الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 572/رسالة الفن

مجلة الرسالة/العدد 572/رسالة الفن

بتاريخ: 19 - 06 - 1944


في معرض الفن

للأديب نصري عطا الله سوس

عناصر العمل الفني هي إحساس الفنان ومخيلته، وشخصيته الخالقة التي تحيل مشاعره وتأثراته إلى مادة جديدة لها طابعها الخاص، والرغبة الملحة في الإنتاج، والقدرة على الأداء، ثم التوفيق في الإخراج

وتقاس قوة العمل الفني بقوة هذه العناصر مجتمعة، كما يتسرب الخلل إليه بقدر ما يتطرق الضعف إلى أحد هذه العناصر أو بعضها

كما يجب أن تكون هذه العناصر في حالة توازن، فلن تجدي قوة الأداء شيئاً إذا كانت العاطفة ضعيفة أو فجة. والفنان الكبير حين تعوزه الرغبة في الإنتاج ويقسر نفسه عليه قسراً، يأتي عمله الفني مشوشاً مضطرباً تنقصه الطواعية: ذلك الإحساس الذي يتملك الفنان حين مؤاتاة الملكة فيشعر أنه في يد قوة أكبر منه تسوقه وتلهمه وتختار له الألفاظ الدالة أو الألوان المعبرة. . .

هذه مبادئ أولية - أو أظنها كذلك - ولا أدري كيف غابت عن عقول أعضاء اللجنة التي اختارت هذه المجموعة من اللوحات وجعلت منها معرضاً للفن، إذ مستوى المعرض في مجموعه أقل من المتوسط بكثير ونسبة المجيدين فيه قليلة جداً. وأنت إذ تلقى نظرة عابرة على ما في المعرض من لوحات يفدحك الإحساس بأن بعض هؤلاء المصورين قد قضوا أعمارهم في غرف مغلقة فلم يروا من محاسن الطبيعة أو جمال الكون شيئاً، وإلا فلما اختاروا هذه الأشكال العثة الرثة للتعبير عن عواطفهم واحساساتهم!؟

وفيما يلي بعض أرقام قد تلقى بعض الضوء - أو تهيئ بعض العذر للذين يحكمون على هذا المعرض حكماً قاسياً كما فعل ناقد في إحدى الجرائد الأجنبية المحلية فقال إن صور هذا المعرض قد طبخت طبخاً وأنه معرض كئيب!

بلغ عدد العارضين 116 بينهم 27 آنسة وسيدة

وبلغ عدد الصور 358 منها 85 للسيدات

وبلغ عدد التماثيل 28 تمثالاً وبلغ عدد الذين ينتمون إلى الرسم بحكم المهنة - من مدرسين وطلبة بمعاهد الفنون - 37 رساماً ومثالا، عرضوا 118 صورة وتمثالاً

ونحن لا ننكر على بعض هؤلاء الموهبة الفنية، ولكن امتلاكهم ناصية الأداء بحكم المهنة يغري البعض الأخر باقتحام قدس الفني وليس في مكنتهم إلا الإساءة إليه وانتهاك حرمته، كما يفعل كثير من طلبة الأزهر ودار العلوم حين يتوهمون أنهم شعراء لأنهم درسوا اللغة العربية والعروض!

أبرز صور هذا المعرض من صنع الأساتذة لبيب تادرس وحسن محمد البناني وحسين بيكار ونظير خليل، والآنسات مرجريت يزبك وإحسان خليل وج. كوهين

والذي يتأمل صور المرحوم لبيب تادرس يحس أن الفن قد خسر خسارة كبيرة بوفاة هذا الفنان الناضج الذي كان بينه وبين الطبيعة صلة روحية عميقة تنعكس على صوره في جلاه ووضوح وتضفي عليها سر الفن، ذلك السر الذي يحاول الرائي استكناهه فيفشل

أما حسني محمد البناني فهو فنان لا شك في مقدرته، خصوصاً في (ظل التكعيبة) و (منظر ريفي) و (مراكب) تلك الصور الرائعة التي تحاول سبر غورها فلا تستطيع، لأن فيها قلب فنان، وقلب الفنان أعمق من أن يسبر غوره.

وللأستاذ حسين بيكار ثلاث لوحات تنبض حياة وقوة: منها (حديقة الحب بتطوان) التي تتمثل فيها فرحة الألوان، وتحس إذ تنظر إليها فرحة الفنان نفسه والفرشاة في يده يودع لوحته ما أودعته الطبيعة قلبه. ومنها (حرم الدكتور أبو ذكرى) تلك الآية الرائعة التي تتمثل في تقاطيعها الأنوثة الشرقية المحضة والجمال المصري الصميم، تطل من ورائه روح عذبة وادعة تمكن من إبرازها فنان متوفر الشعور والإحساس

أما (زوريان أشود)، فقد وفق تماماً في قطعته الحية (زنجية)، وهي تمثل امرأة عارية، وهي ليست امرأة عارية حقاً بل (شكل) مجرد شكل اتخذه الفنان رمزاً لعاطفة، وأداة لإبراز نبضات قلب. وهي نبضات غامضة مستسرة توحيها الحياة الداخلية الغامضة المستسرة، فتبرز العاطفة من وراء الشكل، وتنسى المرأة وتذكر القلب الحي المودع في التقاسيم والأوضاع

كما أن (السيدة ا. ب) وهي من رسمه أيضاً صورة ناضجة حية، ونحن إذ نطلق كلمة (حية) على صورة شخصية نعني أن الصورة لا تمثل وجهاً من الوجوه، إنما تمثل روحاً كما تتمثل في مرآة روح أخرى هي روح الفنان

واسترعتني صور (نظير خليل وهبه) لم فيها من عمق الإحساس وقوة الأداء والفهم التام لمعنى الفن، فلا إسفاف هناك أو اضطراب أو خلل في كل ما رسم

أما صور (تيتا) - الآنسة مرجريت يزبك - فيتمثل فيها الجلال الفني الذي ينبع من تقديس وإكبار الفنانة لفنها، ومن هنا تبدو صورها كصلوات في محراب الفن، صلوات للجمال الأبدي والحقائق الخالدة التي تكمن وراء الأشكال والتقاسيم والأوضاع، وصورها الثلاث تدل على دراية ونضوج وعاطفة قوية، ولكنها مستقرة لا تعرف الطفرات أو سورات الإلهام، ومن هنا ألوانها الهادئة الرزينة

وقد وقفت وقفة طويلة أمام صور الآنسة إحسان خليل: إن هذه الفتاة فنانة حتى أطراف أناملها، والذي يتأمل المناظر الطبيعية التي رسمتها يحس أنها تتناول الفرشاة بقلبها الرقيق لا بأصابع يديها، ومن حسن حظ (إحسان) أن صور الآنسة عايشة عبد العال قد وضعت إلى جانب صورها، فأظهرت تماماً مميزات (إحسان) وتفوقها!

والآنسة ج. كوهين متأثرة بالفنان (رودان) بعض الشئ، ولكنها فنانة مجيدة ناضجة تمام النضج، وقد عرضت الآنسة ا. شمليان لوحتين تعتبر إحداهما من خير ما في المعرض من صور الطبيعة الصامتة، والثانية لا بأس بها

وأحب أن أقول كلمة عن محمود سعيد بك فقد عرض ثلاث لوحات، وكلنا يعرف مكانة هذا الفنان الكبير الذي سبق أن أيدينا إعجابنا به. ولكن إذا كانت هذه اللوحات تعبر عن الفنان محمود سعيد في طوره الحالي، فلا شك أن فنه قد أصيب بالخرس. وقد خلا فن محمود سعيد في السنوات الأخيرة من التنويع والتجديد، وليس في صوره التي رأيناها في هذا المعرض تلك العذوبة أو القوة التي كانت تطالعنا بها صوره السابقة

كما أن الآنسة مرجريت نخلة قد ظلمت نفسها بعرضها ثلاث لوحات لا تمثل فنها كل التمثيل، وقد رأينا لها مجموعة قوية من الصور في معرض الفن النسائي الذي أقيم في نادي سيدات القاهرة منذ شهرين أو ثلاثة، ولذا أوثر عدم الحديث عنها

وقد عرض الأستاذ الحسين فوزي 14 لوحة، وإذا كان قد نجح في واحدة أو اثنتين على الأكثر، فلا شك أنه نجاح الصدفة لا نجاح القدرة. ومن الغريب حقاً أن تعثر على صورة للأستاذ الشيتي عنوانها (الأمومة)، ويبدو على وجه الأم وله العاشقة الحيرى، وعلى وجه الطفل الرضيع مشاغل وأعباء ونستون تشرشل، ونحن نعترف للأستاذ الشيتي بالقدرة في الرسم والتلوين فقط. . . أما الروح الفنية فلا

وقد اختارت الآنسة (أندريه ساسون) موضوعات يسهل ظهور الفشل فيها، فظهر واضحاً جلياً إلا في صورة واحدة وهي (فاطمة)، ففيها شئ من البراعة. وإذا لم يكن في صور الأستاذ يوسف كامل ما يصدم العين أو الإحساس فليس فيها ما يثير الانتباه أو يحرك النشوة الفنية

أما صور الأستاذ سند بسطا فالفن منها براء، فهي لا تدل إلا على عاطفة قلقة باهتة شاحبة، ولا تنبئ إلا عن الاجتهاد الذي يصطدم بحدود الموهبة وحدود القدرة على الأداء فيفشل!

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فيجب أن نذكر أن الإمعان في الصقل يذهب برواء الفن ويطمس معالم العاطفة فيه كما حدث في صور محمود سعيد والسيدة فتحية ذهني

ومن بين الذين نجحوا في الصور الشخصية الأستاذ محمد حسن، فليس هناك من ينكر مقدرته، والسيدة اعتماد الطرابلسي في (رأس الأميرة فريال) والأستاذ بدوي اسكندر في (ابتسامة) التي تفيض شباباً وبشراً وحياة، والأستاذ حسين محمد بدوي في (الجدة) وصلاح الدين طاهر في (توفيق الحكيم) والسيدة رايس مولى في (صورة لمارتن) والأستاذ أحمد صبري في قطعتين من ثلاث، وسمسونيان سيمون في (رأس طفل)، وإجادة الأخير لصور الطبيعة الصامتة خير بكثير من إجادته للمناظر الطبيعية أو الصور الشخصية؛ وقد عرض جورج ميخائيل لوحتين إحداهما لفتاة والأخرى لفلاح، وكلاهما فياض بالمعاني

وخير من رسموا مناظر الطبيعة هم: الآنسة إحسان خليل في لوحاتها الثلاث، والأستاذ نجيب أسعد، وله قطعة واحدة جيدة، هي (في الحديقة)، أما بقية مجموعته فهي دون المتوسط بكثير. وسعيد حامد الصدر في (شجر) و (في الحديقة)، والأستاذ نعيم جاب الله في (منظر ريفي). كما يجب ذكر زهور الأستاذ شفيق رزق فهي خير ما عرض من نوعه في المعرض

وهناك مجموعة أخرى من الرسامين نلمح فيهم الروح الفنية، ولكنهم لم يصلوا بعد إلى المستوى الذي نرجوه لهم، ونأمل أن نرى لهم صوراً أحسن في المعارض المقبلة، وهم الأساتذة صدقي الجباخنجي، وكامل مصطفى محمد، ومصطفى المهدي، وسمسونيان سيمون، والآنسات مفيدة شعبان وزينب محمد علي

أما فن النحت فأعتقد أن تماثيل الأستاذ جمال سجيني هي خير ما في المعرض، ويأتي بعده الأستاذ فتحي محمود

وآمل أن أستطيع قريباً الكتابة في توسع وإفاضة عن بعض الفنانين الذين أبدينا إعجابنا بهم، اعترافا بفضلهم ومقدرتهم

نصري عطا الله سوس