مجلة الرسالة/العدد 524/البريد الأدبي
→ أغنية | مجلة الرسالة - العدد 524 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 19 - 07 - 1943 |
إلى الدكتور بشر فارس
أخي الأعز الدكتور بشر فارس
لك حق يا أخي في تساؤلك عن هؤلاء النقاد من هم. . . ولست أدري
لماذا لم تتول الرسالة الرد وهي التي حذفت فقراً من مقالي لتوسع على
مقالات أخرى. . . أضف إلى ذلك اختلافي كل أسبوع مع رئيس
العمل بالإدارة من جراء الأخطاء المطبعية التي أخذت تضايقني
مضايقة شديدة. وكنت ألمح وأنا أراجع مقالاتي بعد صدور المجلة
نظرات أمثالك من القراء الحنابلة المحترمين الذين لا يرحمون، وهي
تهزأ بي مرة وترثي لي مرة أخرى، وأنا والله لا ذنب لي مطلقاً لو
فطنت هذه النظرات
أما سؤالك عن ابن المنجد العبقري موليير فلم أفهمه على وجهه. . . لقد وضعته في ثبت الدراميين فهل هذا خطأ؟ وهل عفا الزمان على روائعه الكوميدية الخوالد التي تجعل منه نداً لشكسبير في المآسي؟. . .
وما سؤالك عن السيد المحترم مترلنك؟ هل ظننت أنني نزعته من ثبت الرمزيين إطلاقاً؟ كلا يا أخي. . . فمعظم مقالي منصب على الذين هم أقرب أصحاب المذاهب إلى الرمزيين كما نوهت في المقال الثالث، ولو أنني قصدت إلى الرمزيين إطلاقاً لما وضعت - أو لما حشرت - بينهم إبسن زعيم المذهب الواقعي وقد كانت معظم دراماته رمزية. . .
وأما أكتبه سارس على نحو ما جاء في كلمتك، وأما تشيكوف فضم تحريفه إلى الخمس عشرة غلطة المطبعية الواردة في صلب المقال نفسه
وأما الكتب التي أعتمد عليها فلن أذكرها لك الآن حتى أنتهي من مقالاتي. وحسبك أن تتفضل بزيارتي لأكسب كنز اخوتك الثمين، أو تتفضل بزيارة دار الكتب المصرية ومكتبة الجامعة - ثم مكتبتي - لتلمس العناء الشديد الذي نلقاه في كتابة هذه المقالات وهو م جربته أنت وبلوت منه الشيء الكثير. . .
أما الحر الشديد، وأما المثاقفة. . . فلست أدري كيف نسيت أيامك ببطن خبت، وكيف ما زلت تحن إلى لقاء الأسود لتقد من ضلوعها عشرات وعشرات؟
يا أخي الهزبر الأغلب، اعلم أن الزمان قد تغير، وأن وسائل الحروب قد تبدلت. وهاهي ذي أصوات الطرابيد والقنابل لا تبالي ببطن خبت وسكان بطن خبت. . . ولم يعد المحاربون يمتطون ظهور الجياد ولا ظهور البوادي إلا نادراً، فقد وجدوا ظهور الدبابات أثبت ظهراً من كل ذي ظهر. . .
ثم السلام عليك من المشوق إليك.
دريني خشبة
بوق وبوقات
يقول الدكتور زكي مبارك: إن علماء البلاغة قضوا عشرة قرون يخطئون المتنبي في جمعه (بوقاً) على (بوقات) في بيته المشهور.
ثم يقرر أنه انفرد برفع الظلم عنه بجعل بوقات جمعاً لبوقه لا بوق الخ
وأقول: إنه لا حاجة بالمتنبي الشاعر الثبت الحجة إلى من يرفع الظلم عنه بعد هذه القرون المتطاولة، لأنه لم يظلم السماع ولا القياس في جمعه هذا (بوقات)، إنما ظلم البلاغيون أنفسهم في تخطئته لقلة نصيبهم من اللغة. وأخطأ المدرسون حتى اليوم في السير على هذا الخطأ لأنهم لم يتحرروا من أسر التقليد
أما السماع فقد جاء في مادة (بوق) من المصباح المنير (البوق) بالضم معروف والجمع بوقات وبيقات بالكسر
وأما القياس فقد جاء في مادة (ابن) من المعجم نفسه. قال ابن الأنباري: واعلم أن جمع غير الناس بمنزلة جمع المرأة من الناس. تقول فيه: منزل ومنزلات ومصلى ومصليات.
علي الجندي
مثال من تداعي الأخطاء
في ترجمة المعري بالجزء الثالث من معجم ياقوت (طبع دار المأمون) إشارة إلى القاضي أبي المجد محمد بن عبيد الله (حفيد أخي المعري) ورد فيها من حديث الأمير أسامة بن منقذ عنه، قوله:. . . ولما فارق أهله بالمعرة وبقى منفرد (يعني في قلعة شيرز التي هاجر إليها بعد دخول الإفرنج المعرة) وكان له غلام اسمه شعيا، قال:
زمانُ غاض أهلُ الفضل فيه ... فسَقْياً للحمام به ورَعْيا
أُسارَي بين أتراكٍ ورومِ ... وفقدُ أحبهِ وفراقُ شَعيا
وقد أشار المصحح في هامشه إلى كلمة (وفراق) فقال: (في الأصل ورفاق، وهو تحريف)! والرأي عندي في ذلك أن التحريف هو ما أثبته المصحح لا ما ورد بالأصل. إذ (الرفاق) هنا بمعنى المرافقة وقد اشتق كلاهما من الفعل (رافق) كما يشتق الخطاب والمخاطبة من خاطب، والقاضي هنا يشكو صحبة خادمه شعيا ومرافقته لا فراقه
والدليل على ذلك ما قاله الأمير أسامة مستأنفاً حديثه عن القاضي: (. . . وقد سبقه إلى هذا المعنى الوزير المغربي، فإنه لما تغيرت عليه الوزارة وتغرب، كان معه غلام اسمه داهر فقال:
كفى حزناً أني مقيم ببلدة ... يعللني بعد الأحبة داهر
يحدثني مما يجِّمع عقلُه ... أحاديث منها مستقيم وجائر)
فالوزير هنا يشكو صحبة غلامه داهر الذي يرمض نفسه بأحاديثه الجامعة بين الغث والسمين، ومثل ذلك تماماً شكوى القاضي من غلامه شعيا
ذلك خطأ وقع فيه المصحح؛ وقد أنجز بسببه إلى ارتكاب خطأ آخر أبينه فيما يلي
قال الأمير أسامة متابعاً حديثه: لما بليت بفرقة الأهل، كتبت إلى أخي أستطرد بغلامي أبي المجد والوزير المغربي، اللذين ذكراهما في شعريهما:
أصبحت بعدك يا شقيق النفس في ... بحر من الهم المبرِّح زاخر
متفرداً بالهم، من لي ساعةً ... برفاق شعيا أو علالة داهر!
فقد قال الأمير مرة أخرى (برفاق) شعيا؛ وكأن المصحح لم يجرؤ هنا على معاودة التغيير، لما يؤدي إليه من إخلال بالمعنى الذي يقصده الشاعر، ثم لما قد يوهمه ذلك من ادعائه أن التحريف وقع في كلام القاضي مرة وفي كلام الأمير أسامة مرة أخرى.
فدفعه كل هذا إلى إبقاء كلمة (رفاق) على حالها ثم التعليق عليها بقوله: يعني أمثال شعيا وداهر؛ يزعم بهذا أن رفاقاً جمع رفيق بمعنى المثل. وواضح تمام الوضوح وجه الخطأ في كل ما ذكره.
(جرجا)
محمود عزت عرفة
(الشاعر الرجيم: بودلير)
كتاب الأستاذ عبد الرحمن صدقي عن بودلير يعد من خير ما كتب عن هذا الشاعر من الدراسات الأدبية. فقد عنى الكاتب بترجمة حياة بودلير ترجمة مفصلة أقام على أساسها كل أحكامه التي قررها عن شعره، ودرس شخصية بودلير على اعتبار أنها شخصية مركبة جمعت بين الاستهتار والتصوف في وقت واحد. والواقع أن شخصية بودلير التي حيرت معاصريه وسائر الكتاب الذين تصدوا لتحليل أشعاره؛ هي شخصية لا يستعصي أمرها على التحليل النفسي، وإنما يمكن أن تدرس على ضوء البحوث السيكولوجية دراسة تكشف غامضها وتجلي سرها. وهذا هو ما قام به الدكتور (رينيه لافورج) في كتابه الموسوم باسم (هزيمة بودلير) فقد نظر إليه على اعتبار أنه ليس إنساناً سوياً وإنما هو شاذ يجب أن تحلل حالته المرضية. واستدل (لافورج) (وهو من الأطباء المختصين بالتحليل النفسي) من الدراسة التي قام بها، على أن شعر بودلير يعكس الصراع العنيف الذي كان يعانيه في قرارة نفسه. وقال إن بودلير كان مريضاً بتعذيب نفسه، فلذا كان يميل إلى تهجين سمعته وتشويه صورته، والتهويل بخبايا دخيلته. وذلك كله لم يكن إلا نتيجة الفشل الذي لقيه الشاعر في حبه مما جعل غرامه الشاذ يحبب إليه خيبته ويميل به إلى تمجيد خذلانه!
درس الأستاذ عبد الرحمن صدقي (شارل بودلير) على هذا الوضع، فجاءت دراسة موفقة طيبة. وقد نقل الكاتب إلى العربية كثيراً من أشعار بودلير، وكانت ترجمته أنيقة، وإن كانت غير دقيقة. أما عنوان كتابه، فقد كنا نؤثر أن يرفع الكاتب منه عبارة (الشاعر الرجيم) لأن هذا أليق بالدراسة العلمية.
زكريا إبراهيم