الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 580/مسألة الجنسين

مجلة الرسالة/العدد 580/مسألة الجنسين

مجلة الرسالة - العدد 580
مسألة الجنسين
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 14 - 08 - 1944


للأستاذ عبد العزيز جادو

نستعير هذه العنوان من الأستاذ العقاد لنتكلم في هذا الموضوع من وجهة نظر أخرى يحتمل أن يكون لها اتصال وثيق بما كتب الأستاذ الكبير، وربما تكون متممة لبحثه من الوجهة السيكولوجية والبيولوجية معاً. فمن رأينا أن حركة الأنوثة تستهدف لثلاثة عوامل هي من الأهمية بمكان: (الأول) أنها في حاجة إلى أي ظاهرة متيقظة و (الثاني) أن قوتها الشديدة لا تزال تكمن في قسمين محكمي السد: السيكولوجيا الأنثوية القديمة التي عليها يترتب ضعف الأنثى مدى حياتها؛ والسيكولوجيا العنيفة الحديثة، ويدخل التحصيل من ضمن فروعها. . . وهاتان لا يمكن أن تمتزجا بحال؛ و (الثالث) حركة الأنوثة ويعوزها البرنامج الثابت الذي يحسب للذكر حسابه. ولا يمكن أن ينجح أي برنامج اجتماعي أو سيكولوجي ما لم يكن مشتملاً على اشتراطات أو نصوص لكل جماعة اجتماعية وسيكولوجية في حدود اختصاصها. . .

قام جماعة منذ حين بدعوة يرمون من ورائها نشر ما يسمونه مذهب العُرى، وأسسوا لأنفسهم أندية كانت تعرف بأندية العراة. بيد أننا لا نعرف غرض تلك الشرذمة تماماً ولا ما يقصدون من هذا العرى. ومع هذا فنحن نقول هنا: هيا نتجرد من ملابسنا المعنوية جميعاً، سيكولوجيا وبيولولجيا، طارحين وراءنا القيود الجنسية والاعتبارات الأخرى، لنرى ما هذه المادة التي بأسفل هذا الحيوان الذي نسميه امرأة، سواء أكانت مستترة بنبات الخلنج أم بأوراق التين؛ وهذا الحيوان الذي نسميه رجلاً، سواء أكان مستوراً تحت ستر سرمدي أو سروال

من المحقق أم جهاز التفكير، جهاز (حالات الشعور مثلاً) الذي أتيح بضعة أسماء عظيمة كسيكولوجية الأنثى، كان يجب أن يُهمل من مدة بعيدة. والمرأة بالرغم من حريتها لا تزال مولعة بأعمال الخدم، فهي تمضي أكثر وقتها في المطبخ تعمل في غسل الأواني. وإذا تأنقت كانت دمية. والذكر أينما كان لا يملك سوى دقيقة واحدة يمضيها معها عندما يؤثر عليها بطريقة أو أخرى

والحياة كلها استجابة للبيئة. والوراثة ما هي إلا حركة انتقال لتجارب بيولوجية عالق الذاكرة. فالمرأة استجابت لبيئتها بما نعرفه عنها كامرأة، وملابسات الضعف انتقلت في خلايا النطفة في أمشاج كلا الجنسين. وهي لا يعوزها إلا أن تغيِّر بيئتها لتغير استجابتها؛ وهي لا تحتاج إلا أن تُعاد ولادتها سيكولوجياً كي تمحو العوامل المتناقضة التي تصدّها وتقيدها

والمرأة في أمريكا ربما يكون لها النفوذ والكلمة العليا. والرجل ربما كان مجرد (حصان) ينقل الأحمال. . . ولكن كيف تكونت المرأة على هذه الحال من الضعف، والنعومة، واللطف؟ إن أحداً لا يعرف الجواب الصحيح، لأن هذا كما يقول الأستاذ العقاد من وراء سلطان العلم والعلماء. ولكن هناك من يقول إن هذا راجع إلى نماذج الجنس في مراكز خلايا النطفة. وهناك أيضاً من يقول إنه يرجع إلى وظيفة الحمل، وربما يرجع إلى الحادث الشهري في الأنثى البشرية (الحيض)

ولو أن الحيوانات الذكور من أي نوع يمكن أن تحوط الإناث التي من صنفها ببيئة من الضعف، أو بشيء مضعف، ترى الإناث تحت أضرار الحمل تنسل. والحيوانات الذكور، على الأقل، تستميلها الإناث عندما تكون متأثرة بانفعال أو تأثر. والجهاز يعمل جيداً إذا كنا حيوانات راقية. ولكن الزمن هو الذي جعلنا ننتج مقداراً كبيراً من الأناس بتحسينات في المبادئ الأساسية، وتمحيصات للعمل والمظهر أكثر مما لو كنا نعمل في إنشاء السيارات وإصلاح الإطارات وتحسين الإنارة كلما واجهنا ضرورات الحياة الحديثة والنظم المبتكرة

لنكشف عن خلايا النطفة أولاً: خلية الأنثى كبيرة، مستديرة تحمل مخزناً صغيراً من الغذاء، كما تحمل عدداً معيناً من الأمشاج وخلية الذكر أصغر كثيراً، مستطيلة، لا تحمل غذاء، ولها ذيل عائم، تحمل عدداً مماثلاً من الأمشاج التي تشمل نماذج فيزيقية وعقلية لأسلاف الجنين. وحينما تتقابل هاتان الخليتان يطرحان اختلافهما ويجددان ترتيب مادتهما اللقاحية إلى أن يتماثلا تماماً عندما يتدفقان معاً ويبدآن واجبهما العادي في تقسيم الخلية

والجنس على الأرجح مثل الشعر يميل إلى السرعة حينما يتم توافق الأمشاج. وعلى أي حال لا يمكننا أن نقرّ جنس الجنين حتى الأسبوع الخامس أو السادس من تكوينه، غير أن هناك من يزعم معرفة الجنس لكل الخلايا. على أن حقيقة الذكورة أو الأنوثة ترينا اختلافات واضحة حتى في رحم الأم. وكذلك في أي جهاز للتناسل. فعلينا أن نعمل ما ازدراه نيكوديموس وهو أن ندخل مرة أخرى في بطون أمهاتنا ونولد ثانية لنؤرخ الميلاد من وقت وصول خلايا النطفة

إن مدة الحمل في الذكر تقل يومين عن الحمل في الأنثى، وذلك لأن الذكورة أشد تحولاً من الأنوثة. واشتغال نمو الجنين يسير بسرعة ونشاط أكثر. والطفل الذكر أثقل في الوزن من الطفل الأنثى، كما شوهد من بحوث بوديش وهايبرج وآخرين، كما أن أعضاءه وعظامه أثقل

والأطفال من كلا الجنسين يختلفون في حجم أعضائهم الجسمانية وفي وزن عظامهم. ولكن يمكننا أن نعزو أي اختلاف بينهم إلى الحقيقة بأن مبيض الأنثى ينتج بويضات على حين أن الذكر ينتج الحييونات المنوية وغدد كلا الجنسين تقتسمها خلية ذات فتحة مشتركة

وفي خلال الفترة التي تسبق المراهقة ينمو البنون والبنات نمواً يكاد يكون متشابها بالرغم من القصور الذاتي الأنثى. وليس يبدو على المرأة حتى انقطاع الحيض أنها في حلٍ من موانع سيكولوجيتها الأنثوية. إنها سن الفتح، وهي السن التي يتسنى فيها لنساء أن يصبحن ذوات شخصيات متسلطة قوية. وحينما نجردها من ملابسها يمكننا أن نلاحظ أن تشريحها ينتج لنا اختلافات كَميَّة فقط، من الاستجابة للبيئة. والمرأة يُقويها التشريح السهل، وإذا كانت نموذجاً حسناً قلنا إنها جميلة، بمعنى أنها أكثر طفولة وأكثر وداعة. فهي إذن أكثر ميلاً إلى جنسها، ولذا تُححَب ويُرغب فيها. . . ولو أن الذكر الحالي يعجب بنوع من الجمال الأنثوي الذي كان يعتبر فيما مضى (أداة) للتناسل

وهناك نقطتان ضيقتان في تشريح الأنثى بجانب مقدار صغير من أنسجتها العضلية، وأعضائها القليلة الفعالية والكفاية، الأولى: ميلها إلى البدانة بسهولة. وهذا الميل إلى البدانة عرض من أعراض التحول فبدلاً من أن يحرق الجسم الغذاء إلى نقطة النشاط يقف في منتصف الطريق عند نقطة البداية. وهذا يوضح السبب بنوع ما في اتساع صدور نساء كثيرات. والبدانة مصدر حيرة شديدة للمرأة الحديثة أياً كان عملها. وهذا الميل إلى البدانة إنما هو نتيجة ضعف أنسجتها العضلية، لأن حاجزها البطني الضعيف لم يبين إلا موضعاً عضلياً واحداً. ولكن هذا المشدّ الحقيقي في غاية الأهمية، لا لأنه يمسك الأحشاء في مكانها فحسب، ولكن لأنه يحافظ على ضغط الدم المناسب، ويقف خفقان القلب عند حده.

أما الرجل فإن له مشداً متوتراً من العضل في حاجزه البطني، وهذا يمده بضغط دمه العالي، ودقات قلبه البطيئة. ويبدو واضحاً غاية الوضوح عندما نذكر أن الحزوز البطنية الممتدة تكون في بعض الحالات سبباً لصدمة جراحية لا يكون الجراح مسئولاً عنها

والرجل والمرأة في اختبارات الذكاء متساويان، ولكن المرأة تتأخر في التحصيل، لأنها في حاجة إلى قوة توصِّلها إلى أطماحها. وإن تحولها البطيء، وحاجزها البطني الضعيف هما العائقان الرئيسيان لبلوغ تمام القوة

والنقطة الأخرى هي أن الأمراض التي تتعرض المرأة لها تدل أيضاً على أن تحولها أقل قيمة، في حين أن الأمراض التي يكون الذكر متعرضاً لها تشير إلى أن هناك تحولاً يعمل زيادة عن المقرر. ومن رأي (ماك ليود) أن تحول الأنثى أقل من تحول الذكر بنسبة 6. 8 % ولقد وجد (ألفاريز) من دراساته في ضغط الدم أن ضغط الدم عند الذكر أعلى مما هو عند الأنثى بـ 16. 5 ملليمترات. ويعرف كل شخص أن دقات قلب المرأة أسرع منها في الرجل. وبالطبع يجب علينا أن نتأمل الغدد الصماء بما فيها غدد الجنس. ولكننا لا نعرف إلا القليل لنستنتج النتيجة الأخيرة

إذا سلَّمنا جدلاً بعبارتي ذكر وأنثى، ترى أنه ليس هناك ذكور بحت ولا أنوثة بحت، وما دامت الحالة كذلك نضع اسماً لا يكون مربكاً، ولتكن كلمة (الطفل) أو (ناقص النمو) بدلاً مما نعني بالمؤنث. وعبارة (مراهق) أو (تام النمو) بدلاً مما نقصد بالذكر. وقد ترى المرأة أن هذه التعبيرات غير مقبولة، ولكن ليس في كل أنثى ما يجعلها (طفلة) أكثر مما يجعل كل ذكر مراهقاً. إذن، فحركة المراهقة هي التي يشمل برنامجها وظواهرها كلا الجنسين. وعلى الذين يحبون أن يشتركوا في المفاضلة بين الرجل والمرأة أن يدركوا تماماً أن الجنسين كليهما مشترك في التبعة. وربما يكون الرجال أكثر خطأ في ذلك؛ فقد ساعدوا المرأة على الاحتفاظ بضعفها لكي تكون أكثر خضوعاً لهم سواء كانت ألعوبة أو خادمة. وربما يعترض الرجال على الكلام المتعلق بالمراهقة على ضوء ما تقدم بقدر ما تستنكر النساء كلمة (الطفولة) التي أصبحت تنطبق على أجسامهن، ويجب علينا أن نفهم بادئ الرأي أن واجب الرجل في حركة المراهقة يكاد يكون ثورياً كما في المرأة، ولو أنه قد تم فعلاً في مجالات مختلفة وحركة المراهقة معناها الميلاد الجديد لكلا الجنسين. ففي حالة المرأة مثلاً - يجب أن تستسلم لسيكولوجية المراهقة التي تطغي على الحياة من المهد إلى اللحد. لأن المرأة تولد في سيكولوجية خاصة مضعفة تتمشى معها في الحياة. وسيكولوجية الأنثى هذه هي التي تجعل إضعاف البيئة ممكناً. والتي تحتفظ على الدوام بكلمة السر لتحفظ الأشياء مأمونة هادئة

وهناك حالات في تاريخ البشر انعكست فيها وظائف الجنسين أو حُوِّرت بوضوح. فمن بين الإسكيمو نشاهد الذكر يقوم في بعض الأحيان بما يتطلبه العمل المنزلي، وهو لذلك سمين مترهل. ويقول أريستوفانس إن نساء أسبرطة كان يمكنهن أن يخنقن ثوراً بأيديهن. ونقرأ في التلمود أن وظائف الجنس تغيرت أثناء عصر واحد من التاريخ العبراني

وبينما تعمل الغدد في إفراز الهرمونات التي تؤثر في التقدم وفي السلوك، يجب علينا أن نذكر أن معظم الاختلافات تكوِّن شيئاً هاماً في السلالة البشرية ويفهم هذا عندما نذكر أن المبيض يزن من جرامين إلى ثلاثة جرامات فقط، على حين أن الخصية تزن من 10 جرامات إلى 14 جراماً. وهذا جزء من التفاوت في الوزن يتمشى مع القاعدة العامة للوزن الأقل لجميع أعضاء الأنثى. والمرأة القوية يحتمل أن يكون لها مبايض أثقل كما يمكن أن يكون لها قلب أكبر. ولكن تأثير الغدد الجنسية واحد لا يقدر ليستا خالصتي الذاتية: هما دائماً أخلاط، فصيلة المراهقين تقدم أخلاطاً موزونة ذات فائدة كبيرة لمصلحة الجنسين. والفرق النوعي الواضح بين الرجل والمرأة هو التركيب المنوي في الذكر والتركيب البيضي في الأنثى وغدد الجنس ليست منابع لما عرفناه بالمزايا العرضية فحسب، وإنما تعتبر الكمية والجوهر لكل ما يمكن أن يذكر فيما نعتبره مبدأ بيولوجيا سليما، أي أن الرجل والمرأة كليهما استجابة بروتيبلازمية للبيئة وما دامت الحالة كذلك يمكننا أن نؤثر بتوسع في الاستجابة بتغيير البيئة. واختلافات الجهاز بين أشكال البروتبلازم الحيوية للذكر والأنثى تافهة وعديمة الأهمية، والاختلافات التي نشاهدها هي في الغالب آثار من صنعنا، وهي تنشأ في الغالب من حالات العقل والعادات. واختلاف التركيب الجنسي لا يمكن أن يعلل بحرية الذكر وبلوغه ما يشتهي، ولا يمكن أن يعلل بالخضوع والعجز في العمل من جهة الأنثى.

والسبب في تفوق الذكر ليس في حقيقة جنسه ولكن في المنافع التي يفعلها بقواه، إنه يعيش لا في بيئة (الذكر) ولكن في بيئة من القوى. وإنه لا يستعمل سيكولوجية (الذكر) على الأقل، حيث ينجح، ولكنها سيكولوجية من القوة. . . ليس (البرهان) ذكراً: إنه منطق التحصيل. . . وليست (البداهة) أنثى: إنها عقدة من العبث والكذب والمخادعة. . . وضعف الأنثى ليس سببه الغدد في حد ذاتها، وليس حقيقة أنها أنثى، ولكن السبب يرجع إلى تحول فسيولوجي وسيكولوجي ناتج عن الاستعمال الضيق المحدود لقواها، والفكر الحديث والطب أزالا إلى حد كبير الآثار المكبوتة للحيض والولادة.

وليس الحب هو كل الحياة لفتاة يافعة أو لامرأة ناضجة. فالحب الحقيقي يأتي فقط عندما يفقد المرء حياته، والعاشق هو الشخص الذي يحاول أن ينقذ حياته فيفقد كل حبه وحياته

والمرأة - بالتأكيد - لها دور خاص هو ولادة الطفل، وللرجل دور خاص هو إنتاج الطفل، ولكن هذه الأدوار التي يقوم بها الجنسان بولغ فيها مبالغة لا يتسع لتفصيلها المقام

(الإسكندرية)

عبد العزيز جادو