مجلة الرسالة/العدد 559/منشأ عقيدة اليزيدية وتطورها
→ محاورات الموتى | مجلة الرسالة - العدد 559 منشأ عقيدة اليزيدية وتطورها [[مؤلف:|]] |
نقل الأديب ← |
بتاريخ: 20 - 03 - 1944 |
للأستاذ سعيد الديوه جي
- 3 -
وأما رأي الشيخ عدي في النزاع بين (علي ومعاوية) فإنه يقول (كانا إمامين مجتهدين، ولكن المصيب منهما علي رضي الله عنه، وأصحابهما أصحاب إمامين مجتهدين، وقتالهم كان باجتهاد ولطلب الحق لا لحظوظ الدنيا، ولم يكن أحد منهم حريصاً على قتل أخيه، وقتلاهم جميعاً في الجنة. ونكف عما شجر بين أصحاب رسول الله ﷺ وننشر محاسنهم رضى الله عنهم، وإن الله قد غفر لهم)، فنرى أنه كان معتدلاً في رأيه يرى أحقية (الإمام علي)؛ ولكنه مع هذا لا يبخس (معاوية) حقه.
وامتاز عصره بظهور عدة مشايخ كمل (كالشيخ عبد القادر الكيلاني، والشيخ قضيب البان الموصلي، والشيخ أحمد الرفاعي، والشيخ وهب السنجاري) وغيرهم كثير. وكان (الشيخ عدي) أحد هؤلاء الكمل. وأسس طريقته (العدوية) فدخل فيها الأكرار والموالون للحزب الأموي ومن هذا الوقت صار يطلق على أنصار الحزب الأموي اسم (الأكراد العدوية) فظهرت حركتهم بمظهر صوفي، ولكن حبهم لبني أمية لم يطرأ عليه تغيير سوى أنهم خففوا من بغضهم لآل البيت، وكان ذلك بتأثير شيخهم (عدي). وعمر الشيخ عدي تسعين سنة. ونال من القبول عند أصحابه ما لم ينله سواه. وتوفى سنة 557هـ، ودفن في زاويته التي بناها (بلانش)، وقبره هناك معروف يزار.
وكان الشيخ قد استخلف ابن أخيه (صخر) قبل موته، وكان هذا عالماً عاقلاً على جانب كبير من الدين والتقوى، وصارت منزلته عند العدوية لا تقل عن منزلة عمه. سلك بأتباعه طريق الخير وأبعدهم عن المفاسد والشرور.
وخلفه بعد موته ابنه (أبو المفاخر عدي)؛ وكان لا يقل عن أبيه في العلم والورع وسلوك طريق الخير بأتباعه. وصار لهذه الأسرة منزلة عند العدوية دونها منزلة الملوك. ولكن الثلاثة الذين سلفوا لم يتدخلوا في أمور الدنيا. انقطعوا إلى الله عز وجل فكان الله معهم.
الدور الثالث الشيخ حسن وابتداء الغلو في يزيد ومعاوية
وكثيرا ما تغر الدنيا بعض أصحاب المذاهب والطرق الدينية فينحرفون عن الجادة المستقيمة التي سار عليها آباؤهم وأجدادهم، وذلك استئثاراً بطاعة الأتباع واستغلالهم لمصالحهم الدنيوية. وإن (الشيخ حسن) هو أحد الذين غرتهم الدنيا لأنه وجد ما عليه أسرته من المنزلة الرفيعة وطاعة الأكراد العدوية لهم وشدة بأس هؤلاء الأكراد؛ وإن إشارة بسيطة منه تسوقهم إلى الموت وهم راغبون، فسولت له نفسه أن يبدل دينه وأن يظهر في الأرض الفساد. وهو بلا شك كان يريد أن يستغل الضعف السياسي الذي كان يشمل العالم الإسلامي في القرن السابع الهجري ليعيد تشكيل الدولة الأموية. وربما كان يقدر له هذا لو سار على الطريق المستقيم الذي رسمه (الشيخ عدي الكبير)
انقطع (الشيخ حسن) عن أصحابه ست سنين ثم ظهر لهم وقد ألف (كتاب الجلوة لأرباب الخلوة) زاد أشياء باطلة في اعتقادهم نظماً ونثراً، وغالى في تعظيم (يزيد وعدي) ووجد كلامه قبولاً حسناً عندهم لأنه كان من رجال العالم رأياً ودهاء، وله فضل وأدب وشعر في التصوف يستهوي به أصحابه. وبذلك انقلبت الطريقة (العدوية) إلى فرقة مغالية في حب (يزيد وعدي)، فتطورت من طريقة دينية إلى حزب ثوري له صبغة دينية باطلة. فكم من دعوة صالحة انقلبت إلى غي وضلال! وكم من مبدأ سامٍ انعكس إلى جمعية هدامة! هذا إذا تولى الأمر أصحاب الأهواء والمطامع.
انتقل الشيخ حسن إلى الموصل وسكنها. ولعله كان يريد بهذا أن يكون على اتصال تام بأرباب الحكم (الاتابكي) لينفث سمومه الفتاكة فيهم ويتحين الفرص المناسبة. وصار له مريدون وأتباع في هذه المدينة، كما أنه نشر دعاته في (هيت) والكبيسات. وسنجار. وسامراء. وتكريت. وسورية) ولاقت قبولاً عند البعض لولا مناوأة الحزب العلوي لها. وصار الملوك يخشون أمر هذه الدعوة. وخاصة (بدر الدين لؤلؤ) صاحب الموصل فإنه كان من أكبر المناوئين لها لأنه يخشى على ملكه لقربه منهم. وفي سنة 644هـ قبض على الشيخ حسن وحبسه ثم خنقه بوتر وبدد شمل أصحابه من الموصل وفتك بهم فتكاً ذريعاً، ثم أخذ يختلق الحجج على أحفاد الشيخ عدي، ويكلفهم ما لا يطيقونه، ويرهقهم بالضرائب الفادحة. وفي سنة 652هـ جهز جيشاً كبيراً عليهم وأعمل السيف فيهم ونبش قبر الشيخ (عدي الكبير) وأحرق عظامه. فأضعف أمر هذه الفرقة. ولا ننسى أن الملك (بدر الدين لؤلؤ) كان يميل إلى العلويين كثيراً، وأنه بنى الأضرحة والمراقد العديدة في الموصل لأبناء (الإمام علي) ولا تزال هذه الأماكن شاهدة على ما نقول
هذا هو تطور هذه الفئة من حزب سياسي معاد لآل بيت رسول الله ﷺ، إلى طريقة صوفية عدوية خالصة لله، إلى فرقة مغالية في حب (يزيد وعدي)
الدور الرابع
خروجهم عن الإسلام
وفي القرن الثامن الهجري بدأ انحراف هذه الفرقة يزداد عن الإسلام، ودخل التجسم في اعتقادهم. ولا سيما أن رؤساءهم الدينيين حرموا القراءة والكتابة عليهم فأوقعوهم في ظلمات الجهل، وسخروهم لمصالحهم، وقادوهم حيث أرادوا. ودخل عقائدهم عقائد يهودية ومسيحية ووثنيه وصابئية وخارجية. وكانوا يسترون عقائدهم الزائغة عن الإسلام بكتمانها وعدم إباحتها. وصاروا بذلك فرقة باطنية خارجة عن الإسلام بكتمانها وعدم اباحتها. وصاروا بذلك فرقة باطنية خارجة عن الإسلام. ولا ندري متى تم هذا الانفصال؛ ولكن بعض النصوص تصرح بأن يزيدية (جبل مقلوب) بقوا محافظين على إسلامهم حتى القرن الحادي عشر الهجري، وهم على المذهب الشافعي كبقية الأكراد، ولا يشوب عقيدتهم إلا بغض (آل البيت) والتطاول عليهم. ولهذا فإننا نرجح أن انفصال اليزيدية عن الإسلام تم في العصور المتأخرة أي بعد القرن الحادي عشر الهجري
عقائدهم
تكفيرهم بقية الأديان
يعتقدون أن الأمم الباقية من مسيحيين ويهود ومسلمين على ضلال. ويجب على (اليزيدية) أن يجتنبوهم لأن إلههم (طاووس ملك) لا يحبهم كما يحب اليزيدية. وعليهم أن يكتموا أمر دينهم، وكتبهم المقدسة عنهم، كما يحذرهم من قراءة كتب هذه الملل لأنها مبدلة. جاء في كتابهم (الجلوة) (لا تقبلوا كتب الأجانب من اليهود والنصارى والإسلام لأنهم غيروها، ولكن اقبلوا ما يوافق سنتي). وقال أيضاً: (جميع الكتب الموجودة بين الخارجين بدلوا فيها وزاغو عنها ولو كتبها الأنبياء والرسل المرسلون لأن كل واحد يبطل الآخر وينفى قوله ويضادده الحق والباطل معلوم عندي حتى وقوع البشر في التجربة) وهو يوصي أتباعه بالتعاضد والتكاتف ومقاومة من يريد أن يتطاول على تعاليم (طاووس ملك)، وعليهم أن يحتملوا المصائب والمحن بسبب هذا. وهو لا ينسى نصيبهم من المكافأة في أحد العوالم. قال في الجلوة: (الذين يحتملون المصائب والضيقات بسبي لا بد لي من مكافأتهم بأحد العوالم. جميع أتباعي أريد أن يتحدوا برباط واحد لئلا يضادوهم الأجانب. أيها الذين تبعتم وصاياي وتعاليمي أنكروا تعاليم الأجانب وأقولهم لأني لست أنا معلمها لهم وليست من عندي لا تذكروا اسمي ومكاني أمام الخوارج لئلا تندموا؛ لأنكم لا تعلمون ما يفعل الأجانب) ونرى كثيراً ما يوصيهم بالكتمان والمحافظة على أسرار كتبهم ودينهم لئلا يطلع الأجانب عليها، ولهذا فأن اليزيدية لا يبيحون بحقيقة اعتقاداتهم لأحد؛ وإن باحوا بشيء منها فلا شك أنهم يحرفونها امتثالاً لأمر (طاووس ملك) وقد جاء في مصحف رش بأن طاووس ملك خلق لهم عدة ملوك قبل الأمويين، وأن ديانتهم كانت قبل المسيح تسمى وثنية (وكل اليهود والنصارى والإسلام وغير ذلك من الطوائف حتى العجم أيضاً قاموا ضد ديانتنا، ولكن لن يقدروا عليها ولا علينا قط، لأن إلهنا يقوينا عليهم ويعلمنا العلم الأول والآخر)
(للكلام صلة)
سعيد الديوه جي