الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 549/الهوى تحت النجوم

مجلة الرسالة/العدد 549/الهوى تحت النجوم

مجلة الرسالة - العدد 549
الهوى تحت النجوم
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 10 - 01 - 1944


للأستاذ صلاح الدين المنجد

(نَشْوى) يا حبيبتي الجميلة!

يا فراشة مزركشة فرَّت من الفردوس

يا قطرة ندى تتأرجح حالمة فوق ورق الورد

انظري! فالنجوم الزُّهر يسبحن في البحر، كالحسان يتغامزن ويتضاحكن، ويتراشقن

بالنور والسناء

وعبدُنا الزنجي يختلس إليهن النظرات

ووادينا يضحك بالأنس، ويندى من العطر، ويشرق بالضياء!

والنسيمات رشيقات يرفرفن كالعصافير، ويقبلن الأزاهير!

فاقتربي، نلذ الهناءة والنعيم

لعلك ترأبين الصدع، وتواسين الجرح، وتخففين الهموم

اقتربي، فالهوى حلو الجني، تحت النجوم!

نشوَى يا عبقة الروض الجني، وحُلُمَ العمر السعيد

شفتاك ذابلتان، ونداهما في شفتي

عيناك فاترتان، والهوى في غَزَلي

أرأيتِ عصفور الحقول، يغدو مع الفجر الضحوك، ليسرق القوت الهني

إن شئتِ كنتُ اليوم عصفور الحقول

وقطفتُ من فمك الشهي زهر الثغور

لهّابة كالنار، تحيي الهوى، تنسى الهموم.

اسمعي همسات الرمان اسمعي

تعالي نجعل هوانا دماً كزهراته، أخضر رفافاً كورقاته، متصلاً كالليالي والأيام، ناغماً

كترانيم الحمام، صافياً كدموع الغمام

اقتربي، فعبدنا الزنجي يحرس الوادي، ويرعى الجبال

والهوى حلو الجني، في ليلك العطري يا ذات الد نشوىِ! ياُ حلما زوّقته بالفتون

ودميةً صنعتُها من الوهم والظنون

لمَ يشحب الوجهُ البهيّ، ويَرْعش الثغر الشهيّ، إذا رأيتني؟

مالك مرعوبة يا نشوى؟

أهذا حفيف الصنوبر الحزين، في الغاب، أم آهات صدرك؟

وتلك ومضات البرق الجريح، فوقنا، أم خفقات قلبك؟

لقد تمنينا المنى حتى مللناها

فتعالي نسحقها بالوصال، ونقتل الخوف باللقاء، فنصبح أقوياء كالظفر، بسامين كالنور، تياهين كالأبطال

اقتربي

فيا هناء من ارتوى من حبَّه تحت النجوم!

اذكري ليلة الكرم يا نشوى

ليلة كنا نعد النجوم

وكلما قلتِ هذى نجمة

قلتُ هذى قبلة

وضممتُك إلى صدري، وروَيتك من حبي

لقد كنت ترعشين بين ذراعيَ وتبسمين، وتتلهين عن قُبَلي وتحُلمين

وكان قلبي يعربد تارة ويرتجف ساعة

فهمست في أذنك الرهيفة: (سيبقى حبنا متوقداً كهذه النجوم يا نشوى، فإذا غيّبني الثرى

يوماً، فاذكري حبي إذا زرتِ الكروم، واذكري قبَلي إذا رنوت إلى النجوم)

فرقرقت في عينيك الدموع، وقلتِ: (سأذكر حبك، وقبلك، كلما نظرت إلى النجوم أو

وطئت الكروم)

فمالك الليلة صامتة يا نشوى؟

لا ترعبي، فالهوى حلو الجني، تحت النجوم!

أين قلبك الشارد يا نشوى؟ أيضل، وهنا يرف النور؟

اقتربي، ويحك اقتربي

عمرنا شعلة، الفجر يطفئها وهوانا ومضة، القبر يرعشها

فَلِمَ تبكين وبم تحلمين؟

اقتربي نلذ لذة عاصفة، فنطيش بها كالفراش بين الزهور، ثم نلفظ الروح، ونرتمي

كالصدفات الفارغة، على حفافي النهور

يا هناء من ارتوى من حبه تحت النجوم!

(القاهرة)

صلاح الدين المنجد