الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 568/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 568/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 568
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 22 - 05 - 1944

8 - الشعر الجديد

أوضحت في هذه الأحاديث آرائي في (الشعر الجديد) مطلقة صريحة. وكانت قد تجمعت لدي من مطالعات طويلة. وكنت أهم أحياناً بتقييدها، وأنساها أحياناً، حتى كان أن فتح (الأستاذ الجليل) هذا الباب. فلممت شعث ما تفرق منها في ذاكرتي، وجهرت بها مستهدفاً وحدي لغضب الغاضبين؛ فإن جلة النقاد آثروا العزلة، واعتصموا بالسكوت، لما قدمت في كلمتي الأولى. ولقد وددت لو كنت قد خرجت من الإجمال إلى التفصيل؛ ولكني جانبت الأشخاص، لما أسلفت، وعمدت إلى (المدرسة) - كما يعبر الآن - وهي تجمع ما تفرق من خصائهم، وتضم شتات مميزاتهم

ولا شك عندي أن الذين تتبعوا كلماتي وتأملوها في إنصاف وعدل، قد أدركوا أي صنف أعني من الشعراء، وأي نوع تنظم هذه الصفات التي عنيت ببسطها، وجهدت في تحديدها - فلا يغالطن معالط بعد هذا - أني أعني فلاناً أو فلاناً من شعرائنا ذوي المكانة فينا، أولئك الذين أجمعنا على تمجيدهم، لا الذين يتلمسون شهرتهم بين فئة قليلة من المعجبين

والآن آن أتحدث إلى الكاتب الفاضل الأستاذ دريني خشبة في بعض نقداته، كما وعدت أن أفعل

قال الأستاذ: (لقد أنكر الأستاذ جميع الشعر العربي بعد البارودي وشوقي وحافظ. . . وأشفق من الشعراء الشيوخ الإجلاء الذين لا يزالون على قيد الحياة، والذين يعتز بهم الشعر العربي. . . الخ)

أقول: يشير الأستاذ إلى مقالي بالرسالة. فقد قصرته على هؤلاء العلية الأمجاد، وضممت إليهم صبريا - وإن كان كثير غيري لا يذكرونه في حلبتهم - لأوجه من الشبه كثيرة بينه وبينهم. وقد رجعت إلى هذا المقال، فإذا هو خلو من هذا الإنكار. ولعله توهمه من قولي: (فلما خلا الميدان من هؤلاء الفرسان، ودالت أيامهم، سدلت على المسرح الستارة. ثم عادت فارتفعت. فإذا مشهد عجب، وإذا الحال غير الحال، وإذا نحن أمام فوضى النظم والنظام. . . الخ) فهذا يا سيدي لا يدل بمنطوقه ولا بمفهومه - فيما أدرك أنا - على أنه لم يكن بيننا إذ ذاك شعراء من الطبقة الأولى، بدليل قولي: (فوضى النظم والنظام)؛ فإن كلمة (النظام) إنما تطلق في العرف العام على القارضين الذين ينظمون ولا يشعرون؛ فهذه الفوضى لا نعرفها في أثناء حقبة شعرائنا هؤلاء. وإنما شاعت بعدهم هذا الشيوع الذي نلمسه الآن. أما قولي: (إن تلك الحقبة لا تعبر إلا عنهم وحدهم، وإن نجم بينهم من يعترف لهم بالاقتدار رسمو الشاعرية)، فدليل آخر يشهد لي. ومعنى كون تلك الحقبة لا تعبر إلا عنهم وحدهم، أن لهم ميزات اشتركوا فيها جميعاً، فأفردتهم بين شعراء جيلهم. فهم فصل قائم برأسه في تاريخ الشعر الحديث. وهكذا يجب أن يكون في تاريخ الأدب المصري

على أني مع ذلك عند عقيدتي الثابتة فيهم - وهي عقيدة جمهرة المتأدبين في العالم العربي - تلك هي أنهم لا يزالون يتسنمون المكانة الأولى بين الشعراء لهذا العهد. والفلك الدوار قد يجود بأمثالهم وبأعظم منهم. فليرقب الفلك الدوار

وقال الأستاذ الفاصل: (أمن العدل أن يحدثنا عن قصيدة لم نرها، لنحكم إن كان إنكاره منها ما أنكر حقاً، أو ليس من الحق في شيء؟ وهل من العدل أن يجحد شعراء الشباب عامة، لأن تلك القصيدة لم ترقه؟)

أقول: ليرجع الأستاذ إلى مقالي الأول خاصة، ومقالاتي بعد ذلك، ليرى أبان أنا أحكامي جميعاً على تلك القصيدة وحدها؟ وليراجع سيدي المقال الذي تعرضت فيه لهذه القصيدة، ولينظر ما قلت هناك. وإذا كان الأستاذ يحكم هذا الحكم من غير أن يقراً كلامي حق القراءة، فما حيلتي؟ وما حيلتي أيضاً أن يسيغ أن يكتب مثلي سبعة أحاديث مستنبطاً آراءه فيها من قصيدة واحدة؟

وهل في كلامي ما يشير أو يدل على أني (أجحد شعراء الشباب عامة؟) لا يا سيدي. إني حكمت على فئة كبيرة تسنى لها - بعوامل مختلفة - أن تنشر شعرها بين ظهرانينا. وهو شعر هزيل في ألفاظه وتراكيبه ومعانيه. فليس معنى هذا ألا يكون من بين شعراء هؤلاء الشباب ما يستجاد أو يستملح. ولولا أني لزمت الصمت عن الأشخاص في هذه الأحاديث لمثلت

أما (نبش قبور الموتى) و (سرقة أكفان النائمين تحت التراب). . . الخ. فهذه ألفاظ معادة، نسمعها دائماً في معرض الازدراء بالقديم أو التنفير منه. فنضرب عنها صفحاً

وقال الأستاذ أيضاً من مقال آخر: (وخامسة الأثافي، أو داهية الدواهي، ما وقعت فيه من أسبوعين من الخطأ الشنيع فقد ذكرت في كلمتي. . . طائفة غير قليلة من الشعراء الشباب في مصر، على أنهم بعض من يمثل شعرنا الحديث. وكان هذا الخطأ سبباً في إثارة بعض هؤلاء الشعراء أنفسهم، فقد ساءهم أن تحشر أسماؤهم على هذا النحو الزري في ذلك الثبت الطويل من أسماء الشعراء). ثم قال: (ولكن المضحك في هذا الأمر غلو بعض من نقموا مني ذكر أسمائهم في ثبت الشعراء هؤلاء! لقد أٌقبل أحدهم ثائراً كالعاصفة، ونكش شعر رأسه (نكشة) أفزعتني، ولست أقول إلا الحق! ثم راح يتهمني بأني أناقض نفسي حين أعلن استجادتي لشعر هؤلاء (أل. . .). ثم قال: (والظريف أن الذين أنكر عليهم صديقي (العاصفة) شاعريتهم، كانوا شعراء من الطبقة الأولى عند صديق آخر سعى إلي ليعلن احتجاجه للسبب نفسه. . . الخ.)

هذا ما رأينا اقتباسه ضرورياً من كلامه

فانظر إلى هؤلاء الشعراء كيف ينكر بعضهم شاعرية بعض على هذه الهيئة الغريبة!

وهل بعد تصوير الأستاذ دريني خشبة لهذا المنظر البديع، تحتاج إلى شرح أو تعليق؟

(انتهى الحديث)

(ا. ع)

جائزة أدبية

في عدد المقتطف الصادر في شهر مايو نشر الشاعر بشر فارس قصيدة عنوانها (إلى زائرة)

قرأت القصيدة، ثم قرأتها مرات، ثم أعدت قراءتها في أوقات متفاوتة، وكنت، عقب كل قراءة، أعود بالخيبة من عدم الفهم؟! ولكن هل في أداة تفكيري عطب أو تلف، وقد قرأت وفهمت أكثر ما نشر في ذلك العدد من المقتطف من بحوث في العلم والفلسفة والأدب؟

يحسن بي إذن أن أشرك قراء الرسالة معي في قراءة هذه القصيدة وأتعهد بجائزة مالية قدرها خمسة جنيهات مصرية، أدفعها إلى من يستطيع فهم معاني تلك القصيدة وشرحها، ولا أستثني قراء العربية في سوريا ولبنان وفلسطين والحجاز والعراق، وقد أودعت المبلغ في إدارة الرسالة. وهذه هي القصيدة: إلى زائرة

لو كنتِ ناصعة الجبين ... هيهات تنفضني الزياره

ما روعة اللفظ المبين؟ ... السحر من وحي العباره

ظِلّ على وهَج الحنين ... رَسمته معجزة الإشاره

خطٌّ تساقط، كالحزين، ... أرخى علىِ العزم انكساره

ماذا بوجّد المحصَنين؟ ... صوت شجٍ خلف الستاره

غيَّبتِ في العجب الدفين ... معنى براعتِه البكاره

درَّا يفوت الناظمين ... ونهضت تهَديني بحاره

خطوات وسواس رزين: ... وهبٌ تُعمِّيه الطهاره

(بشر فارس)

حبيب الزحلاوي

حول مزايا الخط العربي

مما رزئت به هذه اللغة الكريمة بتأثير من ضعف حماتها، أن أصبحت حسناتها سيئات تعتد عليها

ومن عيوبها عند الكثيرين أنها أهملت في خطها حروف الحركة مستعيضة عنها بالشكل الجزئي، أو الشكل الكامل لمن لا يجيد القراءة، وحجة من يفضلون الكتابة اللاتينية أنها برئت من هذا (العيب) الذي أورث كتابتنا اللبس والغموض

وإن من الطريف المضحك أن يكون صدى هذه الصيحة عندنا، صيحة تقابلها هنالك، يتنادى فيها القوم بحذف حروف الحركة من كتابتهم ضنا بالزمن والورق والمجهود

وإلى القارئ نص عبارة وردت بإحدى المجلات الأمريكية عن هذا الموضوع

(لقد كتب الشيء الكثير حول التهجية المنقحة كوسيلة من وسائل التوفير في المساحة. ومن المحتمل أن تكون هذه خطة جيدة، على أنها ستكون أجود إذا نحن تقدمنا بها إلى مدى أكثر؛ باتخاذ نهج من الاختزال يتوفر به نحو أربعين في المائة من مساحة المكتوب. ولن يكون هذا شاقاً إلى الحد الذي تعتقد، لأنك تستطيع بلا شك أن تتلو هذه العبارة. أليس كذلك؟) وكتبت المجلة العبارة على هذا النسق من الهجاء:

. .)

وهذا نص الجزء الأول مما ترجمناه؛ وإذا نحن أعدنا كتابته على الوضع الذي يكتب به في الإنجليزية اليوم، جاء هكذا:

ويرى القارئ مبلغ الاقتصاد في الطريقة الأولى؛ ويتضح من الإشارة باستعمالها أن القوم قد بدءوا يتلمسون أسلوباً في التهجية كأسلوبنا، يحذفون منه حروف الحركة. أفلا يحق لنا بعد كل هذا أن نستمسك بما نحن عليه، وندع القوم وكتابتهم يبقون عليها أو يصلحونها. وحسبنا من شر سماعه؟

(جرجا)

محمود عزت عرفة

شعر ناجي

في العدد السابق كلام عن شعر ناجي هو صدى لذلك التطاحن القديم الذي لا نؤثر له أن تشب ناره بعد أن خمدت بين الشعراء والشعراء وبين الشعراء والنقاد وبين النقاد والنقاد. . . وأبغض شيء إلي أن أكون من موقدي تلك النار أو أن أتسبب في إيقادها. . . ورجائي أن يتقي الله الذي يحاولون - قاصدين أو غير قاصدين - إيقاد تلك الفتنة من جديد، لأنها تضر الأدب ولا تنفعه، فرب نقد أو اتهام لا يعدو أن يكون تجنياً، يقضي به الناقد أو المتهم على روح الأديب. . . أما الاتهام بالسرقة في مثل تلك السهولة وفي مثل ذلك اليسر فهو من الظلم الصارخ الذي يحسن أن نجنب أنفسنا الوقوع فيه. . . وقد تفضل أحد الأدباء في العدد الأسبق، فرد أحد أبيات ناجي التي راقتنا حتى عدلناها بألف بيت من جيد الشعر إلى الشاعر صر در حيث يقول:

ناضلنا بنوافذ مسمومة ... وودت لو قبلت سهم الرامي

وبيت ناجي هو:

ومن عجب أحنو على السهم غائراً ... ويسألني قلبي متى يرجع الرامي! ولو ألقى الأديب الفاضل باله إلى أن لحاظ الحبيب لا يحسن بل لا ينبغي أن توصف بأنها مسمومة (!) لأن السم والعياذ بالله لا يكون إلا في رؤوس الأفاعي وأذناب العقارب واليعاسيب والزنابير والنمل، لفطن إلى ناحية الضعف في بيت صر در

ولو أراد الأديب الفاضل أبياتاً أقرب إلى بيت ناجي، وهو مع ذاك يفضلها جميعاً، لوضعنا بين يديه الأبيات الآتية: لابن الرومي:

فيسبيك بالسحر الذي في جفونه ... ويصيبك بالسحر الذي هو نافثه

يحن إليه القلب وهو سقامه ... ويألف ذكراه الحشي وهو فارثه

وللبحتري:

أين التي كانت لواحظ طرفها ... يصبو إليها القلب وهي سهام

إن مت من أسف لشط مزارها ... فالموت روح والحياة حمام

وللسري الرفاء:

بنفسي من أجود له بنفسي ... ويبخل بالتحية والسلام

وحتفي كامن في مقلتيه ... كمون الموت في حد الحسام

وله أيضاً:

وقد فوقن بالألحاظ نبلاً=قلوب العاشقين لها رمايا

تمنينا اللقاء فكان حتفا ... وكم أمنية جلبت منايا

وكنا قد أعددنا مائة بيت أو تزيد كلها تدور حول معنى بيت ناجي فإن أحب الأديب الفاضل أرسلناها إليه. . . وسيفضل معنا بيت ناجي عليها جميعاً، لأن ناجياً في غنى عن أن يسرق من أحد، لأنه يصور بروحه ودمه، وله ثقافة وحسن اطلاع يغنيانه عن صر در القديم وصرر درر العصر الحديث. وقد آن لنا أن نعدل.

(د. خ)