مجلة الرسالة/العدد 535/السامر الموحش
→ الدين العام المصري | مجلة الرسالة - العدد 535 السامر الموحش [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 04 - 10 - 1943 |
إلى الحبيب الذي أسا كلامي
وغنيته أعذب أنغامي
ونهل وعل من أحلامي
وعاطيته كأس أوهامي
فشربها ولم يذر بقيا
واليوم تناسته الدنيا
ولكن جرحي الغائر مات آسيه
وأنغامي لم تأنس إلى من تغنيه
وأحلامي لم تركن إلى من تساقيه
وأوهامي لم ترتح إلى من تعاطيه،
فهي تبعث الذكرى من بعيد والى بعيد
وأنا شقي بها، وإن شئت فقل سعيد
تَلَفْتُ لا شملي جميعٌ ولا الهوى ... قريبٌ ولا فرعُ الصِّبا عبقٌ نضْرُ
أَحِبَّايَ لو غيرُ الردى حال دونكم ... دنى البرُّ في عينَيَّ وانكشف البحر
بأسماعكم وقْرٌ وقد رُحْتُ شاكياً ... وحاشا ففي سمع الثرى وحده الوقر
تناسيتكم الدنيا وحالة عهودُها ... كأن لم يرنِّحْ عِطْفَها بكم الفخر
أنَزِّهُ آلامي عن الدمع والأسى ... فيؤْنمها مني الطلاقة والبشْرُ
وأضحك سخراً بالوجودِ ورحمةً ... وفي كبدي جُرْحٌ وفي أضلعي جمْر
يغالي بدنياه وَيجلو فتونها ... ودنياه في عينَيَّ موحشةٌ قفرُ
وما حاجتي للنورِ والنورُ كامن ... بنفسي لا ظلٌّ عليه ولا سِتْرُ
وما حاجتي للأفق ضَحْيانَ مشرقً ... ونفسي الضحى والأفق والشمس والبدر
وما حاجتي للكائنات بأسْرها ... وفي نفسيَ الدنيا وفي نفسيَ الدهر
أُهَدْهِدُ من أحزانها كلما وَنَتْ ... ويُسْلِسُ بصد الَمرْى للحالب الدَّر
إذا رَكدتْ بعد الهبوب فانَّها ... لكالبحر من أخلاقه المدُّ والجزر
ويا سامر الأحباب مالك موحشاً ... معاذ الهوى بل أنت يؤنسك الذك أَدِيْمُكَ مِنْ حَبَّ القُلوبِ تمزّقَتْ ... عليه فَسَالَ الشوقُ وَالحب والطَّهرُ
إِذا ظمِئَتْ في قطعها البيدَ نَسْمَةٌ ... أَلَمْتْ به وهناً فَرَنَّحها السُّكْرُ
فيا للصَّبَا العجلى إذا عبرَتْ به ... تأَنَّتْ كما يَرْتاحُ في الواحَة السَّفْرُ
تمنَّيْتُ إجلالاً لَهُ وَمَحَبَّةً ... لَوَ أنَّ حَصَاهُ أنْجُمُ الفَلَكِ الزُّهْرُ
وأجزَعُ إنْ مَّرتْ به الريحُ زعزعاً ... وأَسْرَفَ حتَّى جاوز الحاجةَ القَطْرُ
فليْتَ الربيعَ الطَّلْقَ ساقاهُ كأسَهُ ... مَدى الدَّهْرِ لا بَرْدُ عليهِ ولا حَرٌ
ويا سامِرَ الأحبابِ طيفُ ولا كرىً ... وسُكْرٌ ولا راحٌ وَرَيَّا ولا زَهْرُ
كلانا على ما كَلّفَ النفس من رِضَى ... أضَرَّ به نأَيُ الأَحِبَّةِ والهَجْرُ
تَطُوفُ بِكَ الأحلامُ نشوى كعدِها ... وينطف من أفيائِكَ الحب والعِطْرُ
ويضحكُ لي وجْهُ نَدِيُّ مُنَوَّرُ ... كأَنْ لم يغيَّبْ من طلاقَتِه القَبْرُ
وَحَيّا. . . كأَن لم يَطوِهِ عَنِّي الرَّدى ... فَهلْ بُعِثَ الأمواتُ أم ردَّه السِّحْرُ
قُلِمُّ به الذكرى فَيَحْيَا كَبَارِقٍ ... طَواهُ الدُّجى عني ليُطْلِعُه الفجْرُ
وَيْبعَثُه حُبِّيْ وفي كُلِّ خافِقٍ ... صَحِيح الهوى بَعْثُ الأَحِبّةِ والنَّشْرُ
فَيا قَلْبُ فيك الرَّاحِلون وإن نأوا ... وفيك الندامى والرياحِيْنُ والْخَمْرُ
خَلَعْتَ على الموتى حَيَاةً قويَّةً ... وطَالعَهُمْ مِنْكَ القِيَامَةُ والْحَشْرُ
(سوريا - اللاذقية)
أحمد سليمان الأحمد