الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 513/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 513/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 513
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 03 - 05 - 1943


هل قتل ذو القرنين بيد التتر؟

قرأت ما كتبه الأستاذ إبراهيم الدسوقي في العدد (512) من مجلة الرسالة الغراء، فوجدته لا يزيد عن تكرار ما كتبه أولاً وثانياً، ويتهرب من الرد على ما أذكره في تأييد رأيي أو يحوله عن وجهه ثم يرد عليه، وهذا كما فعل في ردي عليه بأن كيرش قتله التتر في حربه لهم، وذو القرنين المذكور في القرآن لم ينته أمره معهم بهذا الشكل، لأن الله تعالى يقول في شأنه معهم: (قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدّا، قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما، آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطرا، فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا، قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا)

ولا يمكن أن يفعل ذو القرنين هذا مع يأجوج ومأجوج ثم يتمكنوا من قتله، لأنهم لا يقتلونه إلا إذا استطاعوا أن يظهروا ذلك السد أو ينقبوه، وقد أخبر القرآن أنهم لم يستطيعوا شيئاً من ذلك، وإذن لا يمكن أن يكون ذو القرنين كيرش المقتول بيد التتر. فلما أراد الأستاذ إبراهيم الدسوقي أن يرد على هذا حوله عن وجهه، وذكر أني أقول إن كورش قتل ببلاد التتر وذو القرنين لم يقتل، ليتأتى له أن يقول في رده عليّ: ومن أين عرف أن ذا القرنين لم يقتل في حين أن القرآن لم يذكر إلا جزءاً يسيراً من تاريخه. وستطول المناظرة بيننا بهذا الشكل، ولهذا رأيت أن أتركها إلى ما هو أهم.

عبد المتعال الصعيدي

ضبط الخلاف بين العربية والعامية ممكن

اطلعت في العدد (512) من مجلة الرسالة الغراء على كلمة للأستاذ الفاضل عبد الحميد عنتر تحت عنوان (ضبط الخلاف بين العربية والعامية مستحيل) يرد بها على اقتراح مقدم إلى المجمع اللغوي في ضبط الخلاف بين العربية والعامية، فعجبت لدعوى الاستحالة من الأستاذ في هذا الأمر الممكن، عجبت لإقدامنا على هذه الدعوى بسهولة، بينما غيرنا يحاو أن يمحو كلمة مستحيل من قواميس اللغة. على أن ما كتبه الأستاذ في الرد على هذا الاقتراح لا يمت بصلة إلى عنوانه، وقد ذكر في هذا الرد أن المتواضع عليه بين العلماء أن اللفظ العامي ما لم ينطق به عربي، وأنه المدار في تمييز العربي من العامي على النقل عن المعاجم اللغوية، ولا شك أن في هذا ضبطاً للخلاف بين العربية والعامية، فكيف يدعي معه أن ضبط الخلاف بين العربية والعامية مستحيل؟

والاقتراح المقدم إلى المجمع اللغوي يرمي إلى إبطال هذا الضابط المتواضع عليه بين العلماء، لأنه يبعد الشقة بين اللغتين ويؤدي إلى تخطئة كثير من العامية بدعوى أنه لا يوجد في معاجم اللغة، مع أن هذه المعاجم لم تستقص اللغة كلها، ولو رجعنا إلى الضابط المذكور في ذلك الاقتراح لأمكن تصحيح ما يعد خطأ بالضابط المتواضع عليه بين العلماء، وفي هذا تسهيل كبير لأمر العربية في هذا العصر، وتقريب للخلاف الذي بينها وبين العامية ومحاولة لجمع المختلفتين في شأن اللغتين على أمر لا يؤثر في صميم العربية، ويضم إليها كثيراً ممن ينتصر للعامية عليها، وقد ذكر الأستاذ (عبد الحميد عنتر) في الرد على هذا الاقتراح أنه يخالف الضابط المتواضع عليه بين العلماء، ومثل هذا من المصادرة التي لا تصلح في مقام الرد، ثم ذكر أنه لو صح ذلك لجاز للعامي أن يخترع ألفاظاً لا حصر لها على نمط الأوزان العربية. والجواب عن هذا أن الاقتراح في ألفاظ موجودة بالفعل وهي ألفاظ جرت عليها سليقة الناس، ولا شأن له بما يخترع من الألفاظ، على أنه لا يوجد ما يمنع العامي من اختراع مثل ذلك عند حاجته إليه، وذلك حين لا يجد في اللغة ما يغنيه عنه. ثم ذكر أنا لو أخذنا بهذا الاقتراح لخطأنا نحو ربع اللغة من الألفاظ الشاذة، وهذه مغالطة ظاهرة، لأن موضوع الاقتراح الألفاظ العامية لا العربية. وأما ما ذكره في الأمثلة من تصحيح بعضها على لغة من اللغات فلا يفيد شيئاً في موضوع الاقتراح، ولا يصح أن يصرفنا البحث فيها عن البحث في الاقتراح نفسه، والأمثلة كثيرة لا تحصى ولا تعد.

(. . .)

ذو القرنين غير الاسكندر المقدوني تأييداً للرأي القائل بأن أحدهما غير الآخر - وهو الرأي الذي أعيد موضحاً بالعدد (512) من الرسالة - أنقل ما يأتي:

(ومن ملوكهم - يعني اليونانيين - الإسكندر المقدوني وهو ابن فيلبس، وليس بالإسكندر ذي القرنين الذي قص الله نبأه في القرآن بل بينهما فروق كثيرة. وبينهما في الدين أعظم تباين؛ فهذا كان صالحاً مؤمناً، وذاك المقدوني كان مشركاً. وكان أرسططاليس وزيره). عن كتاب الإغاثة لابن قيم الجوزية أحد أعلام القرن الثامن الهجري صفحة 367 ببعض اختصار

وفي كتاب (لقطة العجلان) لصديق حسن خان القنوجي البخاري ملك مملكة بهوبال:

(التحقيق أن ذا القرنين الذي ذكره الله في كتابه عربي كثر ذكره في أشعار العرب واسمه الصعب بن ذي مراثد ابن الحارث الرائش وأنه ملك من ملوك حمير. وقد غلط من ظن أن الإسكندر بن فيلبش هو ذو القرنين؛ فإن لفظة ذو عربية، وذو القرنين من ألقاب العرب ملوك اليمن، وذاك رومي يوناني غزا دارا ملك الفرس وقتله. وهو صاحب أرسططاليس وتلميذه. وذو القرنين المذكور في القرآن ملك قديم كان على زمن إبراهيم وهو الصعب بن الرائش الذي مكن الله له في الأرض وبنى السد على يأجوج ومأجوج. وقد غلط من ظن أن باني السد هو الاسكندر الرومي) صفحات 10، 11، 91، 92 باختصار وبعض تصرف. هذا ويؤثر عن تبَّع قوله:

قد كان ذو القرنين قبلي مسلماً ... ملكاً تذل له الملوك وتسجدُ

ويروي بلفظ آخر فيه التصريح بأنه جدُ لتبع اليماني وهو:

قد كان ذو القرنين جدي مسلماً ... ملكاً علا في الأرض غير مفنَّد

بلغَ المشارقَ والمغاربَ يبتغي ... أسبابَ أمر من حكيم مرشِد

فرأى مغيب الشمس عند غروبها ... في عين ذيُ خُلب وثأط حرمد

محمد عبد الله الجزار

أستاذ بكلية الشريعة

حول مقال (أثر المرأة في علي محمود طه) جاء في مقال الأستاذ أدوار حنا أسعد المنشور في العدد السابق أن لفظة (الثلاثون) الواردة في بيت شعر من قصيدة (بحيرة كومو) للملاح التائه لم تأت إلا لضرورة الشعر، مدللاً على ذلك بكلمة من مقال للأستاذ الزيات ذكر فيها أول لقاء تم بينه وبين الشاعر إذ كان في إبان شبابه، وكان الأستاذ الزيات في عنفوان شبابه. ثم عاد الكاتب في موطن آخر من مقاله إلى التعليق على ذلك

والذي أعرفه ويعرفه أصدقاء الشاعر انه نظم قصيدة (بحيرة كومو) الوارد في سياقها البيت المشار إليه، وهو في السادسة والثلاثين من عمره. ولعل ما يؤثر عن الأستاذ علي محمود طه هو احتفاله بذكر العلاقة الزمانية والمكانية بين ما ينشئه من شعر في أدوار حياته المختلفة حتى لا يقع فيما وقع فيه غيره من الخلط والاضطراب

حسن كامل الصيرفي

نزول عيسى

أرسل إلينا الأستاذ الجليل محمود شلتوت أولى مقالاته التي كتبها في (نزول عيسى) يفند فيها بالحجج الملزمة والنصوص الصريحة أقوال معارضيه، ويعرض لبعض ما عُمِّي على الحشويين والمتنطعين من وجوه الاستدلال بالحديث، ويدلي بالقول الفصل فيما يختلف فيه الناس من حين إلى حين في بعض المسائل الشرعية. وقد كان بودنا أن ننشرها، ولكن أسباباً قاهرة حالت دون ذلك

حانة الشعراء

نشرنا في العدد الماضي من (الرسالة) هذه القصيدة الفريدة من ديوان (زهر وخمر) للشاعر الكبير علي محمود طه، ولكن مقطوعتين سقطتا منها سهواً عند الطبع؛ فأحببنا أن ننشرهما احتفاظاً بوحدة القصيدة، ومكانهما بين المقطوعة الرابعة والمقطوعة السابعة، وهي:

مِنْ كلِّ مُرْسِلِ شَعْرِهِ حِلَقَا ... وَكَأنَهَا قِطَعٌ مِنَ الحَلَكِ

غَلْيُونهُ يَسْتَشْرِفُ الأفُقَا ... وَيَكَادُ يَحْرقُ قُبَّة الْفَلَكِ

أَمْسَى يَُبْعِثُرُ حَوْلَهُ وَرَقَا ... فَكَأَنَّهُ في وَسْطِ مُعْتَرَكِ

فإِذَا أَتَاُهُ وَحْيُهُ انْطَلَقَا ... يُجْرِي اليَرَاعَ بكَفِّ مُرْتَبِكِ وَيَقُولُ شِعرْاً كَيْفَمَا اتَّفَقَا ... يُغْرِي ذَوَاتِ الثكْلِ بالضَّحِكِ

(باخُسُ) يَروِي عن غَرَائبهِمْ ... شَتَّى أَحَادِيثٍ وَأَنْبَاء

قِصَصٌ تَدَواَلُ عَنْ صَوَاحِبِهمْ ... وَعن الصَبَايَا فتْنَةِ الرَّائِي

وَعَنِ الْخَطِيئَةِ في مَذَاهِبهم ... بَدَأَتْ بآدَمَ أَم بِحَوَّاءِ

واَلْمُلهِمَاتُ إِلى جَوَانِبهمْ ... يُكثِرْنَ مِنْ غَمْزٍ وَإِيماء

يَعْجَبْنَ مِنْ فْعلِ الشَّرَاب بِهمْ ... وَيَلُذْنَ مِنْ سَأَمٍ بإِغْفَاءِ

إلى الأستاذ حبيب الزحلاوي

أهدي إلى الأستاذ أحسن تحية، وأعتذر إليه من تأخر هذه الكلمة بأني طالعت أولاً (شعاب قلب) لكي أشكر له هذه الهدية النفيسة، وأشكر له في آن معاً، فضله الذي أتاح لي التلذذ بقراءة كتابه البديع.

صوّر لنا الأستاذ أفراداً من المجتمع في زماننا هذا، ومثلهم بسجاياهم ووجدانياتهم، وشهواتهم وأهوائهم، وقص حوادثهم وفعالهم، ووصف أزمنتها وأمكنتها، وصاغ كل أولئك على نظام سليم من السرد الرتيب، في أقاصيص شائقة وليدة ملكاته الراوية من تجاربه الشخصية ومطالعاته، وقد مازجها الخيال وإن أنشأها من الحقائق الواقعية حتى ليكاد القارئ يتعرف فيها مثلاً شيخ (فلسفة الشيخوخة)

وليس في هذه الأقاصيص عقود وحلول؛ بل هي بسيطة بين الأقصوصة والحكاية، وهي قطع من الحياة متفرقة، لكن تضمها جهة جامعة تلوح في خفاء للقارئ. وبودي لو يكتب الأستاذ قصة كاملة فيتسع فيها المجال لملكاته، لكي تبلغ مدى قدرتها على تمثيل الحياة المصرية أو الشرقية لهذا العهد

وقد ماشى الأسلوب الحي في (شعاب قلب) تلك النفوس فيما خالجها من اكتئاب أو ابتهاج، وحياء أو إباء أو رجاء، وإعجاب أو عتاب، وقلق أو شكوى، وحسرة أو رغبة أو شهوة؛ وتوافرت فيه الحركة بوسائل معنوية بلاغية، كالتعجب والمبالغة، والتجاهل والاستفهام، والتصريح والتلميح، والتشبيه والتصوير؛ وجاء سريع المعاني إلى الفهم بمثل الفصل والوصل والإضمار في عبارات تعتّم معانيها بالتقدير.

فما حسن بالفصل، مثلاً: (كنت أنعم بالراحة كلها في مخاصرة هذه السيدة التي تنبعث منها الطمأنينة إلى أعماق نفسي؛ لم أكلهما، لم أجتل محياها، كنت نشوان بها. . .)

ومن التشبيهات غير المحفوظة: (ذكرت ذلك الدير المهيب الشاهق الرابض فوق الربوة شبيهاً بقلعة شيدت لحماية الخيالات والأوهام!!) ومنها أيضاً: (أشعلت غليوني، أخذت أنظر الدخان يعقد حلقات تتمدد وتتبخر كخواطر الإنسان، وأرى النار تتأجج وتهمد في قلبه كالرغبات في ضمير الرجل)؟

ومن وصف الجمال، والحياء، والطهر، والإعجاب: (ذكرت تلك الفتاة القروية عائدة من الكنيسة بثيابها الفضفاضة، وضفائرها المنسدلة على كتفيها، ووجهها الخمري الزاهر بنفحات الربيع، وصدرها الناهد، وقدها الممشوق، وخطواتها المتزنة الحازمة. كم كانت رائعة صبغة الخجل الوردية التي اصطبغت بها أذناها لما سألتها عن اسمها، وهل فكرت في صلواتها في غير أهلها ممن تعرف من الناس!)

ومن المعاني المضمرة في العبارة (كل امرأة ترضي الرجل، وليس كل رجل يرضي المرأة. أما أنا فإني امرأة يسكن جسدي روحان: الأول محلَّق في السماء مصعَّد نحو المجهول، والثاني دنيوي يلتصق بأديم الأرض. ولم يكن تطلعي إلى السماء يعميني عن التطلع إلى الأرض!)

ومن جميل التصوير: (ممثل هزلي بارع. إحساسه في وجهه، وعقله في نظرات عينيه، وبراعة فنه في إيماءته وسكونه)؛ وأيضاً: (زايلت البيت فرحته، فانطفأت أنواره، وقد كانت تتألق أكثر الليل؛ وهمدت الحركة فيه، وقد كانت مرحة طليقة فياضة؛ وخرست موسيقاه، وقد كانت تفيض على الجيران أنفاسها فاتنة ساحرة، وانقطع عنه زواره، وتبدلت وجوه قطانه، خادمين ومخدومين، واعتلاها مسحات من كآبة وسحب وغيوم)

إن هذا الكتاب، على الإجمال، أدب حيّ تزينه ثمار من المعرفة، ويظهر فيه إلهام من الاشتراكية والمادية، وأثر واضح من نظرية فرويد؛ وأسلوبه محدث صاغته شخصية حرة، وملكات طليقة. وما هفواته في صدقه وتمثيله وقيمته الأدبية بشيء يذكر

ثم سروري بهدية الأستاذ الفاضل وثنائي عليه

محمد توحيد السلحدار