مجلة الرسالة/العدد 556/سجاد الأناضول
→ نقل الأديب | مجلة الرسالة - العدد 556 سجاد الأناضول [[مؤلف:|]] |
النسر. . . ← |
بتاريخ: 28 - 02 - 1944 |
للدكتور محمد مصطفى
(بمناسبة معرض السجاد الذي يقام الآن في دار الآثار
العربية)
- 1 -
تقدمة:
للأناضول اتصال وثيق بتطور الحضارات القديمة. وقد كان ينقسم إلى عدة دويلات أهمها مملكة فريجيا التي سيطرت على الأناضول من سنة 2000 إلى سنة 800 قبل الميلاد، وتلاها مملكة ليديا، إلى أن فتحه الاسكندر الأكبر في سنة 350ق م فصار جزءاً من الدولة المقدونية. وبعد وفاة الاسكندر انقسم الأناضول ثانية إلى دويلات دامت حتى سنة 133 ق م لما استولى عليه الرومان وجعلوه مقاطعة تابعة لهم. وفي سنة 395 ميلادية عند تجزئة الدولة الرومانية الشرقية أو البيزنطية. وجاء السلاجقة من بلاد التركستان الصينية، وامتد ملكهم إلى إيران، ثم العراق، ثم الأناضول، وهنا مكثوا من سنة 1037 - 1300م. وكانت عاصمة دولتهم مدينة قونية. وخلف الأتراك العثمانيون السلاجقة في الأناضول، وكانت عاصمتهم في أول الأمر مدينة بورصا حيث بنى سلاطينهم قصراً عظيماً كان أحد أبوابه يسمى (الباب العالي) وانتقلوا من بورصا إلى أدرنة، فمكثوا بها إلى أن فتح السلطان محمد الفاتح مدينة القسطنطينية في سنة 1453م فصارت عاصمة الدولة العثمانية
وبعد تحطيم الدولة البيزنطية وفتح القسطنطينية صارت تركيا من أقوى الدول الشرقية، فاستطاع السلطان سليم الأول أن يفتح مصر سنة 1517م، وغزا ابنه السلطان سليمان القانوني بلاد إيران واستولى على تبريز وبغداد. وأخذ العثمانيون معهم من مصر وإيران الصناع والفنانين، فعاونوا على نهضة الفنون وازدهارها في تركيا
ولما أمن العثمانيون جانب البلاد الشرقية اتجهوا نحو أوربا وامتدت فتوحاتهم بها حتى وصلوا إلى فينا. وكانت تركيا أقرب دول الشرق إلى أوربا، فحملت إليها لواء الفن الإسلامي، وكان لها أثر كبير في عصر النهضة الفنية بإيطاليا، حتى إننا نجد أن قطع نسيج القطيفة المصنوعة في إيطاليا في القرن السادس عشر شديدة الشبه من حيث الرسوم والصناعة بقطع القطيفة التركية، المصنوعة في مدينة أسكوتاري على ساحل الأناضول المواجه للقسطنطينية
وكما دالت دول كثيرة كانت في غابر الزمان قوية وعظيمة، نرى الانحلال وقد بدأ يدب في عروق الدولة العثمانية، فارتدت جيوشها عن (باب أوربا) بعد أن صمد لها الأوربيون في فينا. وجاء القرن التاسع عشر وكانت الكهولة قد بلغت حد الهزم، ففقد (الرجل الهرم) مكانته القديمة بين الدول لما عجز عن أن يجعل خصومه يشعرون بقوة حسامه، ويدينون بمبادئه وأفكاره، وطغى الرخيص من الفنون الأخرى على جمال الفن التركي فذهب به وأفقده زهوه وبهاءه.
العناصر الزخرفية في سجاد الأناضول
كانت العناصر الزخرفية من النوع الهندسي هي السائدة على فنون الأناضول حتى القرن الخامس عشر. ويتبين لنا ذلك بوضوح من زخارف التحف الفنية التي ترجع إلى هذا العصر، ومن صور سجاد الأناضول التي رسمها فنانو البندقية في لوحاتهم الزيتية خلال القرن الرابع عشر، ومن قطع السجاد القديمة المعروفة إلى الآن، ومن بينها ما عثر عليه في جامع علاء الدين بقونية، وهذه تؤرخ بسنة 1220م وهي محفوظة في متحف الأوقاف باستامبول
فالطريقة الجافة الجامدة في رسم الوحدات الزخرفية بخطوط مستقيمة تنكسر في زوايا محددة، والعناصر الزخرفية النباتية مثل الزهور والفروع والأوراق التي تهذب عادة بطريقة هندسية حتى تبلغ درجة يصعب معها تمييز هذه الزهور ومعرفة أصولها، وكذلك تلوين السجاد بألوان باهتة وممزوجة بأخرى، كل هذا من الميزات الهامة لسجاد الأناضول قبل أن يتأثر بالأسلوب الإيراني
وتختلف رسوم سجاد الأناضول المصنوع قبل سنة 1300م عن رسوم السجاد المصنوع بعد هذا التاريخ. فقد كانت ترسم على النوع الأول وحدات زخرفية مأخوذة من الفن الساساني البيزنطي. والمعروف أن العنصر الزخرفي الشائع في الفن الساساني البيزنطي في ذلك الوقت كان في شكل دوائر تضم كل منها طائراً أو اثنين بهيئة رمزية. وقد حور فنانو الأناضول الشكل الدائري إلى شكل ذي ثمانية أضلاع، أي إلى خطوط مستقيمة تنكسر في زوايا لها مظهر فيه الكثير من الجمود وشدة الجفاف، لأن طبيعتهم تنفر من الأشكال الدائرة المرنة، وكان إطار السجاجيد في العصر السلجوقي يزين بشريط من شبه الكتابة الكوفية، تتفق في مظهرها مع باقي الوحدات الزخرفية ذات الشكل الهندسي. ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن الرحالة الشهير (ماركو بولو)، كان قد ذهب إلى هذه البلاد في سنة 1283 وزار السلاجقة في عاصمتهم قونية وكتب عن ذلك يقول إن أحسن وأجود سجاد العالم يصنع في الأناضول
أما بعد سنة 1300م فقد قام آل عثمان على أنقاض الدولة السلجوقية في بلاد الأناضول وأسسوا الدولة العثمانية، وكانوا شديدي التمسك بتعاليم السنة وكره رسوم الكائنات الحية، فعملوا على اختفاء صور الحيوانات والطيور من التحف الفنية ومن السجاد. ومنذ بدء القرن السادس عشر أخذوا في تقليد رسوم قطع السجاد الممتازة الإيرانية، فأدخلوا بذلك عناصر جديدة على أنواع الزخارف في الأناضول، واستطاعوا في أواخر هذا القرن أن يكونوا لأنفسهم أسلوباً فنياً خاصاً بهم، عُني فيه أشد العناية بالزخارف النباتية في تطوراتها المختلفة حتى بلغت أقصى حدود الكمال، مثال ذلك المراوح النخيلية وأنواع الزهور المهذبة (الأرابسك) والأوراق المسننة التي تشبه سنان الحراب، وكذلك الزهور المحببة إلى سكان الأناضول كالقرنفل وزهور السوسن ذات السيقان الرفيعة
واقتبس فنانو الأناضول من بين العناصر الزخرفية المغولية ما يسمى (السحب الصينية) (تشي)، وإن كانوا قد تجنبوا تكرار استعمال غيرها من الزخارف المغولية كصور الحيوانات الخرافية التي تتنافر مع شدة تمسكهم بتعاليم السنة. وقد ظهر هذا التأثير المغولي في سجاد الأناضول في القرن الرابع عشر، ولم يكن ذلك نتيجة لفتوحات المغول وامتدادها إلى العراق وسوريا، بل نشأ عن التبادل التجاري الواسع المدى بين الصين وبلاد الشرق الأدنى، وما كان لأنواع الصناعات الصينية من أثر كبير في فنون هذه البلاد كما نرى ذلك بوضوح في زخارف وأنواع الأواني الخزفية والمنسوجات المصرية وسجاد الأناضول وغير ذلك من صناعات هذا العصر. وظهر هذا التأثير لأول مرة في شكل (مصارعة التنين للعنقاء) على سجادة رسمها المصور دومينيكو دي بارتولو في إحدى لوحاته حوالي سنة 1440م
ويحتوي المتر المربع من سجاد الأناضول عادة على 152000 عقدة، ويصنع من صوف الأغنام الناعم، وهو أرق وألين من سجاد إيران. والألوان الشائعة فيه هي: الأحمر الباهت والأخضر النباتي الفاتح، والأزرق المائل للاخضرار، والأصفر الليموني، والأبيض الناصع، وقد تأخرت صناعة السجاد في الأناضول في النصف قرن الماضي واندمجت بها أشياء دخيلة على هذه البلاد، فتأثرت رسومها بالفنون الأوربية، واستبدلت الألوان الطبيعة بالألوان الصناعية (الانيلين) الذي أسئ استعماله، ومزج صوف أغنام الأناضول بالصوف المستورد من استراليا.
أنواع سجاد الأناضول
توجد أنواع كثيرة من سجاد الأناضول، ينسب بعضها إلى نوع عناصره الزخرفية، والبعض إلى مكان العثور عليه، أو إلى مراكز صناعته، أو إلى أماكن جمعه وإعداده للتصدير، والشهير منها أنواع: عشاق، تشنتماني، الأبسطة ذات الطيور، هولباين، سجاد ترانسلفانيا، ودمشق، وسجاجيد الصلاة المصنوعة في بلاد: جورديز، كولا، لاذق، كيرشهر، ميلاس، موجور. وسجاد البدر من برغمه وقونية، وغير ذلك من الأنواع. وسوف نتحدث فيما يلي عن كل من هذه الأنواع على حدة مع التوضيح بالصور.
وفي (شكل 1) سجادة صلاة من نوع (عشاق) الفاخر، من أوائل القرن السادس عشر، عليها محراب أرضيته باللون الأزرق القاتم، يحدها من أسفل بالأزرق الفاتح (سحابة صينية) كبيرة تحيط بباقة مرسومة بالألوان على أرضية حمراء. ويعلو السحابة الصينية الكبيرة أخرى صغيرة حمراء ويحيط بها زهور مهذبة. وأرضية خواصر العقد الأعلى بالأحمر وعليها في الأركان بالأصفر الذهبي فروع وأوراق مسننة ومهذبة (أرابسك). وهذه السجادة من مجموعة حضرة صاحب السعادة الدكتور علي إبراهيم باشا، وهي معروضة الآن في معرض سجاد تركيا بدار الآثار العربية. وليس لهذه السجادة نظير في العالم سوى واحدة مماثلة لها تماما في متحف الدولة ببرلين.
وسوف نتابع الحديث في العدد القادم من (الرسالة) عن سجاد (عشاق) الفاخر، ثم عن أنواع سجاد الأناضول الأخرى (يتبع)
محمد مصطفى