الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 587/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 587/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 587
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 02 - 10 - 1944


تعقيب ورد

1 - أوافق الأستاذ الجليل نقولا الحداد على قوله في كلمته المنشورة في العدد 583 تعليقاً على مقالي (مسائل في وحدة الوجود): (إن الأديان السماوية الثلاثة ترفض نظرية (وحدة الوجود) رفضاً باتاً وأنها مجمعة على أن الله والوجود المادي منفصلان، وأن الله خالق الوجود المادي ومسيره).

غير أني لا أوافقه فيما ذهب إليه من أن بيئتنا الفكرية في البلاد العربية ليس فيها محل لحرية الفكرية أو القول أو القلم. فإن ذلك حكم قاس على تلك البيئة التي عرفت أنواع الحريات حتى في القرون الوسطى

وليست مناقشة أهل مذهب ديني أو فكري لأهل مذهب آخر دليلا على أن الحرية غير مكفولة، فإن الصراع والنزال في المجال الفكري لانتصار مذهب على مذهب ليس معناه الحجر على الحريات ما دام هذا الصراع لم يتخذ سبيل القوة والإرغام والاضطهاد من جماعة لجماعة.

ولست بحاجة إلى التدليل على أن كثيرا من الآراء والمذاهب في البلاد العربية وفي مصر خاصة لا يتفق مع المقدسات من العقائد. ومع ذلك يحيا أصحابها ويستطيعون أن يدافعوا عن آرائهم وحججهم ولا تمس أشخاصهم بسوء. (ولا يساقون إلى قضاء الامتحان الديني).

نعم لقد تنسب لبعضهم تهمة المساس بالعقيدة الدينية (ويحمل عليه حملة تكافئه). ولكن ليس يتعدى ذلك إلى غير الاتهام وحملة الكلام. . . وهذا بالطبع جائز لكل مناظر يرى رأياً ويقرر حكما في حدود الأدب، وعلى المناظر الآخر أن يدفع التهمة أو يرتضيها لنفسه إن كان ما صدر منه عن عقيدة راسخة يريد أن يدعو الناس إليها

فإن كان الذين يريدون أن يمسوا العقائد الدينية الموروثة معتقدين مخلصين لآرائهم، ويرون إنها الحق الذي يجب أن يدعي إليه فلماذا لا يحملون في سبيلها الاضطهاد والعذاب الذي لاقاه مؤسسو هذه العقائد والأديان، ويلاقيه كل داع إلى الخير؟

والطبيعة البشرية حتى في المجال العلمي الطبيعي تقاوم كل نظرية حديثة وقصة مقاومة العلماء والأطباء لنظريات إخوانهم المكتشفين لحقائق جديدة قصة معروفة حتى في هذ العصر. فليس الأخذ والرد والدفع والجذب في المجال الديني والفلسفي فريداً لا نظير له، وإنما طبيعة الناس المقاومة لكل حديث إما حسداً وإما جحوداً وضيق فكر، وإما عن عقيدة واقتناع. والزمن كفيل بمعاونة الحق على الظهور والنمو والغلبة. وبقاء الأصلح قانون طبيعي (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)

فعلى أحرار الفكر الذين يرون آراء حديثة في الحياة أو الاعتقاد أو حياة الاجتماع أن يحملوها حمل آباء الإنسانية الأولين من الأنبياء والحواريين، وان يلاقوا في سبيل تبليغها ما لاقى أولئك من التسفيه والتشريد والتجويع والتقتيل إن كانوا بها مؤمنين، وللإنسانية مخلصين. وعليهم بعد ذلك أن يتحملوا تهم الكفر والإلحاد التي رمي بها الأنبياء. فلقد رمي كل رسول بتهمة الكفر والإلحاد في العقائد الوثنية والتقاليد والأخلاق الهمجية، ومع ذلك فقد سخروا من الاتهام وتحملوا الآلام حتى انتصروا وانتصرت كلماتهم، وصار العالم الراقي كله يدين لتلك الكلمات! وعلى هؤلاء الأحرار بعد كل ما تقدم أن ينتصروا. . . وأن يحملوا الطبيعة الإنسانية على الاستجابة لآرائهم إن استطاعوا وإلا فعليهم أن يعلموا أن الطبيعة الإنسانية لا تأبى مذاهبهم ولا تستعصي على الاستجابة لها إلا لأنها (نشاز) وشذوذ لا يصلح معه أمر حياة الاجتماع، ولا يأنس إليه الطبع الإنساني العام الذي لا يخضع للعقل وحده، وإنما يخضع لمزيج مبهم من العقل والغريزة والعاطفة. . .

وقديماً فشل العقل اليوناني بفلسفاته أن يوجد أمة صغيرة كاليونان، ويقودها نحو الإيمان بالله الواحد، ويترك الوثنيات التي كانت تنضج بها معابدها. . ولكن الطبع الباكي الضارع الحنيفي الفطري المتمثل في إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد والمتعلق بالله الواحد، وبأصول الخير والفضيلة قاد اليونان والرومان ووحدهم. وقاد من بعدهم أمماً عظيمة لا تزال ولن تزال تسيطر على مقدرات الأرض وسياسة الاجتماع

2 - بدت للأستاذ إبراهيم السعيد عجلان ملحوظتان حول أمرين وردا في المقال السالف الذكر

أولهما: تقريري أن إبراهيم عليه السلام توهم أن الله تعالى يخلق بأدوات ووسائل، مع أن إبراهيم سأل: (كيف تحيي الموتى) ولم يسأل (بأي شيء تحيي الموتى).

والذي قلته بالحرف: لقد توهم إبراهيم أن هناك (كيفية) للإحياء، وأنه هناك أدوات ووسائل للخلق والتكوين

فأنا لم أحول (كيف) عن معناها حتى ولا لفظها، بل قدمت معناها، ثم ألحقته بلازمه الذي لابد يخطر بالبال عند إجراء (كيفية) التكوين والخلق. فإن أدوات التكوين والخلق في خيال الناس تلحق (بالكيفية) وصورها

ثانيهما: تفسيري الفعل صار من (صُرْهُنَّ) باذبحهن. . .

وهذا في (رأي الأستاذ عجلان ينافي صريح اللغة وسياق الآية والرد على هذا الاعتراض من وجهين:

1 - في قاموس الفيروزبادي: (صار الشيء يصوره ويصيره: قطعه وفصله) وهذا صريح في معنى الذبح. وأكثر من الذبح وهو التقطيع وتكون (إليك) في الآية ضميمة لتصوير الحال إذ أن الحال في ذبح الطير أن يميل به الذابح ويضمه إلى جانبه ليتمكن من إجراء السكين.

2 - لو كان معنى (صُرْهن) ضمهن وأملهن فقط لكان تفسيرها بالذبح تفسيراً بلازم والأمانة في هذا الموضع الذي يتعين فيه ذلك التفسير ليتناسب ذلك مع (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا)

عبد المنعم خلاف

رأي الأب مرمجي في وحدة الوجود

رداً على كلمة الدكتور زكي مبارك المنشورة في العدد 582 من (الرسالة) الغراء أقول: كنت قد كتبت إلى العلامة الأب مرمجي الدومينيكي أستوضحه رأيه في وحدة الوجود بعد أن قرأت مقال الأستاذ دريني خشبة الأول حول هذا الموضوع: فأجاب حضرته بما يلي:

(الوحدية مذهب فلسفي معاكس في مختلف وجوهه لمذهب ثنائية أو كثرة الوجود أو فبينما تميز فلسفة (كثرة الوجود) تعدد الأشياء تنكر فلسفة (وحدة الوجود) حقيقة التعدد، وتذهب إلى أن ما يعد كثرة ليس إلا ظواهر للموجود الواحد. إذ تميز فلسفة الكثرة بين الجسد والنفس، وبين المادة والروح، وبين الموضوع والفاعل، والمادة والقوة، فالمذهب الجاحد لمثل هذا التمييز والمحمل لأحد حدي التناقض إلى الآخر، أو الخالط الاثنين في وحدة عليا، يدعي مذهب الوحدية أو مبدأ وحدة الوجود

(في الفلسفة الغيبية أو الميتافيزيقية، كان قدماء فلاسفة الهنود يذهبون إلى أن التغيير والكثرة والسببية ليست حقيقة، وأن لا حقيقة إلا موجود واحد هو الله، وهذا المبدأ ينكر الموجودات إلا وجود الله والقائلون به هم المثاليون الصوفيون أما قدماء اليونان ففلاسفتهم أنكروا مثل الهنود، وجود الكائنات، وقالوا إن الوجود واحد غير متغير وسرمدي، ولم يصرحوا باتحاد هذا الوجود بالله، ودون الميل إلى الصوفية، فكانوا مثاليين أو تصوريين صرف. ومثل هذا المذهب قالت به الأفلاطونية الجديدة وظهر في فلسفة سبينوزا وفي فلسفة الإطلاق لهيكل وفي فلسفة الغيبية الساعية في جمع المادة والروح في وحدة عالية، فضلا عن الوحدة التصورية المثالية هناك الوحدية المادية المدعية أن لا وجود إلا لحقيقة واحدة وهي المادة سواء أكانت هذه المادة الأولى مجموع ذرات أم سديماً صدر عنه الكون

(الوحدوية) ليست هي (التوحيد) أو الإقرار بوجود إله واحد، وإنكار تعدد الآلهة أو الوثنية، وإنما تطلق على (الوحدة الحلولية) القائلة بأن لا تمييز بين الله والكون، سواء قيل أن الله حال في الكون حلول الجزء في الكل، أو قيل أن لا وجود إلا لله وما الكون إلا ظهور الله أو تجليه، وهذا ما ينافي التوحيد ' أي وجود الله ووجود الخلائق المتميزة عنه. التوحيد لا ينكر أن الله ظاهر بخلائقه، ولكنه ينكر أن لا وجود للخلائق. التوحيد ثنائي أي يقبل بوجود الله ووجود الكائنات متميزة عنه. إن الله متميز عن الكون ومستقل بذاته، والكون متميز عن الله لكنه غير مستقل عنه، التوحيد يقول أن العالم قد خلقه الله من العدم، وهذا أيضاً مذهب فلاسفة اليونان كسقراط وأرسطو وأفلاطون. أما غيرهم من أهل الوحدية فيذهبون إلى أن أصل العالم المادة، وأن هذه المادة القديمة صدرت عنها الموجودات، وهكذا يخلطون بين العلة المادية والعلة الفاعلة السببية)

أما بعد، فهذا ما كتبه عالم له في ميدان الفلسفة باع طويل فما قول الدكتور زكي مبارك بعد ذلك؟

(القدس)

(أ. جـ. جـ) بين الفلسفة والدين

قلت للأخ العزيز الأستاذ دريني خشبة إني حاضر لمساجلته حول نظرية وحدة الوجود، على أن يكون أساس المساجلة أن نترك التفكير في أن هذه النظرية تجنى على العقيدة الإسلامية، فكيف كان رأيه في هذا الأساس؟

تفضل فقال: (هذا شرط عجيب، ولست أؤثر أن أقول إنه شرط خبيث!) ثم كرر هذه العبارة بعد سطور من مقاله الجميل!

وأقول إن من حقه أن يصف ذلك الأساس بما يريد، ما دام مخلصاً في الوصف، وهو في نظري من أهل الصدق والإخلاص

ولكني لا أقبل أبدا إخضاع الفلسفة للدين، لأن هذا يبعدها عن مراميها، ويصدها عن رياضة الفكر على التحليق في آفاق المجهول من سريرة الوجود

والخير للإسلام وأهله أن لا نزج به في جميع التيارات الفكرية، فهذا المسلك يبلبل الخواطر ولا يعود على العقيدة الإسلامية بأي نفع وإن ضرره لمحقق

وأقول أيضاً إني لا أجعل الإسلام في بالي عند كل فكرة يجول فيها عقلي، لأن هذا تعسف وتكلف، ولأنه صد للفكر عن الخوض في الحدود والفروض وهي المفتاح لمغاليق الثروة العقلية

والأستاذ دريني قال وكرر القول بأنه يريد لنفسه وللناس إيماناً بسيطاً، فأنا أرجوه أن يثبت على إيمانه البسيط، على شرط أن يسمح لرجل مثلي أن يختار الإيمان المعقد إلى أبعد حدود التعقد والاشتباك، وهو الإيمان بوحدة الوجود، وهو إيمان فلسفي لا أريد وصله بالعقيدة الإسلامية، لأني أكره الخلط بين الفلسفة والدين، ولأني أمقت مراءاة الناس

أما بعد؛ فهل تريد أن نتساجل على هذا الأساس الذي طاب لك وصفه بأنه أساس عجيب أو خبيث؟!

وفي انتظار جوابك أقدم إليك تحية الشوق وصادق الثناء

زكي مبارك

كتب جديدة للدكتور مندور دعامة الإتقان للقيم الأدبية ترتكز على صدق في التعبير وصدق في التصوير، وعلى قدر حظ الأديب منهما يكون حظ آثاره الأدبية من الخلود، والمتأمل في كل ما أنتجه الدكتور الفاضل محمد مندور يلمح في ثناياه روح الصدق في الإحساس والتعبير. فقد كان الدكتور صادقاً حتى في كتابه المترجم، فأكبر اليقين لا أكبر الظن أن الدافع لترجمته كان ما يشعر به في أعماقه من تجاول بين هذه الأفكار المترجمة وبين ما تزخر به وجداناته. وتلك ميزة ملموسة شاهدناها في ترجمته لكتاب (دفاع عن الأدب) ولقد كان دكتورنا المفضال صادقا أيضاً في كتابه (في الميزان الجديد) بل أن كتاباته عن الأدب والشعر المهموس إذا فهمت على حقيقتها نهضت دليلاً قاطعاً على صدق التجاوب بين أحاسيس الدكتور وتعبيره. إن رجلا يحس الهمس ينبض في ألفاف الكلمات ويبلغ من رهافه الحسي أن يقيم (لفتات الحياة) وزناً كبيراً. . إن رجلا هذا شأنه لرجل صادق في كل شيء. وإني لأنتهزها فرصة لأقول إن الذي افهمه من الهمس في الشعر هو صدق التعبير الذي يلمس الفتات ويعنى بالخطير من الأمور، ومن ثم يكون كل صادق هامساً. ومن ثم تكون كل كتابة صادرة عن شعور عميق، وتأثر بالغ همساً أيضاً، وهل كانت دموع أستاذنا الزيات حين بكى ولده إلا الهمس النبيل، وهل كان رثاء الأستاذ العقاد لبيجو غير الهمس، وكم في كتاب الأيام من همس حبيب. إن وفاء الكاتب أو الشاعر لموضوعه وإيمانه وصدقه في تصويره، لا يخرج إلا الهمس. وما كان دفاع صديقنا الدكتور الجليل عن الأدب المهموس إلا الهمس في أبلغ معانيه. وبعد فإن المكتبة العربية لتعتز بهذه الكتب الثلاثة: نماذج بشرية، ومن الحكيم القديم إلى المواطن الحديث. وفي الميزان الجديد

(الإسكندرية)

حسين محمود البشبيشي