مجلة الرسالة/العدد 546/أغنية الرياح الأربع
→ تحية ضائعة | مجلة الرسالة - العدد 546 أغنية الرياح الأربع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 20 - 12 - 1943 |
أخرج شاعر اللذة والجمال الأستاذ علي محمود طه روايته المصرية الشعرية (أغنية الرياح الأربع) في ثلاثة فصول تتسم بسمات الفن الرفيع الذي عرفه القراء في كل ما صدر عن هذا الشاعر المبدع. وقعت حوادث هذه الرواية منذ أربعة آلاف عام على شواطئ البحر الأبيض من السواحل الفينيقية إلى السواحل المصرية. ولهذه المسرحية الباسقة الفروع الدانية القطوف نواة من أصل تاريخي عثر عليه الأثري الكبير الأب (دريتون) عام 1942، فنقله من اللغة المصرية إلى اللغة الفرنسية؛ ثم نشره في كتيب صغير قدم له بكلمة شارحة نقتطف منها ما يأتي:
(أغنية الرياح الأربع تقوم على الحوار، فبعد. أربع مقطوعات تغني كلا منها فتاة، يدخل رجل فيحييهن ويشرع في خطفهن ليستولي على الرياح الممثلة فيهن، فيغريهن بإثارة الفضول في نفوسهن، وذلك بأن يعرض عليهن زيارة سفينته (وتلك كانت خطة البحارة الفينيقيين في عهد هذه الأغنية يلجئون إليها عندما يريدون اقتناص الجواري من بلاد البحر الأبيض)، ولما قوبل طلبه بالرفض، لم يستسلم للهزيمة كما هو واضح من المقطوعة الأخيرة في الأغنية (إن وسائلي لا تنفد)، ولكن لسوء الحظ لم نعثر على تكملة الأغنية والوسائل التي لجأ إليها الرجل، وأكبر الظن أنها مما يثير الشراهة التي تكشف مواطن الضعف في النساء.
ويبدو من قراءة هذه الأغنية أنها لم تصل إلينا كاملة، بل امتدت إليها يد التغير، تشهد بذلك مقطوعتها الثالثة التي تتغنى بريح الشرق فإنها تزيد على المقطوعات الأخرى، وربما تعمد ذلك الذي قام بجمع أجزائها حتى تبدو هينة سهلة.
ومهما يكن من أمر هذا الحذف فإن هذه الأغنية قد وسعت من آفاق معارفنا عن أقدم نصوص الأدب المصري وأضافت إلى معلوماتنا شيئاً جديداً جديراً بالتقدير.
ولسنا مغالين إذ نقول إنها أثبتت وجود شعر غنائي ملئ بالخيال والعذوبة في مثل هذا العهد البعيد).
ونص أغاني الرياح كما عثر عليه الأب دريتون:
تقول الفتيات أنهن أُعْطِينَ هذه فهذه ريح الشمال التي تُطوِّق بحر إيجه
والتي تمد ذراعيها فتبلغ أطراف مصر
والتي تخلد إلى النوم بعد أن تترك في نفس الصديق البهجة التي يأنس إليها كل يوم
إنها ريح الحياة أُعْطِيْتُها وبها أحيا
تقول الفتيات: (لقد أُعطينا هذه الرياح)
وهذه ريح الشرق التي تُفتِّح طاقات السماء
والتي تهبَ الشرق أنفاسَه
والتي تَهبُّ مع الشروق وتصحب الشمس إلى ضحوتها
أمسكت الشمس بيدي
وهيأتْ لي في ساحتها مكانا
حيث أقبل على الطعام بشغف كما يقبل أبيس
وألتهمه في نهم كما يفعل (سيت)
إن ريح الشرق هي ريح الحياة أُعطيتها وبها أحيا
تقول الفتيات: (أعطينا هذه الرياح)
وهذه ريح الغرب شقيقة (ها) وسليلة (ياوٌ)
والتي جعلت من جسد الآلهة موطناً لها تعيش فيه
قبل أن تكون في هذا الوادي مملكتان مختلفتان
إنها ريح الحياة أُعطيتها وبها أحيا
تقول الفتيات: (لقد أعطينا هذه الرياح)، وهذه ريح الجنوب، ريح زنجية تسوق الماء
الذي يبعث الحياة في كل شيء
إنها ريح الحياة أعطيتها وبها أحيا
الفاتن:
تحية لكُنَّ يا رياح السماء! ألا تحدثنني عن أسمائكن واسم من وهب هذه الأسماء! هل لي
أن أعرف من منحكن هذا السلطان!
إحدى الرياح: لقد وجدنا قبل مولد الناس، بل قبل وجود الآلهة، وقبل أن يقع طير في شرك، أو يوثق
ثور في حبل، وقبل أن يتعرض جسد (هاتريت) بنت الآلهة للضم والعناق، وقبل أن تُشْبَع رغبة الإله الأزلي سيد السموات والأرض. لقد طلبتها إلى آلهة الريح فأجابتني ومنحتني إياها
الفاتن:
تعالي معي أرك سفينتي، هلا نزلت
إحدى الرياح:
لا، أن لي سفينة أروح بها إلى الثغر؛ وعنده أتزود بسفينة طولها ألف ذراع، فأصعد بها
إلى دارة الشمس
الفاتن: إن وسائلي لا تنفد
هذه هي النواة أو جزؤها الذي استنبتته قريحة الفنان علي طه، فجاء كما شاء أيكة فينانة باسقة. وقد تخيل الشاعر وسائل القرصان لإغراء الفتيات، فصورها تصويراً نفسياً عجيباً، لم ينجهن منها إلا ذكاء (حروازا) وعناد (باتوزيس). والرواية بأصلها القديم وفروعها الحديثة من مآثر الأدب المصري ومفاخر علي طه.