مجلة الرسالة/العدد 51/العلوم
→ في الأدب الفرنسي | مجلة الرسالة - العدد 51 العلوم [[مؤلف:|]] |
إسحاق نيوتن ← |
بتاريخ: 25 - 06 - 1934 |
استحالة الأجسام
بقلم منير غندور ليسانسييه في العلوم
لو سألت أحداً ممن لم ينالوا من العلم شيئاً من هو الكيميائي؟ لأجابك إن الكيميائي رجل يستطيع أن يحول الرصاص ذهباً، وهذا لا وجود له.
وهكذا علق في ذهن كل منا عندما قرا القصص القديمة إن الكيميائي هو الذي يستطيع ان يحول معدناً خسيساً إلى معدن ثان نفيس تحت تأثير قوة روحية سحرية.
الانتقال من عنصر إلى عنصر كان حلم الكيميائيين القدماء.
غلت المراجل أياما وليالي، واستحضر الكيميائيون الأرواح واستنجدوا بالأسرار، واوهم أناس أناساً بأنهم توصلوا إلى سر هذه المهنة، وأتت القصص تستعمل هذه المواضيع، وقضى بعضهم حياته ساعياً وراء هذا السراب الخلاب لينتظر قوة يجهلها تحول رصاصه ذهباً، ومضى عصر ثم عصر وعصور، دون أن يستحيل درهم من رصاص إلى عشر درهم من فضة أو ذهب!
واليوم وأين نحن من تحقيق هذه الفكرة؟ أين نحن من تحقيق خيال كيميائيينا القدماء؟
لسنا بعيدين قط عن تحقيقها، وان كنا لا نزال نقف أمام رصاصنا وقفة ذلك الكيميائي القديم يستنزل القوة. نعم لقد أصبحت استحالة الأجسام شيئاً خاضعاً للقوانين العلمية الثابتة.
ولكن القوة التي كانت تنقص الكيميائي القديم ليحقق خياله لا تزال تنقصنا لنحقق يقيننا العلمي. ومن يدري؟ فلعل ذلك الخيال كان في الحقيقة إلهاماً علمياً!
أثبت (ايفيزيك) أن المادة مركبة من وحدات متناهية الصغر تدعى كهارب، تدور بسرعة هائلة حول نواة وسطية كما تدور السيارات حول الشمس، وكل نظام من هذه النظم الصغيرة يشبه ما نسميه ذرة. هذه الكهارب هي نفسها في كل ذرة وفي ذرة أي عنصر. وإنما الذي يختلف إذا انتقلنا من عنصر إلى اخر، من النحاس مثلاً إلى الذهب، أو من الأزوت إلى (الهيدروجين) هو عددها والترتيب في مركبات النواة. (النواة بدورها مركبة من أجزاء صغيرة جداً تقسم إلى كهارب وإلى بروتون. وهي تحمل، أي النواة، كهربائية إيجابية.) فالانتقال إذاً من عنصر إلى عنصر شيء ممكن إذا استطعنا تبديل عدد هذه الكهارب أو تبديل الترتيب داخل النواة.
ان تركيب الذرة ودرس خصائصها هو في الحقيقة معقد اكثر من هذا بكثير على الأخص مع ما يكتشف في كل يوم في هذا الميدان، ودرس الذرات اصبح اليوم علماً مستقلاً بنفسه يقوم بالتنقيب فيه رجال كثيرون. ولكني اقتصر على هذا الشرح البسيط حرصاً إظهار الغرض الرئيسي من هذه الكلمة وهو إمكان استحالة الأجسام.
وهذه النظريات التي تقدم لنا الذرة على الوجه الذي شرحت لم تكن معروفة إلى عهد قريب. إذ كان من الثابت أن الذرة هي اصغر شيء يمكن الحصول عليه من عنصر ما فهي وحدة لا تتجزأ. والذي سمح للعلم أن يأخذ طريقه الجديد في شرح الذرات هي النتائج العظيمة التي قدمها درس الأجسام (ذات الإشعاع الفعال) - واكتشاف هذه الخاصة في هذه الأجسام يدين به العلم إلى فهو قد لاحظ قبل أن يكتشف مسيو كوري وامرأته الراديوم أن ملحاً من أملاح الايرانيوم يستطيع أن يعطي دون أي تأثير خارجي معروف أشعة مؤلفة من ثلاثة أقسام: أشعة ألفا (?) وهي مركبة من أجزاء مكهربة إيجابيا، من أشعة باتا (?) مركبة من كهارب ومن اشعة جاما وهي كأشعة
هذه الأجسام ذات الأشعة الفعالة تتفكك عندما تذيع ألفا (?) (وهذه مؤلفه من أجزاء مكهربة إيجابيا والآن أزيد على أنها من الهاليوم) وأشعة باتا (مؤلفة من كهارب سلبية كما رأينا) وتعطى ذرات جديدة مختلفة. وهكذا فالراديوم يتفكك عندما يذيع أشعة الفا وينتج ذرة جسم جديد كانوا يسمونه ذرور الراديوم ويدعى اليوم رادون ولكن هذا يتفكك بدوره فيصبح راديوم ثم راديوم ثم راديوم. . . وهكذا إلى أن يصبح رصاصا. وهناك أجسام أخرى من ذوات الإشعاع الفعال كالايرانيوم والطوريوم (وقد عرف من هذه الأجسام أربعون تقريباً) تتحول إلى أن تصير رصاصاً.
ولكن كيميائي هذه الاستحالة هو الطبيعة، ولا يمكننا أن نؤثر على هذا الكيميائي في شئ، فنحن لا نستطيع أن نجعل سير هذه الاستحالة اكثر أو اقل سرعة، ولا نستطيع تسبيبه ولا إيقافه.
يظهر لنا من هذا المثل أن الأجسام ذوات الإشعاع الفعال، وهي كلها ذوات وزن ذري مرتفع، هي في حالة توازن وقتي فتنفجر ذراتها تحت تأثير نجهله وتتحول إلى أجسام اضعف وزناً ذرياً وتحصل عندها على توازن مطلق.
غير أن الطبيعة تقدم لنا أمثلة في الاستحالة غير هذه تدلنا على أن تحول الأجسام يمكن أن يحصل دون انهيار أو تدن في الثقل الذري. ولنا في الأجرام السماوية آية على هذه الاستحالة: فالسدم يتركب كما يظهر من فحص طيفها على الأخص من هيدروجين ومن هاليوم. وإذا تتبعنا تطورها نرى أنها تتحول تدريجياً لتؤلف كواكب فيها اكثر العناصر التي نعرفها في الكيمياء. فهاليوم السدم وهايدروجانها قد تحولا إلى عناصر جديدة اقل بساطة وارفع ثقلاً ذرياً. ودرس الكواكب ونشوئها ومعرفة ما تتركب في مختلف حالات تطورها هو الذي جعل لوكيار يقول بتحول المادة قبل ان تكشف خصائص الأجسام ذوات الأشعة الفعالة.
ولكن هذه الاستحالة كتلك كيميائيها هو الطبيعة، والقوى التي يستخدمها لا قدرة لنا على إيجاد مثلها. فالحرارة التي تسود في تلك الطبقات والضغط الهائل هما القوة المستعملة ليتألف من تلك العناصر البسيطة كل باقي العناصر.
الآن وقد ظهر لنا كيف كان من الممكن استحالة ذرة إلى ذرة وكيف أن الطبيعة تعطينا أمثلة من هذه الاستحالة أريد أن أقول كلمة في المحاولات التي أجريت لتحقيق فكرة استحالة العناصر عمليا.
إن ما يصح أن نعتقد به الآن كتجربة علمية لاشك فيها هو ما قام به العالم الإنكليزي ريتفورد لقد سلط ريتفورد مقذوفات جسم ذي إشعاع فعال، أجزاء الفا، على بضعة عناصر: الأزوت، البور، الفوسفور، الصوديوم، الألمنيوم والفليور. فتفككت هذه العناصر تحت تأثير هذه القذائف التي تسير بسرعة 20 ألف كيلومتر في الثانية وأعطت هيدروجين. غير أن كمية الهيدروجين كانت متناهية القلة.
وما عدا هذه النتيجة فكل ما قام به المجربون، وهم كثيرون، لا يزال يشك في صحته، ولذا لا أرى لذكره فائدة.
نشط العلماء في جميع أنحاء العالم يواصلون جهودهم للتوصل إلى نتيجة نهائية. وليس من العسير علينا أن نفهم اندفاع هؤلاء العلماء في هذه المضمار، فالوصول إلى استحالة الأجسام بطريقة ما يتغير فكرتنا عن المادة وعن الحياة، نستطيع أن ننتقل من عنصر إلى عنصر، لقد ألغيت الحاجة! الحاجة كما يصورها مجتمعنا الحالي لأنه سوف تخلق حاجات لاوجود لها الآن.
لا نحتاج لنحمل إلى البشرية اختراعاً (لا يقل أهمية عن اكتشاف الرجل القديم للنار) إلا قوة اشد مما عرفنا إلى الآن، قوة من أي نوع كانت. ولنا الحق في الأمل بأننا سوف نصل قريباً، فالكهرباء تعطينا في كل يوم قوة لم نكن نتخيل الوصول إليها.
وقد توصل الدكتور (فان دي جراف) إلى توليد مجرى كهربائي تحت ضغط عشرة ملايين (فولت) وسيزيد عدد (الفولتات) ويزيد. . أو سنكتشف قوة جديدة لا نشك بوجودها فنمزق الذرة كيفما شئنا ونتصرف فيها كيفما أردنا ونحقق حلم كيميائيينا القدماء.
منير غندور