مجلة الرسالة/العدد 558/منشأ عقيدة اليزيدية وتطورها
→ الجمعية الملكية | مجلة الرسالة - العدد 558 منشأ عقيدة اليزيدية وتطورها [[مؤلف:|]] |
في (مجموع رسائل الجاحظ) ← |
بتاريخ: 13 - 03 - 1944 |
للأستاذ سعيد الديوه جي
- 2 -
5 - كرسي المختار وتخت يزيد: ثار (المختار الثقفي) على الدولة الأموية باسم محمد بن الحنفية ليجعل لدعوته صبغة دينية وهي الدعوة لآل البيت، وأنكر ابن الحنفية أمره، ولكن (المختار) من دهاة ثقيف، فإنه لما وجد تثاقلاً من جيشه لحرب عبيد الله بن زياد أتى بكرسي وادعى أنه من مخلفات الإمام علي، وأنه بمنزلة التابوت في بني إسرائيل لا يحمله جيش إلا كتب له به النصر. فكساه بالديباج وسلمه إلى إبراهيم بن الأشتر قائد جيشه وانتصر الجيش على (ابن زياد) وقتله ودخل ابن الأشتر الموصل. فحركة المختار ظاهرها لآل البيت وحقيقتها دعوة باطلة له. ووضع اليزيدية مقابل هذا الكرسي تخت يزيد وهو من المشاهد المقدسة عندهم يجلس عليه أميرهم، وأمر التخت عندهم كأمر الكرسي عند أتباع المختار
6 - وجاء في كتابهم المقدس: (مصحف رش) قصة طريفة تؤيد ما ذهبنا إليه، وهو عداؤهم لآل البيت وتأييدهم للحزب الأموي وهي: (ولنعد الآن إلى محمد بن الإسماعيليين فكان عنده خادم اسمه معاوية؛ فنظر الله إلى محمد فرآه لا يسلك باستقامة فأوجع رأسه. فقال محمد لمعاوية: تعال احلق رأسي لتعاطي معاوية التزيين، فأتى معاوية وحلق رأس محمد بخفة فجرحه وجرى منه دم كثير. فلما رأى معاوية الدم لحسه بلسانه خوفاً لئلا يقع على الأرض، فقال له محمد: ماذا صنعت يا معاوية؟ أجاب: إني لحسته بلساني خوفاً لئلا يقع على الأرض. فقال محمد: لقد أخطأت بذلك فإنك تجذب وراءك أمة عظيمة وتتخاصم مع أمتي فقال معاوية: لا أتزوج ولا أقع في العالم قط. ثم بعد زمان سلط الله على معاوية عقارب فلدغته ورشت سمها عليه. فلما رآه الأطباء جزموا عليه بالزواج وأتوه بامرأة يربى عمرها على الثمانين كي لا تحبل. فلما عرفها معاوية أصبحت في الغد ابنة خمسة عشرة سنة وذلك بقدرة الإله. فحبلت وولدت إلهنا الذي يسمى (يزيداً) وهذا قول صريح من كتابهم المقدس أنهم أعداء لآل بيت رسول الله - ﷺ - كما نسب أمرائهم ينتهي إلى (يزيد بن معاوية) فلم يبق شك في أن أصل حركة اليزيدية كانت حركة لمناص بني أمية والدفاع عن حقهم في الخلافة ومناوأة (آل البيت) الذين خاصمهم الأمويون على الخلافة منذ صدر الإسلام
والسبب الذي جعل الجبال القريبة من الموصل مركزاً لهذه الطائفة هو: أن الموصل كانت مدينة أموية منذ الحكم الأموي. واهتم بها الأمويون اهتماماً كبيراً، فوسعوها وسكنها جالية منهم وكانوا كثيراً ما يولون عليها أميراً من البيت الأموي. وممن تولاها: (سعيد بن عبد الملك، والحر بن يوسف، ومروان بن محمد) كما سكنها الخليفة (هشام) قبل أن يلي الخلافة وبنى له قصراً فخماً في ربضها الأسفل وغرس بها النخيل والبساتين. (والحر) صاحب (قصر المنقوشة) كان يملك القرى المجاورة لجبل (مقلوب) وهو أحد مراكز اليزيدية اليوم. وأن (إبراهيم الإمام) منظم الدعوة العباسية كان يعرف حب أهل الموصل للأمويين ولذلك أوصى (أبا مسلم الخراساني) ألا يعتمد عليهم. وذكر (أبو زكريا الأزدي) مؤرخ الموصل وقاضيها في القرن الرابع الهجري أن الموصل بقيت أموية في الحكم العباسي، ولهذا فتك بها العباسيون وقتلوا من أهلها ثلاثين ألف رجل سنة 133هـ. وبعد سقوط الدولة الأموية فر كثير من الأمويين ومواليهم إلى الجبال المجاورة للموصل، ومن هذه الجبال جبلاً (مقلوب، ولالش) أو (الهكارية) وأثروا على الأكراد الساكنين في هذه الأماكن وجعلوهم يميلون إلى بني أمية. ومما زاد في تأييد هذه الطائفة أن الموصل والجزيرة كانتا من مراكز الخوارج (الحرورية) وهم يحاربون كل حاكم، واستمرت حركتهم إلى القرن الثالث الهجري. وكانوا كلما ضاقت عليهم الأرض لجأوا إلى الجبال المجاورة. ولا شك أنهم كانوا يلاقون ارتياحاً من الحزب الأموي الساكن في هذه الجبال، ونشروا مذهب الخوارج بين الأكراد، كما أنه تأسست (الدولة الحمدانية) في القرن الثالث الهجري في الموصل. وكان أمراؤها يميلون إلى آل البيت وحاولوا نشر المذهب الشيعي في الموصل فلقي قبولاً عند بعض وإعراضاً من الآخرين. وحدثت ثورات في الموصل بسبب ذلك كانت بلا شك من تأثير الحزب الأموي. ثم جاءت بعدها الدولة العقيلية، وكان أمراؤها متعصبين للمذهب الشيعي، ولاقت مقاومة كذلك في الموصل. كل هذه الأمور كانت تجعل العداوة مستمرة بين الحزبين العلوي والأموي، واستمرت هذه العداوة في تزايد حتى القرن السادس الهجري ومجيء الشيخ عدي إليهم , فتحولت دعوتهم إلى طريق صوفية عدوية الدور الثاني
الشيخ عدي وتحول الحركة إلى طريقة (عدوية)
الشيخ عدي بن مسافر الأموي: يرجع نسبه إلى مروان ابن الحكم. ولد في بيت فار من أعمال بعلبك، وهاجر إلى الموصل وسكنها. ثم انتقل إلى جبال الهكارية ولزم طريق المجاهدة والخلوة والانقطاع عن الناس، وكان ينتقل في البراري والقفار ويقتات من النبات
ثم بنى زاويته المشهورة في جبل (لالش) وعكف عليه أهل تلك الديار لعلمه وصلاحه وانقطاعه إلى الله عز وجل ولا شك أن صلة النسب بينه وبينهم كانت من أقوى الأسباب التي جعلتهم يرتاحون له. ولكن هذا الشيخ لم يكن من الذين تغرهم الدنيا، بل تراه سلك بأتباعه طريق الرشد والصلاح وخفف من غلوائهم وعداوتهم لآل البيت. وأما زهده فقد قال عنه الشيخ عبد القادر الكيلاني: (لو كانت النبوة تنال بالمجاهدة لنالها الشيخ عدي مسافر) ولعدي عدة رسائل في العقائد والتوحيد وهي مؤيدة بالكتاب والسنة، منها رسالة خطية في مكتبة (مدرسة الحجِّيات) في الموصل، وهي من خيرة الرسائل التي ألفت في هذا الباب، سلك بها سبيل السلف الصالح، ونراه يندد بالفرق الإسلامية المغالية كالقدرية والمجسمة ويرد عليهم فيقول فيها: (ونؤمن بما ورد في الكتاب والسنة ولا نتعرض للتأويل بعد أن نعلم أن الله عز وجل لا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شئ منها، فإن كل ما تمثل في الوهم فهو مقدره قطعاً وخالقه. وهذا الذي اندرج عليه السلف قبل ظهور الأهواء وتشعب الآراء. فلما ظهرت البدع وانتشر في الناس التشبيه والتعطيل فزع أهل الحق إلى التأويل وتقرير مذهب السلف كما جاء من غير تمثيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا حمل على ظاهر الخ. ويقول في القدرية واعتقادهم أن الشيطان خالق الشر: (وخلق تعالى إبليس عليه اللعنة وليس إليه من الضلالة شئ قال تعالى: (واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً. وقوله تعالى: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك منهم من الغاوين، وإن جهنم لموعدهم أجمعين)، لأنهم فتكوا في الكفر فجعلوا إرادة إبليس لعنه الله وأنفسهم أقوى من إرادة الله تعالى. أراد الملعون إبليس المعصية فوجدت، وأراد الله ألا تكون فكانت، فجعلوا إبليس الملعون وأنفسهم أقوى من إرادة الله. والقائل بهذه المقالة تكذيبه بقوله تعالى: إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله، وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك، قل كل من عند الله. الخ. . .
أما اعتقاده بالصحابة الكرام فهو يرى أن الأفضل هم الخلفاء الراشدون حسب ترتيبهم في الخلافة، ويرد على من يقدم الإمام علياً على الثلاثة السابقين. ويقول عن معاوية: (إن معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه خال المؤمنين، رديف رسول الله ﷺ وكاتب وحي الله تعالى، أمين الله على وحيه، شهد له رسول الله ﷺ بالجنة ومات وهو عنه راض)
(للكلام صلة)
سعيد الديوه جي