تعمل دائما على الاحتفاظ بلغتها، وإن باعدت الأرض أو السياسة بين أبنائها، لأن وحدة اللغة أول دليل على حيوية تلك الأمة ولياقتها للبقاء على وجه الأرض كأمة واحدة محترمة.

2 - الأمة العربية ولغتها الخالدة

إن الأمة العربية التي حملت إلى العالم في ماضيها اللامع، أخلد رسالة، رسالة الهداية والعلم والنور، أولى الأمم في وصل ما انقطع من تاريخها والعمل على إعادة ذاك المجد الغابر، وإذا كانت لغتها حية خالدة بفضل من الله، فإن تبعة أبنائها في المحافظة على سلامة لغتهم واستقامة لسانهم تبعة عظيمة توجب على كل عربي أن يقوم بقسط من ذلك يتفق وحدود طاقته ومركزه الاجتماعي.

3 - مزايا اللغة العربية في الناحية القانونية

إذا كانت لهذا المؤتمر العربي (المؤتمر الأول للمحامين العرب) أهداف قومية كثيرة، فلاشك في أن سلامة اللغة القانونية، والعمل على توحيدها هما في أول تلك الأهداف الجليلة

ويجدر بالمؤتمرين أن يقروا، قبل كل شيء بأن اللغة العربية في أول اللغات الحية صلاحية لأن تكون (لغة قانون محكمة) لأنها تتمتع بمزايا عظيمة، يندر أن تمتع لغة غيرها بمثلها، وأهم هذه المزايا من (الناحية القانونية): السعة والدقة، وهاتان المزيتان لا يشك فيهما مطلع على كتب فقه الشريعة من جهة، وفقه اللغة من جهة أخرى.

4 - اللغة (القانونية) في البلاد العربية

ظلت اللغة العربية، لغة التشريع والقضاء والفقه، إلى أن دالت دولة العرب، فأخذت اللغات الأعجمية تتسرب إلى الإدارة والسياسة، وما أن قامت دول المحاربين الأعاجم، حتى أصبحت لغتهم لغة الفضاء، بينما ظلت لغة الفقه عربية مستمدة من أم التشريع الإسلامي العربي المبين، فلما أحبت الدولة العثمانية أن تقتدي بأوربة في التشريع والتقنين، أخذت تترجم القوانين الغربية إلى اللغة التركية، لغة الدولة الرسمية ولغة القضاء فيها، فغدا القانون في البلاد العربية قانونا أجنبيا كتب بلغة أجنبية، ويحكم به في الغالب قاض غير عربي، وقد أحدث هذا التيار فقها قانونيا جديدا في البلاد العثمانية أخذ عن أوربا باللغة التركية، وبه انقطعت الصلة بين فقه القانون وفقه الشريعة العربي، إلا من ناحية الأحوال الشخصية وبعض النواحي المدنية الأخرى

ثم أخذ المشتغلون بالقانون من أبناء العرب بنقل القوانين الجديدة إلى اللغة العربية، فلم يوفق بعضهم في ذلك، فتداول الناس القوانين العثمانية بلغة عربية، ولكنها لغة هزيلة، شاعت فيها الركاكة وامتلأت بالتعابير الضعيفة، وأدخلت على العربية ألفاظاً أعجمية كثيرة، ما زالت تعيش إلى يومنا هذا في بعض الأقطار العربية 5 - أثر الوضع الدولي الحديث في اللغة القانونية

عندما انهار الحكم العثماني أخذت الأقطار العربية وضعاً دولياً جديداً، جعل منها دويلات وإمارات متعددة، يخضع كل منها إلى نفوذ أجنبي معين، وكان مركز كل قطر منها كدولة مستقلة. يختلف باختلاف ظروفه الخاصة، ونوع النفوذ الأجنبي المفروض عليه ومقداره، وبذلك اختلفت لغة (القانون) باختلاف المشرعين في كل قطر، وانعدام الصلة بين الفقهاء والمعربين في مختلف الأقطار؛ فتعددت بينهم المصطلحات الحقوقية، وتباينت الألفاظ الدالة على معان واحدة مما يطعن لغتنا المحبوبة في صميمها، وينافي الفكرة القومية، ويقف عثرة في سبيل تحقيق الآمال المنشودة والرغائب المشتركة

6 - اللغة العربية لغة دولية في القانون المقارن

في آخر مؤتمر دولي للقانون المقارن عقد في (لاهاي) قبل أن تندلع نيران هذه الحرب دعي الجامع الأزهر للاشتراك به؛ فقام الأزهر بإرسال بعثة من كبار الفقهاء ورجال القانون المصريين أحسنوا تمثيل مصر ومن ورائها العالمان الإسلامي والعربي تمثيلاً جعل المؤتمر الدولي يجمع على اعتماد القرار الآتي:

(يقرر قسم القوانين الشرقية في الوقت الذي يختتم فيه أعماله أن المسائل التي طرحت للبحث في الشريعة الإسلامية كانت من الأهمية بمكان، ويقدر قيمة وفائدة التقارير التي قدمت فيها، والملاحظات التي أبديت بشأنها، كما يقدر أهمية عدد المؤتمرين الذين اشتركوا في المناقشات، وأهمية هذه المناقشات الراجعة إلى صفات الممثلين ومؤهلاتهم، ونظرا لأن اللغة العربية قد استعملت لأول مرة تبادل الآراء.

لهذا يلفت القسم نظر المجمع الدولي للقانون المقارن إلى ضرورة فسح مكان أوسع للشريعة الإسلامية في برامج المؤتمرات القادمة، كما إنه يبدي رغبته في أن يدعى للمؤتمر القادم ممثلون من جميع البلاد التي تهتم بالدراسات الإسلامية، كما يبدي الرغبة أيضاً في أن تستمر اللغة العربية في المؤتمرات القادمة ضمن اللغات المستعملة لمناقشة المسائل المتعلقة بالشريعة الإسلامية)

هذا ما قرره المؤتمر الدولي للقانون المقارن مما يبشر باشتراك الأقطار العربية كلها في المؤتمرات القادمة التي ستعقد بعد أن تضع الحرب أوزارها، ولاشك في أن اللغة العربية ستكون يومئذ اللغة الرسمية لممثلي تلك الأقطار؛ فهل يليق بهذه اللغة أن يختلف أولئك الممثلون في كثير أو قليل على ألفاظ أو كلمات أو جمل لها دلالات قانونية واحدة؟! قد يكون بعض الاختلاف ناجما عن كثرة المرادفات في العربية، ولكن هذا إذا كان مما يفخر به أحيانا فانه عيب في لغة القانون، وإذا كان استعمال المترادفات في النصوص التشريعية وما يتصل بها غير مستحب ولو لم يؤد إلى شيء من الاضطراب فيها، فكيف إذا أدى إليه؟ لا في مؤتمر دولي يضم كبار علماء القانون المقارن، بل بين أفراد الأسرة الواحدة إذا ما اجتمعوا أو تبادلوا نتاجهم الفكري!؟

إن التباين الموجود في لغتنا القانونية ومصطلحاتنا الحقوقية، نحن أبناء الأسرة الواحدة يجب أن يبدأ بالزوال منذ اليوم، وكلنا أمل بأن لا نرى بعد أمد قريب أي اختلاف يتصل باللغة بين رجال القانون المصريين واللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين والأردنيين والسوريين

7 - أمثلة التباين والاختلاف

إني لا أود جمع كل التباين الموجود في اللغة التشريعية أو الفقهية أو في تعريب المصطلحات الحقوقية بين مختلف الأقطار الناطقة بالضاد، لأن لهذا مقاماً غير هذا المقام، وسأكتفي تصويرا للواقع الملموس بإيراد الأمثلة البارزة التالية:

1 - الدستور في مصر وسورية ولبنان هو القانون الأساسي في العراق، والهيئة التشريعية في مصر هي البرلمان المصري، بينما هي في العراق مجلس الأمة العراقي، ومجلس الشيوخ المصري يقابله مجلس الأعيان في العراق

إن هذا التباين في الأسماء لمسميات تكاد تكون واحدة، يبدو لأول وهلة لا قيمة له، والحقيقة أنه إذا ما أضيف إليه الاختلاف العظيم في مسميات أخرى، عجيب بين دول نتكلم بلغة واحدة

2 - إن القرارات والأوامر الصادرة عن هيئات مختلفة تختلف أسماؤها باختلاف تلك الهيئات أو صفاتها، فإذا استعرضنا أنواع القرارات في البلاد العربية وجدنا أن الاتفاق بين جميع الأقطار لم يقع إلا على لفظة واحدة وهي (القانون) الذي هو عبارة عن القرار الصادر عن الهيئة التشريعية الدستورية، وأما أنواع القرارات والأوامر الأخرى، فيكاد يكون لكل اسم في قطر مدلول آخر في القطر الآخر:

(ا) فالمرسوم بقانون في مصر هو المرسوم التشريعي في سورية ولبنان وهو المرسوم فقط في العراق

(ب) اللائحة في مصر هي النظام في العراق، والمرسوم في سورية ولبنان

(ج) المرسوم في مصر وسورية ولبنان هو الإرادة الملكية في العراق

(د) الإرادة الملكية في العراق تسمى أحيانا الأمر الملكي في مصر، وهي مرسوم في لبنان، وفي سورية في الواقع، وقرار بحسب النص العربي للدستور

(هـ) القرارات في سورية ولبنان ومصر هي التعليمات في العراق

(و) مشروع القانون في مصر وسورية ولبنان هو اللائحة القانونية في العراق

(ز) نظام المجلس الداخلي في العراق ولبنان وسورية هو اللائحة الداخلية في مصر

(ح) اللوائح في سورية هي مجرد التقارير واسم يطلق على المرافعات المكتوبة

3 - إذا كانت مهمة رأس الدولة الأعلى في سن التشريع تختلف باختلاف نظم الحكم والدساتير، فإن عمليتي الإصدار والنشر بمفهومهما الفقهي الحديث، تتشابهان كثيراً في النظم السياسية المتقاربة، ومع هذا فإنا نجد سمة نشر القوانين في الأقطار العربية، تختلف اختلافاً واضحاً مبعثه ليس فقط اختلاف نظم الحكم فيها، بل الاختلاف على معاني الألفاظ وترتيبها وهذه من سمات النشر في الأقطار المختلفة

(ا) في مصر

(نحن ملك مصر، قرر مجلس الشيوخ ومجلس النواب القانوني الآتي نصه، وقد صدقنا عليه وأصدرناه)

(ب) في العراق

(بموافقة مجلسي الأعيان والنواب أمرنا بوضع القانون الآتي)

(جـ) في سورية

(أقر المجلس النيابي ونشر رئيس الجمهورية القانون الآتي)

(د) في لبنان (صدق مجلس النواب وينشر رئيس الجمهورية القانون الآتي نصه)

(البقية في العدد القادم)

عدنان الخطيب