الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 508/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 508/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 508
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 29 - 03 - 1943


الشيخ عبد العزيز البشري

في فجر يوم الخميس الماضي استأثر الله بابن من أبناء العربية، وجندي مخلص من جنود الأدب، وهو المغفور له الأستاذ عبد العزيز البشري؛ فكان لنعيه المفاجئ موجة من الحزن الشديد غشيت أندية الأدب لما امتاز به الفقيد من حسن المحاضرة، وحلاوة الفكاهة، وطلاوة الأسلوب، ودقة الوصف، والإطلاع الواسع على أخلاق الناس وأحوال المجتمع، والعلم الشامل بأسرار الجيل الأدبي المنصرم، تهيأ له بطول الملابسة وحسن المداخلة؛ فكان أعلم من يتحدث عن الأدب والأدباء في العصر الحديث

نشأ رحمه الله في بيت رفيع من بيوت العلم والدين؛ فكان والده الشيخ سليم البشرى شيخاً للأزهر، واخوته طلاباً أو علماء فيه؛ فدرس هو كذلك في الأزهر حتى نال شهادة العالمية، ثم ولى القضاء الشرعي حيناً من الدهر، ثم تقلب في بعض المناصب المدنية حتى أتاه اليقين، وهو المراقب الإداري لمجمع فؤاد الأول للغة العربية

نكتفي اليوم بنعي الفقيد الكريم، وسنعود للكلام عن أدبه وعلمه في فرصة مناسبة. نسأل الله أن يتغمده برحمته، وأن يعوض الأمة العربية من أدبه وفضله خير العوض

ذو القرنين ليس الاسكندر الأكبر

قرأت بالعدد 507 نبذة لأستاذ فاضل عن ذي القرنين يريد بها أن يفند نظريتي الجديدة التي أعلنتها أخيراً على صفحات الرسالة الغراء، وأثبت فيها أن ذا القرنين المذكور في القرآن الكريم ليس الإسكندر الأكبر، وإنما هو لقب ملوك دولة فارس التي أسسها الملك كورش العظيم، وتنتهي بالملك دارا الثالث الذي قضى الإسكندر الأكبر على دولته في عهده. واستندت في ذلك إلى رواية التوراة. وأثبت أن وثنية الإسكندر وسيره المعوج وأخلاقه لا تتفق ووصف القرآن الكريم لذي القرنين الذي كان مؤمناً

ويظن الأستاذ أن ديانة الفرس كانت الوثنية، والحقيقة غير ذلك؛ إذ كان الملك كورش ومن جاء بعده إلى الملك دار الثالث على دين زرادشت نبى الفرس الذي كان يقول إنه رسول الله بعثه ليزيل ما علق بالدين من ضلال وليهدى إلى الحق، وكان لهم كتاب مقدس يسمى أوستا ولما انتصر الإسكندر على الفرس كان ذلك ضربة لهذه الديانة، ثم انتعشت بعد ذلك في العصور الأخرى وظلت باقية إلى وقت دخول المسلمين فارس برغم ما طرأ عليها من التحريف. ولقد عاملهم المسلمون في الفتح معاملة أهل الكتاب وعدوا كتابهم كأنه كتاب منزل. وجرى سيدنا عمر رضى الله عنه على ذلك لما روي له الحديث (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) (اقرأ كتاب المسعودى وكتاب ودين زرادشت يؤمن بوحدانية الله والجنة والنار والصراط والأعراف (اقرأ كتاب صبح الأعشى وكتاب الأستاذ والملك كورش هو الذي أمر بإعادة بناء معبد أورشليم لليهود، وكان قد هدمه أحد ملوك بابل من قبل. وجاء بعده الملك قمبيز الذي بمجرد أن فتح مصر هدم معابد المصريين وحطم أصنامهم ومعبوداتهم وقتل بنفسه العجل أبيس (اقرأ كتاب

أما الإسكندر الذي يريد الأستاذ أن يلصق به لقب ذي القرنين بالإكراه كما فعل بعض المؤرخين من قبل، فلقد كان متهتكا يميل إلى النساء والترف وحب الشهوات وشرب الخمر وقسوة القلب وسفك الدماء؛ وكانت قسوته تزداد حتى تصير ضرباً من الجنون إذا شرب الخمر. ولقد قتل وهو نشوان كليثوس صديق أبيه وكثيرين غيره. ولم يكن موته وهو في عنفوان الشباب إلا نتيجة شراهته في الشراب، فلقد تراهن مع قواده على شرب الخمر طول النهار فمرض بحمى قضت عليه. وأوصى وهو على فراش الموت أن يدفن في معبد الإله (مون بسيوة) لأنه كان يدعى انه ابن هذا الإله (كتاب وكتاب فهل بعد هذا نقول عنه إنه غير وثنى. وهل يتفق هذا مع ذي القرنين المذكور في القرآن الكريم الذي جعله الله في مصاف الأنبياء تقريباً؟ فلو وافق على ذلك مؤرخو العصور القديمة، عصور الجهل والظلام فنحن لا نوافق عليه الآن ونحن في القرن العشرين عصر العلم والعقل والنور والمدنية

وآيات القرآن الكريم تنطبق على الملك كورش بشكل مدهش، فلقد أسس دولة عظيمة واتجه غرباً أولاً، حتى وصل إلى البحر واستولى على روسيا وآسيا الصغرى، ثم اتجه بعد ذلك شرقاً، حتى وصل إلى بلاد الهند وبلاد التركستان حيث توجد آثار السد القديم ولا يزال مكانه بين جبلين ويسمى دربندر أي السد. أما الإسكندر فإنه اتجه شرقاً أولاً ثم اتجه جنوباً ولم يتجه غرباً إلا عند فتحه مصر، ومرة أخرى عند عودته من الهند. مع أن القرآن الكريم ينص على أن ذا القرنين اتجه غرباً أولاً ثم بعد ذلك اتجه شرقاً. وهذا خلاف واضح صريح. ومع ذلك فالتوراة صريحة في ذلك أيضاً. وهى تنص صراحة على أن المقصود بذي القرنين ملوك دولة فارس؛ والمقصود بذي القرن الواحد ملك من ملوك اليونان. فكيف نكذب التوراة ونصدق الآخرين، في حين أن التوراة هي مصدر هذا اللقب. ولقد نزلت آيات القرآن الحكيم عن ذي القرنين بناء على سؤال اليهود للنبي عن ذي القرنين المذكور عندهم في التوراة. فهل بعد هذا دليل أو برهان؟

وأخيراً أصحح كلمة تيمورلنك التي ذكرتها سهواً في مقالي السابق وكنت أقصد جنكيزخان زعيم التتار الذي قضى على الدولة العباسية هو وهولاكو من بعده.

الدكتور إبراهيم الدسوقي

حول تراث اليهود

اطلعت في عدد مضى من الرسالة الغراء على ما كتبه الأستاذ عبد المتعال الصعيدي رداً على الأستاذ طه الساكت الذي يدعى رجوع الإسرائيليين إلى مصر بعد خروجهم، وحكمهم لها استناداً إلى ما جاء في بعض أقوال المفسرين، وبياناً للحقيقة أقرر أن اليهود لم يعودوا لمصر بعد خروجهم منها رغم أنهم طلبوا ذلك من الرسول موسى عليه السلام، بع أن تأكد لديهم اعتزاز الكنعانين في بلادهم وتحصين مدنها، فما جعلهم يجبنون عن محاربتهم. كما بين ذلك القرآن الكريم في قوله: (قالوا يا موسى أن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها ما داموا فيها)

وفي تاريخ برستد في الجزء الخاص بالخروج يحدثنا فيقول: ولما خرج الإسرائيلين من سينا ساروا رويداً حتى وصلوا إلى حافة الصحراء التي تحد عبر الأردن، وأراد موسى الدخول بقومه إلى أرض كنعان، فأرسل رجالاً يتجسسون له، فأتوا، جدون (الخليل) ثم عادوا إليه عبر الأردن وقالوا: إن الشعب في عزة والمدن في مناعة. ويؤيد ذلك القرآن

وهنا يبكي الشعب ويطلب الرجوع إلى مصر، فيحكم عليهم الرب بالتيه أربعين سنة يرعون الغنم في البرية، حتى يموت ذلك الجيل. ثم يذكر رحلتهم إلى أرض أدوم، وموت هرون، وتركهم عبادة الله إلى الأصناف وتعذيبهم بسبب ذلك، ولا يذكر عن رجوعهم إلى مصر شيئاً ولو حدث لما أهمله. ويقول الأستاذ شاهين مكاريوس بك في كتابة تاريخ الإسرائيليين:

وأصابهم في مدة تيههم هذا أمور ومحن كثيرة يضيق بنا المقام عن استقصائها، أخصها فناء الجيل الذي خرج من مصر، إلا رجلين فقط. وقيامهم على موسى يطلبون العودة إلى مصر واطراحهم عبادة الله والاستعاضة منها بعبادة الأوثان، فنزلت بهم الضربات والأمراض حتى تابوا، ولما صاروا على مقربة من أرض الوعد توفى موسى، وعهد بالقيادة إلى يشوع بت نون.

دار العلوم

كامل السوافيرى

إلى الأستاذ محمود تيمور

سيدي الأستاذ الجليل

في 19 مارس 1943 كتبت إلي تقول: (. . . ويؤسفني أن أخبركم بأنني فوجئت بمرض أبني (سعيد) ونقله إلى المستشفى لإجراء عملية استئصال (الزائدة الدودية) له؛ فأرجو أن أتمكن من الاتصال بكم بعد أيام وأنا مطمئن القلب منشرح الخاطر. . .)

وفي 22 مارس، أي في اليوم الثالث لهذه المفاجأة هصرت المنية غضن (سعيد)!. . . فأي أسى ألم بساحتك، وأي إحساس طاف بقلبك، وأنت تشهد هذا المصاب الأليم؟. . . وكيف انتزعت يد الموت السوداء هذا الغصن الرطيب من دوخته لتزين به فردوس السماء؟

حقاً إنها فاجعة، ولكنك يا سيدي رجل عظيم، والعظماء غرض الأقدار ومطمع الأيام، يبتليهم الدهر فيصبرون، ويمتحنهم فيصمدون، ويصارعهم فيصرعونه؛ فاصبر صبراً جميلاً، فلك عظيم المثوبة والأجر، ولابنك الراحل إلى جوار ربه رفيع الدرجات وخالد الذكر؛ والله من قبل ذلك ومن بعد ذلك يقول: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والرجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون) صدق الله العظيم

أحمد الشرباصي