مجلة الرسالة/العدد 506/الذكرى الباسمة
→ السيدة سكينة بنت الحسين | مجلة الرسالة - العدد 506 الذكرى الباسمة [[مؤلف:|]] |
المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم ← |
بتاريخ: 15 - 03 - 1943 |
لشاعر العاطفة والوجدان جان ريشبان
للأستاذ عبد العزيز العجيزي
لن أنسى لك أبداً أول حديث في الحب،
فعلى الرغم من انصرافي إلى الصلوات،
إلى الحسرات وتأوهات الضمير، سأجثم كابياً؛
غير جائل بالفكر فيما يثير الفزع في نفسي، بل
سابحاً بخاطري في ذكرى ليلة مقمرة ولت ولم تعد
لن أنسى لك أبداً أول مناغاة ساحرة،
ولا ما ألاقيه من عنت الزمان وتتابع الحدثان
وغفلة النسيان، ولا من تكدير الصفو وعبوس
الجو؛ فقد طويت صفحات حظي طياً،
لأوْدع في ثناياها فؤاد وردتي الناعسة.
لن أنسى أبداً أول عُرس لربيع أيامنا، حينما
لمع لي سنا عينيك وبدا أشد فتنة وخلابة وإغراء
من السماء الصافية، والغابة الزاهية، والشمس
الغاربة؛ حينما قبلت عبير الهوى المترقرق من ثغرك
الباسم. لن أنسى ذلك أبداً وإن غيبتني المنون. . .
الأطيار سكرى بسلاف شفاه الأزهار،
والأغاني والأغاريد راقصة على خدود الورود،
لا لشيء سوى ارتشاف عذب نغمات هوانا.
فواهاً لهذا الطير وواهاً لهذا الزهر!
بل واهاً لغرامنا الجامح وحبنا الهائم! في نشوة تلك الساعة غاب صوابنا حتى عن
حمد الله، وتوهمنا اللحظات تمضي على رِسلها
بينما الحب مقيم دفين، فرتبنا لقاء الزمن الوليد
ترتيب العصفور لو كره. مسكين! مسكين أيها
الطفل الوليد؛ فقد أخذتنا غفوة سمعنا فيها
هتاف صوت يردد: كل شئ لا يغني.
لكن، أواه! إني لا أروم إثارة أحزاني وأشجاني.
أواه حبيبتي! أواه رفيقة صباي! أواه ليلاي!
سوف يُنفخ دائماً في مزمار آهاتي وشكاتي.
سوف أتنقل في روض ذكراك، جانياً
قطوف حلاوتك وأفاويق عفتك، متنسما شدى
قبلاتك المناجية مناجاة قبلات القمر الحالم.
أهيم بذكرى قدك الرخص البارع، وغصنك
المعتدل الفارع، ذكرى جسدك الذي مازج
أشواقي في معبدها الروحاني، ذكرى أريج أديمك
الأشد من رحيق عتيق المدام، ذكرى الأزهار
الفواجة بمداعبة جيدك الأندى من الفجر؛ ذكرى
مرقدنا الحاقد على هوانا، الملتهب غيرة وحسداً.
أهيم بذكرى أيامي السادرة في ثنايا عمري،
ويغمرني عُباب ذكرياتي المقدسة. وحين يشتعل
رأسي شيباً، ويغضن الهرم وجهي، وأصبح مثل
(كاساندر) سأستمد الدفء من قبس
ربيع حياتي؛ وسألتمس دائماً حرارة
هذا القبس من تحت ذرات الرماد.
عندما يهب إعصار الفناء، وأحس برد الموت يتمشى فيّ، سأذكر ربيع عمرنا الطلق النضير.
وألفظ حين ذاك النفس الأخير، فيخبو
سراج ذكراي، وتنعم هنالك روحي بالضوء
السنى في هيكلها النوراني، وأودع الحياة في
موكب الذكرى ناعم البال، إلى أفق باسم لألأء.
(المنصورة)
عبد العزيز العجيزي