مجلة الرسالة/العدد 538/حكاية الوفد الكسروي
→ في محكمة الجن | مجلة الرسالة - العدد 538 حكاية الوفد الكسروي [[مؤلف:|]] |
الشعر المرسل والشعر الحر ← |
بتاريخ: 25 - 10 - 1943 |
5 - حكاية الوفد الكسروي
لأستاذ جليل
4 - يقول عامر بن الطفيل العامري:
(. . . وبالحرى إن أدلت الأيام، وثابت الأحلام، أن تحدث لنا أموراً لها أعلام. قال كسرى: وما تلك الأعلام؟ قال: مجتمع الأحياء من ربيعة ومضر على أمر يذكر؟ قال كسرى: وما الأمر الذي يذكر؟ قال: ما لي علم بأكثر مما خبرني به مخبر
قال كسرى: متى تكاهنت يا ابن الطفيل؟
قال: ليس بكاهن، ولكني بالرمح طاعن. . .)
في هذا القول شيء من علم الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله، وأقوال علماء ومؤرخين كبار مشهورين من المتقدمين في الكهانة والمتكهنين إنما هي تخاليط. روى أبو العباس في (كامله):
لا يعلم المرء ليلاً ما يصبّحه ... إلا كواذب مما يخبر الفال
والفأل والزجر والكهان كلهم ... مضللون، ودون الغيب أقفال
وروى صاحب (الكشاف):
لوى اللهُ علم اللهِ عمن سوَءاهُ ... ويعلم منه ما مضى وتأخرا
وقال شاعر صادق:
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ... ولا زاجرات الطير ما الله صانع
وأخبار مخبرين وأحاديث محدثين عن أناس كانوا يعلمون الغيب من الجاهلية أو من الصحابة والتابعين وغيرهم هي أباطيل وأضاليل (فقل: إنما الغيب لله). وإذا كان رسول الله سيد هذا الوجود ومعناه - وهو رسول الله وهو النبي محمد - لا يعلم الغيب فلن يعلم الغيب أحد. وفي المقالة (شق وسطيح) في الرسالة (249 ص 605 س 6) أوضحت الغيب الذي أطلع الله نبيه عليه، وذكرت آيات من كتاب الله بينات تنادي أن سيد البشر والأنبياء والمرسلين وصفوة النوع الإنساني لا يعلم غيباً. وذكرت هناك حديث (أم المؤمنين) - رضوان الله عليها - في مسند الربيع بن حبيب، وهو من أقدم كتب الأثر التي وصلت إلينا كما ذكرت قول الإمام علي القاري في الآية الكريمة: (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم، نحن نعلمهم) قال: وهذا في (براءة) ومن أواخر ما نزل من القرآن، وهذا والمنافقون جيرانه في المدينة)
قلت: ومثل الآية في (براءة) قوله تعالى في (الأنفال) يخاطب النبي وأصحابه:
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم، الله يعلمهم. وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يُوَفَّ إليكم وأنتم لا تُظلمون)
ذلكم ما في كتاب الله ولم يزل مسلمون في كل وقت يصدقون المنجمين والمتكهنين فقد جاء في (الجامع لأحكام القرآن) ج 7 ص 3:
(قد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان بإتيان المنجمين والكهان لا سيما بالديار المصرية، فقد شاع في رؤسائهم وأتباعهم وأمرائهم اتخاذ المنجمين، بل ولقد انخدع كثير من المنتسبين للفقه والدين فجاءوا إلى هؤلاء الكهنة والعرافين فبهرجوا عليهم بالمحال، واستخرجوا منهم الأموال، فحصلوا من أقوالهم على السراب والآل، ومن أديانهم على الفساد والضلال، وكل ذلك من الكبائر لقوله (عليه السلام): (لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) فكيف بمن اتخذهم وأنفق عليهم معتمداً على أقوالهم. . .)
قلت: وفي غير مصر مثل الذي هو في مصر، والحال ما حال في هذا الزمان. ومن جنس الدجاجلة المتكهنين جماعة (التنويم المغناطيسي) الذين يعلمونك - كما تقول إعلاناتهم في الجرائد وإنها لكاذبة وإنهم لكاذبون - بماضيك وحاضرك ومستقبلك. . .
(ن)