مجلة الرسالة/العدد 529/تصحيحات واجبة
→ مقدمة ابن خلدون | مجلة الرسالة - العدد 529 تصحيحات واجبة [[مؤلف:|]] |
الجريح. . . ← |
بتاريخ: 23 - 08 - 1943 |
في الأدب والأخلاق
للأستاذ سيد قطب
في عدد الرسالة الماضي تعليقان على مناقشاتي مع الأستاذ مندور، لا يخفى على القراء ما فيهما من تحامل مكشوف يرتدي مسوح النقد الأدبي
والذي يعنيني هنا هو إثبات بعض التصحيحات الواجبة لأوهام ومواضعات خاصة، تجد لها صدى في نفوس العوام وأشباه العوام
يقول الأستاذ دريني خشبة في مقال بعنوان: (أعصابكم أيها الأدباء) ضمن حديثه عن (قضية الأدب المهموس): (نزغ شيطان الجدل بين الأديبين المتحاورين، إذ رمى أحدهما الآخر بما لا يليق أن يرمى به رجل رجلاً أبداً. . . ولعل الذي سب أخاه في كمال الرجولة أظلم)
هذه المسألة تحتاج إلى تصحيح؛ فأنا لم أكن في موقف سباب حين أشرت في حديثي إلى هذا الشأن، إنما كنت في معرض تعليل نفسي لظاهرة خاصة مطردة في فهم صاحبي للأدب والشخصيات؛ وكنت ألمح آفة نفسية خاصة تجنح به إلى إيثار لون من الأدب على لون، وشخصية أدبية على شخصية في رتابة واطراد
ومما لا شك فيه أن لبعض الآفات النفسية أثراً حاسما في الحكم على الأدب والأشخاص والحياة كلها؛ ولابد من تعليل هذا الأثر الخفي وكشفه للقراء ليأخذوا حذرهم من إنسان يقف نفسه موقف الناقد للفنون والرجال، وطبعه مئوف متأثر بآفته فيما يصدر من أحكام
ففهم هذا التعليل على أنه (سب) عامية في الذهن والنفس تحتاج إلى تصحيح. والخضوع لهذا الفهم والإحجام عن هذا التفسير تبعاً لذلك - عامية في معايير الأخلاق لا أخضع لها وفي نفسي بقية من الارتفاع فوق مستوى العوام
والأستاذ دريني هو و (الأديب زكريا إبراهيم) يأخذان علي شيئاً آخر هو الاستشهاد بقطعة من شعري بجانب قطع أخرى للعقاد، مشايعين في هذا الأستاذ مندور
ولست أتردد في مجابهة هذا الوهم بأنني لا أحفله؛ لأنه نوع من عامية الذوق والتفكير. فأنا لم أكن في معرض تعداد وبيان لمزايا جميع الشعراء المصريين، وإنما كنت في معرض استشهاد على وجود لون خاص من ألوان الأدب في شعر المصريين، ووجوده بصورة خير من الصورة التي يحبها الأستاذ مندور. فإذا وجدت في شعر العقاد ما يصلح لإثبات الغرض فلن يقعدني التحرج الاصطلاحي السخيف عن الاستشهاد به لمجرد أنني (تلميذ) للعقاد. وإذا وجدت في شعر سيد قطب ما يصلح لإثبات هذا الغرض فلن يقعدني التواضع الاصطلاحي الكاذب عن الاستشهاد به لمجرد أنني سيد قطب!
وهذا التواضع الكاذب وذلك التحرج السخيف نوعان من العامية في التفكير والأخلاق أرتفع بنفسي عنهما، لأنني لا أتلقى معاييري الفكرية والخلقية من العوام وأشباه العوام
وقد يحسن من باب (التصحيح الواجب) كشف الأسباب الصغيرة الخفية التي تحمل بعض الناس على أن يلبسوا هذا المسوح!
فأما الأستاذ (دريني خشبة) فلتحامله أسباب ظاهرة يعرفها قراء الرسالة، فيما شجر بيني وبينه من جدل على صفحاتها منذ أشهر، على أنه إنما يصدر في هذه المسألة عن الروح التي يصدر عنها فيما يقتحمه من مسائل النقد الأدبي كلها ولست أدري لم لا يعرف الناس أفضل مواهبهم فيستخدموها ويدعو ما لا يحسنون من الأمور؟ ولله في خلقه شؤون!
أما الأديب زكريا إبراهيم: فلست أعلم له أو عنه شيئاً سوى أنه يقول عني: (إنما راح يحشد أقواله وأقوال الأستاذ العقاد، كأنما ليس في مصر غيرهما). فقد كان يجب إذن أن أحشد أقوال الأديب (زكريا إبراهيم) هو الآخر!
وأنا أعترف لحضرته أنني مقصر في البحث، وسأسأل الإنس والجن عن شيء له ولأمثاله أحشده في بعض المناسبات! فإن لم أفعل، فهو كاسب على كل حال بمناقشته في هذا المقال!
سيد قطب