مجلة الرسالة/العدد 530/البريد الأدبي
→ ذكرياتي. . . | مجلة الرسالة - العدد 530 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 30 - 08 - 1943 |
إلى السيد حسن القاياتي
قرأت خطابك إلي فوجدته دون ما يحسن صدوره عنك، وإلا فكيف جاز لك التوهم بأني أقول فيك ما دونته بقلمك نقلاً عن أراجيف المرجفين؟
أنا أقول إنك أديب خلقته الظروف، وألاعيب مصطفى القاياتي في السياسة؟
هذا الكلام لا يقوله من يعرفك، كما أعرفك، وهو أيضاً كلام لا يقوله صديق في صديق، وأنت تعرف جيداً أني لا أقبل إيذاء أصدقائي بمثل ما نقل إليك، ولا بأيسر مما نقل إليك، فأقطع ألسنة الدساسين، واحفظ ما بيننا من العهود. احفظ أنت، أما أنا فكما عهدت، ولن أتحول ولن أخون
ثم تطلب إلى أن أسأل نفسي عن الصلات التي كانت بيني وبين الدار القاياتية، وأنا أوجه مثل هذا السؤال إليك، فما أظنكم عرفتم رجلاً أصدق مني، ولا أحسبك تنسى أنني أديت للشيخ مصطفى جميلاً يفوق الوصف ويفوق الجزاء، وهو جميل سجلته أنت بقلمك في مجلة الكشكول سنة 1924 بإمضاء (العقوق) يوم كان إيذاء الشيخ مصطفى من هواك
أينما أوفي لذكرى هذا الرجل: أنا أم أنت؟
لو نطق التاريخ الأدبي لقال إني لم أكن راوية يوم عرفت داركم، وإنما كنت أستاذاً يساعد على خدمة أدبية تعرفها الجامعة المصرية، يوم اختارت الشيخ القاياتي خلفاً للشيخ المهدي
وتقول إنك أعددت عشرين مقالاً في نقد كتاب (النثر الفني) وأنك ستنشرها في الرسالة إن ضمنت أنها لا تجاملني، وأنك تنتظر مني كلمة الحق
وأقول إن الرسالة لا تجامل أحداً، فقدم إليها في نقدي ما تريد. ثم أقول إن هذه الكلمة هي كلمة الحق، فانقضها إن كنت تطيق
وجاء في كلامك أن لي في الأدب ألاعيب وترهات، فمتى كان ذلك؟
أنا يا صديقي لا ألهو في الأدب ولا ألعب، فجد الأدب جد وهزله جد، ولا يصدر عن قلمي إلا ما يرضاه وجداني
أما بعد فهذا ما تقرأ لا ما تسمع، فخذ عني ما تقرأ ودع ما تسمع، فما أذكر أني حادثت أحداً بالقاهرة منذ شهور طوال، ولا أذكر أنك خطرت في بالي قبل أن تنقل إلى (الرسالة) خصامك العنيف، يا أعز الخصماء
أنا ما أسأت إليك، وإنما أسأت أنت إلى نفسك بكسلك. ومع هذا تقول إن اللغة العربية لن تجد من يذود عن حماها غير قلمك، ونحن نعرف طاقتك في البيان
توكل على الله وانفض الغبار عن نفسك المكسال، فقد تصبح ولك مثلي ترهات وألاعيب. وليس من العسير جداً أن تكون في منزلة الكاتب الأول والشاعر الأول.
زكي مبارك
الشعر العربي في المهجر
قرأت رأي الأستاذ الظريفي في تعليل طابع الشعر في المهجر، وأقرب إلى المعقول هو رأي قديم لي سبق أن أبديته في مناسبات أدبية لأفراد الجالية اللبنانية بكوم حماده، وخلاصته أن هذا الأدب هو صراع عنيف بين عقليتين متباينتين: عقلية الشرق بما فيها من روحانية وسمو وتوكل، وعقلية مادية قاسية لا ترحم المتواني (خصوصاً في أمريكا الشمالية حيث ظهر معظم أدباء المهجر)، وكان نتيجة هذا الاصطدام الحنين إلى حياة الشرق بما فيها من دعة وبساطة، وهذا الحنين ظاهر في حياة أقطاب مدرسة المهجر، فكتابات جبران الإنجليزية والعربية تترجم عن ذلك بجلاء؛ وكأني به يريد أن (يمشرق) أمريكا قبل أن (يتأمرك) وهو وأبناء جلدته. وقد أقبل الأمريكان على فلسفته إقبالاً لا نظير له أصاب منه ثروة لا يحلم بها أديب من أدباء العالم. ومن دواعي عظمة هذا الرجل أن طبيباً عالماً من كبار أطباء إنجلترا وفيلسوفاً يشار إليه بالبنان هو هافولك إليس كان يستشهد بأقوال جبران في كتابه العظيم (سيكلوجية الحب) ويدعوه بالشاعر النبي، ومع هذا الجاه كان جبران يحن إلى الشرق بقلبه وروحه ويود لو أمضى بقية أيامه في وطنه بين أحضان الطبيعة. وقد فاوض ذوي الشأن في شراء دير ماري سركيس بلبنان ليكون مقامه ولكن المنية عاجلته وقد نقلت إليه رفاته
مثل ذلك ما فعله ميخائيل نعيمة فقد أصاب ثروة في أمريكا ولكنه آثر الدعة والبساطة فعاد إلى وطنه وعاش في صومعة في جبل صنين
ومنذ ربع قرن زار مصر فيلسوف الفريكة أمين الريحاني وقال في حفلة تكريمه قصيدته المنثورة المشهورة: (أنا الشرق عندي فلسفات) وقد طلعت علينا وقتئذ مجلة السفور تندد بأدبه، ومع أنه نال حظاً وافراً في دوائر الأدب والنقد في أمريكا كان يفر إلى منسكه بالفريكة كلما بهظه ثقل مادية أمريكا
هذه ظاهرة جلية لا يمكن تعليلها إلا بما أبديت من رأي. وما أشبه أدباء المهجر بروسيا فقد أخذت من الغرب مدنيته، ولكنها ظلت شرقية بروحها. وكان نتيجة هذا الازدواج أن أخرجت كتاباً ملهمين أمثال تولستوي ودستفوسكي وتشيخوف تفيض كتاباتهم بالروحانية
(كوم حمادة - بحيرة)
كامل يوسف
عضو بالمعهد البريطاني للأبحاث الفلسفية بلندن
1 - إلى الأستاذ قطب
ألم تصدق إذن أن أعصاب الأدباء فائرة ثائرة؟ وهل عدوت الحق حين أشرت إليك تلك الإشارة اللطيفة الخفيفة فحملتك الحق فيما بدر منك في حق محاورك حين أضفته إلى سيداتنا وحبات قلوبنا (النساء). ومع هذا فقد لمتكما معاً فيما تراشقتما به من ألفاظ السماجة أو الصفاقة والمهاترة والغمز واللمز، مما كانت أجلكما عن الوقوع فيه. . . لولا هذا الصيف الجائر الذي جعلك تقول في حبيبك وصيفك - دريني خشبة - إنه رجل عامي في ذهنه وفي نفسه. . . وفي معايير أخلاقه!! بارك الله لك يا شيخ سيد في ذهنك وفي نفسك وفي معاييرك الأخلاقية. . . وبارك الله لك في هذا اللسان الطويل العريض الذي سينعقد لمحاكمته جلسة في المكان الذي تعرف، ومن الأصدقاء المحترمين الذين تعرف وأعرف، ليقفوك - أو ليقفوني! - عند الحدود التي أنساك الصيف، كما أنسى الكثيرين من الأدباء، أشراطها
2 - إلى شعراء الشباب الاماجد
إلى أخواني المحترمين باكثير والقاياتي وفوده والعجمي، والى جميع شعراء الشباب الذين سهوت فلم أذكر أسماءهم في مقالي عن الدرامة المنظومة والمسرح أقدم اعتذاري. ولن ينقصني جهلي بمجهودهم فضلهم الأدبي الذي لا يجحد. وأشكر الأستاذ الفاضل محمد عبد الغني حسن تلك الالتفاتة الكريمة الذي تدل على سمو إدراكه الأدبي، والتي تجلت في إشارته إلى أخي الأستاذ باكثير ذلك الشاعر المجد المجاهد الذي تفضل فكتب إلي ليرأب ما انصدع من مقالي، ولسوف أفرغ لدرامة الأستاذ باكثير في فصل أو أكثر من فصل إن شاء الله. وسيرى المظلومون كيف تنصفهم الرسالة في القريب العاجل. أما الأستاذ فوده - ذلك الصديق العزيز - فأستعيذ بالله من (مقالبه!) ومع أني أقر بفضل شاعرنا القاياتي في المنظوم والمنثور فإني آسف إذ لم أسمع عن درامته شيئاً. وأعود فأقول إن جهلي بها لا ينقص من قيمتها، والقاياتي الشاعر، وعماد الشاعر، والناشر الشاعر والصيرفي الشاعر، والأسمر الشاعر، والعشرات من شعراء الإسكندرية والأقاليم، والمئات من شعراء الإلزاميين، ليس هؤلاء وهؤلاء في حاجة إلى الإشادة بذكرهم في مقال لم يقصد منه إلى الحصر ولكن قصد منه إلى التمثيل. . . وأوشكت هنا أيضاً أن يفوتني ذكر الشاعر السيد قطب فتسود معي وقعته أكثر مما اسودت، وهو الشاعر الذي أحب شعره جدا بمقدار ما أمقت نثره جداً. . . متى يا ترى ينهض هؤلاء الشعراء جميعاً بحمل أعباء نهضتنا الشعرية وتزويد هذه النهضة بالدرامات والملاحم؟
3 - إلى أخي الأديب كمال نشأت
يا أخي لقد ظلمت في كلمتك بيئتنا وظروفنا وأحوالنا وأغلبية شعبنا الذي لم تستثن منه الأقلية المتنورة. . . ولقد ظلمت أيضاً ممثلينا جميعاً فلم تستثني منهم أحداً حين رميتهم بالأمية الشنيعة. يا أخي لقد ألف شوقي رحمه الله دراماته فأقبل الشعب يجمع طبقاته على شهودها وسر منها وتقبلها أحسن القبول، والذين مثلوا تلك الدرامات أحياء غير أموات، وقد بلغوا بتمثيلها الذروة. ولم يكونوا يلحنون أبداً، ولم يكونوا يكسرون الشعر قط، ونحن حين ننكر عليهم تلك الإجادة نظلمهم ونبخسهم بطولتهم التي لو ظهرت في أمة أخرى لرفعتهم إلى عليين ولأقامت لهم التماثيل. . . يا أخي بحسبك ما يشقى به ممثلونا من شقاء مادي فلا تنكل بهم تنكيلاً أدبياً. . . يا أخي لا تنكر أن ممثلينا يوسف وهبي وأحمد علام وزكي طليمات وحسين رياض وفتوح نشاطي وأمينة رزق ونجيب الريحاني وعبد الفتاح القصري ومختار عثمان وفاطمة رشدي وأنور وجدي وغيرهم ممن تضيق تلك الكلمة عن إحصائهم. . . أولئك الممثلون الذين لا نعرف كيف نجزيهم وهم لا يقلون عبقرية عن أحسن الممثلين العالميين. لقد ذكرت في إحدى مقالاتي أن نسبة المتعلمين في إنجلترا في عصر إليزابيث لم تكن تزيد عنها في مصر اليوم، فلم يمنع هذا من ظهور شكسبير وبن جونسون وأضرابهما، ولم تمنع من ازدهار المسرح الإنجليزي الذي كانت كل دراماته شعرية في ذلك الحين. . . يا أخي لا تكن ظالماً وأوص من حولك بالإحسان إلى الممثلين
دريني خشبة
إلى الأستاذ. . .
إلى هذا المجهول العلم الذي تفضل فنشر بالرسالة (عدد 529) كلاماً على لساني موجهاً إلى الأستاذ دريني خشبة حول مقاله: (المسرح المصري والدرامة المنظومة)
أما آرائي في بحوث الأستاذ خشبة فأحسب أن ما بيني وبينه من أواصر الصداقة والود يجعلني أوثر مشافهته
وأما أن يتفضل كاتب كريم فيذيل كلاماً باسمي وعنواني لم أقله، ولم أحرره، فقد مضى زمن - وما يزال - وهذه البراعة المبرقعة حياء في خدمة الكرام الكاتبين، وما كانت يوماً بحاجة إلى عون سواها للتعبير عن رأي لصاحبها، أو فكرة لحاملها
وأتقبل بشكر وسرور هذه المداعبة الظريفة. والى اللقاء
(المجمع اللغوي)
علي فوده
بين الشيخ شاكر والسيد رشيد
ذكر الدكتور مبارك في كلمته التي نشرتها الرسالة بالعدد (523) عن روح الشيخ رشيد أن فضيلة الشيخ محمد شاكر (كتب) إلى الشيخ محمد عبده يدعوه إلى كف يده عن رعاية الشيخ رشيد رضا، فكان جواب الأستاذ الإمام: (كيف أرضى بإبعاد صاحب المنار وهو ترجمان أفكاري)
وقد ذهب الدكتور إلى أن الشيخ شاكر إنما فعل ذلك لخصومة بينه وبين السيد رشيد، ثم أخذ يعلل هذه الخصومة ويبين ما كان عليه هذا الشيخ من العنف وشدة العداوة الخ
ولكن الأمر يرجع إلى غير ما ذهب إليه الدكتور. ذلك أن الخديو عباس كان قد غضب على السيد رشيد لأمور لا نطيل بذكرها، فكلف بطرس غالي باشا والشيخ شاكر لكي يسعيا لدى الأستاذ الإمام في أن يبعد هذا السيد عنه، فكان جوابه لبطرس باشا: (إذا كنت رجلاً ذا قيمة في الوجود فإنما ذلك بأخلاقي لا بوظيفة الإفتاء ولا بغيرها، وأي خلق يكون لي إذا تركت صحبة السيد رشيد لأجل الخديو؟ إن هذا الرجل متحد معي في العقيدة والفكرة والرأي الخ. وكان جوابه للشيخ شاكر تلك الكلمة المشهورة.
هذه هي الحقيقة نبينها للناس وما كان بين الشيخين الجليلين - شاكر ورشيد - إلا كل محبة وولاء. ورحم الله شيوخنا جميعاً
(المنصورة)
محمود أبو رية
تصحيح التصحيح!
متى كان الطعن في شخص الكاتب كافياً لهدم ما قال؟ أليس الأحرى بالأستاذ قطب أن ينصرف إلى الرد على الأقوال بدلاً من الطعن في الأشخاص؟ إن الأستاذ قطب يقول عن زكريا إبراهيم: إنه لا يعلم له أو عنه شيئاً، فهل نسى الأستاذ قول القائل: (لا تنظر إلى من قال، ولكن انظر إلى ما قال؟) ألا فليعلم حضرة الأديب الفاضل أنه ليس يضيرني أن لا يعرفني مثله، فأنا لا أحفل بمعرفة من هو عند نفسه أكبر من نفسه؛ ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه!
ولست أدري بعد ذلك هل من قواعد المدرسة الحديثة أن يعلن الإنسان عن نفسه على حساب الأدب، فيقول في جرأة غريبة إن في نثره (معاني كبيرة، وأحاسيس عميقة). . . إلى آخر تلك الصفاقة الغريبة التي تفيض بها أيضاً مقدمة ديوان (الشاطئ المجهول)؟! أما الجواب فهو عند الأخلاق الجديدة التي يضعها (لأول مرة) أستاذنا قطب، هادما فيها التواضع الاصطلاحي الكاذب!. . . والرد حاضر أيضاً: فإن التواضع الذي ندعوك إليه - يا سيدي - ليس معناه أن ينزل الإنسان عن مستواه، وإنما معناه أن ينزل إلى مستواه! زكريا ابراهيم