مجلة الرسالة/العدد 534/البريد الأدبي
→ صلاة. . . | مجلة الرسالة - العدد 534 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 27 - 09 - 1943 |
وحي القرآن باللفظ
جاء في البريد الأدبي بعدد الرسالة الغراء رقم 532 مقال للأستاذ الشيخ محمود أبو رية انطوى على شك واضح في الحقيقة وحي القرآن الكريم، وموضوع الوحي وطريقته من القضايا التي فصلت فيها الأيام منذ عهد الرسالة المحمدية الشريفة، وموضوع خلق القرآن أو قدمه من المباحث التي توفر عليها علماء المسلمين في عهد المأمون والواثق والمعتصم، وما تركوا فيها ناحية تحتاج إلى توضيح أو استيفاء؛ وقد كفى الله المسلمين عواقب هذا الخلاف حتى أصبح العلماء والمتعلمون يقرءونه على أنه دراسة للعقلية الإسلامية، لا على أنه شاكون في أن القرآن معنى ولفظاً من عند الله
على أن سلف العلماء وأئمة الفرق الإسلامية لم يختلفوا - كما قال الأستاذ - على أن القرآن لفظاً ومعنى كلام الله، وإنما الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة على قدم اللفظ وحدوثه. والكل مجمعون على أن المعنى القديم لتعلقه بصفة الكلام الأزلي، ومعنى حدوث اللفظ على رأي المعتزلة ومن إليهم أن الله خلق اللفظ كما خلق السماء والأرض وأوحاه إلى الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام
هذا هو الذي درسناه وفهمناه من آراء الفرق الإسلامية فإذا كان لدى الأستاذ نصوص تخالفه فليدل بها.
(الإسكندرية)
محمود البشبيشي
قسم القراءات بكلية اللغة العربية
إذا قدر للأزهر أن يصل يوم إلى الإصلاح المنشود، فإنه سيكون لمجلة الرسالة الغراء فضل وصوله إليه، لأنها المجلة الوحيدة التي تعنى به، ولا تضن بصفحاتها على من يكتب فيه. وسينشأ في هذه السنة قسم للقراءات بكلية اللغة العربي، وإنه لواجب أن تعنى هذه الكلية بفن القراءات، وأن تنهض به من تلك الطريقة التلقينية التي يأخذ بها الناشئون فيه، فتدرسه دراسة أخرى تليق بها، وتتناسب مع الدراسة التي تأخذ بها العلوم الأخرى ولا شك أن هذا لا يتفق مع ما يراد الآن من فتح هذا القسم لكل من يحفظ القرآن الكريم، ولو لم تسبق له دراسة علمية تؤهله لدرس فن القراءات بالطريقة اللائقة بكلية اللغة العربية، كما لا يصح أن يجمع مثل هؤلاء الطلاب مع طلاب هذه الكلية، لأنهم يتفاوتون في ثقافتهم تفاوتاً بعيداً وأني أرى أن تؤلف لجنة تكون مهمتها وضع مناهج الدراسة اللائقة بهذا القسم، ليدرس فيه فن القراءات دراسة جامعية، ولا يكتفي فيه بتلك الطريقة التلقينية، وأرى أيضاً أن يقصر على حملة الشهادة الثانوية بالمعاهد الدينية، لتتفق ثقافة طلابه مع ثقافة إخوانهم بالكليات، ويمكنهم أن يقوموا بهذه الدراسة التي نطلبها لهذا الفن
(ص)
ظاهرة لغوية
قد يكون من الحديث المعاد أن نقول إن اللغة ليست ظاهرة تحكمية اعتسفها القوم اعتسافاً، بل هي ظاهرة اجتماعية ترد إلى طبيعة الأشياء. ولعل خير ما يبين لنا تساوق اللفظ والمعنى، ما نص عليه قدماء أهل اللغة من (أن المشاركة في أكثر الحروف اشتقاق يدور عليه معنى المادة، فيتحد أصل معناها ويتغاير في بعض الوجوه). والأمثلة على صحة هذه الظاهرة كثيرة لا حصر لها، فنجتزئ بذكر الأمثلة التالية:
1 - ورد في التاج (تحت مادة ف ل ح): (قال شيخنا الفلح وما يشاركه كالفلق والفلد والفلذ ونحو ذلك يدل على الشق والفتح كما في الكشاف وصرح به الراغب وغيره)
2 - النبت والنبث والنبر والنبش والنبط والنبع والنبغ تدل كلها على ظهور شيء بعد خفائه. فالنبت يقال للبقل وغيره إذا نشأ وخرج من الأرض. والنبث يقال للبئر إذا نبشها المرء وأخرج ترابها. والنبر يقال للمغني إذا رفع صوته بعد خفض. والنبش يقال للمستور إذا أبرزه المرء، أو للكنز إذا كشف من الأرض واستخرج. والنبط يقال للماء إذا نبع (ومنه الاستنباط بمعنى الاستخراج). والنبع يقال للماء إذا خرج من العين، والنبغ أو النبوغ يقال للشيء إذا خرج وظهر. . .
3 - تدل الأفعال المبتدئة بالصاد والفاء على المعاني المختلفة للأصوات: فالفعل (صفد) يقال للأسير إذا أوثقته وقيدته بالحديد (ذي الصوت) والفعل (صفر) يدل على التصويت بالنفخ من الشفتين. والفعل (صفع) معناه الضرب باليد مع إحداث صوت. والفعل (صفق) معناه الضرب بالكفين بصوت مسموع، وهكذا. . .
4 - تدل الأفعال المبتدئة بالحرف خاء والحرف فاء على معاني الضعف والهمود. فالفعل (خفت) يدل على السكون (والموت فجأة في بعض الأحيان). والفعل (خفج) يقال للبعير إذا أصابه الخفج وهو ارتجاف في الرجلين. والفعل (خفش) معناه ضعف (ويستعمل على الخصوص لضعف البصر). والفعل (خفض) يقال للصوت إذا غض المرء وأخفاه. والفعل (خفع) يقال للمرء إذا أصابه دوار من جوع أو غيره فسقط والفعل (خفق) يقال للفؤاد أو الراية أو البرق إذا اضطرب، ويقال للنعل إذا صوتت، وهلم جرا. . .
أما النتيجة التي تقتادنا إليها هذه الظاهرة اللغوية فهي أن لكل حرف معنى خاصاً، وبكشف معاني الكلمات؛ لأن الكلمات إذا اتحدت في الحروف اتحدت في المعنى.
زكريا إبراهيم
استدراك
أورد الأستاذ خلدون الكناني في كتابه حسان بن ثابت الذي أخرجته مكتبة عرفة بدمشق - ص 48 - البيتين المشهورين في الرثاء:
كنت السواد لناظري ... فمعي عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر
على أنهما من شعر حسان في رثاء الرسول ﷺ، وقد تبع في ذلك ما جاء في ديوان حسان، فإن هذين البيتين مذكوران فيه - ص165 - ولم يتكلم عليهما شارحه الأستاذ البرقوقي. ولكن ياقوت أوردهما في معجم الأدباء - ج1 ص 77 - في ترجمة إبراهيم الصولي قال: حدث علي بن الإسكافي قال كان لإبراهيم ابن قد يفع وترعرع وكان به معجباً فاعتل علة لم تطل حتى مات فرثاه مراثي كثيرة وجزع عليه جزعاً شديداً. ومن مراثيه فيه
كنت السواد لناظري ... فبكي عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت ... فعليك كنت أحاذر باستبدال كلمة فبكي بكلمة فعمى الواردة في نص الديوان وأوردهما ابن خلكان منسوبين إلى الصولي ج 1 ص 12 وأورد هذين البيتين الأستاذ محمد كرد علي في أمراء البيان ج 1 ص 265 في كلامه عن إبراهيم الصولي، ولكن لفظ البيت الأول في رواية الأستاذ كرد علي يختلف عنه في رواية المعجم.
أنت السواد لمقلة ... تبكي عليك وناظر؟
من شاء. . . . . . . . . . . . . . . . . .
وذكر أنهما لإبراهيم يرثي بهما ولداً له. ولعل هذا هو الصواب فإنهما بشعر الكتاب أشبه. وفي زهر الآداب ج3 ص214 قطعة لبعض الأعراب في الرثاء آخرها
وبعدك لا آسى لعظم رزية ... قضيت فهونت المصائب أجمعا
وعلق عليه مؤلف الزهر بقوله: ومعنى هذا البيت الأخير تداوله الناس نظماً ونثراً ثم أورد رثاء أبي نواس للأمين وفيه:
وكنت عليه أحذر الموت وحده ... فلم يبق لي شيء عليه أحاذر
وأورد عدة قطع من النظم والنثر تدور حول هذا المعنى وليس فيها البيتان. وبعد فإن كتاب الأستاذ الكناني من خير البحوث التي أخرجت في دراسة شاعر الرسالة وسأتكلم عنه مسهباً في وقت آخر.
(دمشق)
رشدي عرفة