مجلة الرسالة/العدد 502/السيطرة على الجو
→ ابن خلدون مؤرخ الحضارة العربية | مجلة الرسالة - العدد 502 السيطرة على الجو [[مؤلف:|]] |
المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم ← |
بتاريخ: 15 - 02 - 1943 |
للأديب عبد المنعم محمد الزيادي
(بقية ما نشر في العدد الماضي)
(بيض) القاذفات
والبيض هنا هو القنابل في عرف الأمريكيين! أما القنابل المتفجرة العادية فلها غلاف ثقيل ينقسم إلى شظايا كثيرة تتطاير بمجرد انفجارها. وهذه القنابل تستعمل خاصة ضد الأفراد. وإذا انفجرت قنبلة من هذا النوع زنتها مائة رطل، فإن شظاياها تتطاير في دائرة نصف قطرها خمسون ياردة. أما قنابل المهابط (الباراشوت) - وهي تستعمل ضد الأفراد كذلك - فتلقيها الطائرات عندما تكون على ارتفاع يقل عن ثمانمائة قدم، ولا تستطيع حينئذ أن تلقى قنابل متفجرة عادية خشية أن تصيبها شظاياها. فقنابل المهابط تتخذ طريقها ببطء متأرجحة في الهواء إلى أسفل ولا تنفجر حتى تكون القاذفة قد ابتعدت تماماً. ويمكن كذلك أن تهيأ لتنفجر وهي ما تزال في الهواء حتى تنشر شظاياها على الأفراد الذين يحتمون بالخنادق المكشوفة التي قد تقيهم شر القنابل المتفجرة العالية. أما القنابل المدمرة فلها غلاف رقيق يصلح لأن يحملها سليمة خلال أسطح المباني التي تمر خلالها، ثم تأخذ حمولتها من المواد الشديدة الانفجار في التدمير والتحطم بمساعدة ضغط الهواء الشديد الذي يتولد مع سقوطها. ويقرر الخبراء أن مثل هذه القنبلة لو قدر لها أن تدفن في الأرض قبل انفجارها، فإنها عند انفجارها تنسف الأرض بمعدل نصف ياردة مربعة من المواد المتفجرة التي تحملها؛ وهي تحمل من المواد المتفجرة ما بين 250 و1000 رطل
(سلة خبز) مولوتوف
اكتشف الروسيون أن القنابل المحرقة تكون أشد فتكا إذا ألقيت على البناء الذي تمزق بفعل القنابل المدمرة، وعلى هذا الأساس اخترعوا (سلة خبز) مولوتوف. وهذه السلة تشبه من الخارج القنبلة العادية تماماً. وتحتوي في داخلها على 20 أو 30 أسطوانة صغيرة تحمل مواد محرقة وقنبلة مدمرة عادية في الوسط. وتسقط القنبلة المدمرة من السلة على ارتفاع معلوم فتنتشر الاسطوانات المحرقة حولها فسرعان ما تلتهب قطع الخشب أو القماش أ الورق التي تناثرت بفعل القنبلة المتفجرة. وربما كانت القنبلة البطيئة الانفجار هي أفظع وأشد أنواع القنابل فتكاً؛ فعندما تصطدم القنبلة بالأرض، يحدث التصادم كسراً في زجاجة ملأا بحامض يبدأ في شق طريقه خلال حواجز معدنية قابلة للذوبان فيه حتى يصل إلى المادة المنفجرة، وإذ يختلط بها يحدث الانفجار. وبالتحكم في سمك الحوائط المعدنية يمكن تنظيم وصوله إلى المادة المتفجرة في خلال بضع ساعات أو بضعة أيام إذا أريد ذلك
فوق الهدف
يصعب - بطبيعة الحال - أن تختفي مدن بأكملها عن أنظار القاذفات. وقد استعمل الطلاء (الكاموفلاج) للوقاية من الغارات الجوية في الحرب العظمى الماضية، فكانت الخطوط الجوية الكثيرة الملونة - على هيئة حمار الوحش - على أرض السهول والوديان تحدث اضطراباً شديداً للرائي. وقد وجد خبراء الوقاية أن هذا الخلط بين الألوان شديد التأثير على الملاحظين الجويين، لذلك طلوا أسطح المباني الهامة بلون الحشائش أو الأحجار المجاورة كما غطوا الحوائط الجانبية بكروم اصطناعية. وقد أصبحت ترسانة (ولويتش) غاية في التنكر بفضل ما نما حولها وفوقها من الحشائش، حتى لقد أصبح عمالها يسمونها (بالبيت الأخضر).
ومن المعروف أن المركبات السريعة هدف سهل للطائرات المنخفضة، لكنه أصبح في الإمكان جعلها (غابة متحركة) - كما قال أحد عامة لندن - وذلك بنثر الأوراق والأغصان والشجيرات على جوانبها وأسطحها. فإذا سار صف من هذه المركبات المتنكرة في الطريق بجانب صف من الأشجار، استطاعت أن تحتجب تماماً عن أعين الطيار الملاحظ. ولقد جد البريطانيون والألمانيون على السواء في الاهتمام بالإظلام الليلي، وذلك لسبب وجيه؛ فقد دلت التجارب على أن عود الثقاب الملتهب يمكن رؤيته على ارتفاع نصف ميل، كما أنه يمكن برؤية المصباح المضاد على ارتفاع ميل وربع بوضوح تام، والنافذة المضاءة على بعد 12 ميلاً. إلا أن هناك أشياء لا يمكن إطلاقها تماماً؛ فالموانئ وخطوط السكك الحديدية لابد أن يظهر منها بعض الضوء. وأشد من ذلك وأنكى مجاري الأنهار، فإنه في أشد الليالي ظلاماً يظهر النهر كشريط ضيق لامع يرى في جلاء ووضوح. ولا يمكن لأشد الاحتياطات إحكاماً أن تخفي الهدف تماماً إذا أخذت له صورة واضحة من الجو، فالطباعة السوداء والبيضاء تظهر الوديان والسهول بوضوح، كما تكشف خداع الألوان الذي قد يخدع العين المجردة. ولما كان من الصعب أن تقترب الطائرات من القواعد المهمة خلال النهار لتصويرها، فإن فن التصوير الليلي قد تطور كثيراً. فعندما تصبح الطائرة المنكشفة فوق البقعة المراد تصويرها، يلقى المصور قنبلة من المغنسيوم، وهذه تنفجر في الجو على ارتفاع معلوم فتخرج ضوءاً ناصع البياض. وإذ يبلغ الضوء أقصى شدته بسبب حركة في غطاء عدسة آلة التصوير، فيتم التقاط الصورة من تلقاء ذاتها. وفي إحدى الصور التي أخذت على ارتفاع 1200 قدم ظهرت كل شجرة في نصف قطر طوله ثلاثة أميال بغاية الوضوح والجلاء
الهبوط إلى الأرض
لجنود المهابط الذين يسبق نزولهم غزو إحدى الجهات كما للجنود الذين تظلهم الطائرات قيمة عملية عظيمة الشأن؛ فهم يحتلون المطارات الهامة أو يخربون المنشئات العسكرية ويربكون العدو إرباكاً له قيمته للجيش المهاجم. لذلك أهتم الحلفاء بالإكثار من فرق هؤلاء الجنود وإحسان تدريبهم. وتحتاج الوحدة المهاجمة من جنود المهابط التي يبلغ عدد رجالها الألف، إلى نحو 125 طائرة. تأتي في المقدمة ثلاثون منها من قاذفات القنابل أو المنقضات، تتبعها عن كثب عشرة من ناقلات جنود المهابط ثم خمسون طائرة من ناقلات الجنود حمولة الواحدة منها 25 جندياً لنقل رجال القوة النظامية، في حين تحمل خمس طائرات أخرى عتاد هذه القوة الثقيل وهو يتكون عادة من 150000 شحنة من الذخائر، 30 موتوسيكلا، 367 مدفعاً رشاشاً، وستة مدافع مضادة للدبابات. ويحرس هذه القوة عدد من المطاردات يبلغ الثلاثين أو أكثر. فإذا ما بلغت القوة الهدف بدأت المدافع الرشاشة تصليه ناراً حامية حتى تقضي تماماً على مقاومة رجاله. ثم تنزل قوة من رجال المهابط يتراوح عددها بين مائة وثلاثمائة جندي؛ ويفصل بين نزول جندي ونزول الأخر ثلاث ثوان بحيث يهبطون إلى الأرض في جماعات صغيرة. ويحمل كل خمسة منهم مدفعاً رشاشاً صغيراً كما يحمل كل منهم مسدساً، فإن البنادق والمدافع الرشاشة غالباً ما تسبب كسراً في أذرع أو أرجل الجنود الهابطين، فأصبحت هذه المعدات تلقى على حدة في شحنات بواسطة مهابط تقل في مساحتها عن المهابط (البارشوات) العادية سهلة الفتح من تلقاء ذاتها. وبمجرد أن يسيطر جنود المهابط على الهدف المقصود تتصل الوحدة الجوية بالقوة الرئيسية التي تهبط في نظام دقيق. فلا يمضي سوى ساعة واحدة حتى تكون القوة قد بدأت الزحف. أما جندي المهابط فيتلقى تدريباً حربياً يفوق كل ما يناله جندي آخر في الخدمة العسكرية. فالمراد من تدريبه أن يعرف كيف يهبط إلى الأرض دون أن يؤذي نفسه، وكيف يختار أحسن الأمكنة لنزوله. وهو يستعمل لذلك نموذجاً معقداً يبين الأراضي الصعبة ومكانها. والمفروض في كل رجل أن يكون خبيراً بفن الإشارة وقيادة الطائرات. ويجب أن يكون تام التدريب على كيفية استعمال الأنواع الأجنبية من المدافع الرشاشة والأسلحة الأخرى التي يمكن أن يغنمها. من ذلك ترى أنه لا يصلح سوى أشد الناس ذكاء وسرعة خاطر لهذا الطراز من القتال
أسلحة لمركبات الجو
ما برح سلاح الطيران الملكي البريطاني يرفع من شأن المدفعية الجوية من حيث الدقة والمقدرة على الفتك والتخريب. فإن قائد مطاردة من طراز (سبيتفاير) يستطيع بتصويب طائرته نحو الهدف بمساعدة المنظار ثم الضغط على الزر الخاص، أن يطلق 120 طلقة في الثانية من ثمانية مدافع رشاشة مثبتة في جناح الطائرة. وهذه المقدرة الفائقة على إطلاق النار من مستلزمات سرعة المطاردة التي لا تمكن المدفعي من أن يبقى فوق هدفه لأكثر من ثانية أو ثانيتين في كل مرة يزوره فيها. والمدافع موضوعة بحيث تلتقي خطوط نيرانها على مدى بضع مئات من الأقدام أمام الطائرة. وقد اخترع سلاح الطيران البريطاني (طابية) تركب على القاذفة وبها أربعة مدافع أو أكثر تدور بدورانها وهذا يمكن المدافع من أن تطلق نيرانها في أي اتجاه. وهذه الطوابي توجد على ذنب القاذفة وجسمها ومقدمتها. وتستعمل هذه المدافع كلها أثناء القتال رصاصاً يترك وراءه أثراً. فمقدمة الرصاصة ملأا بمركب فسفوري فإذا انطلق في الجو تركت أثراً واضحاً من الدخان في النهار أو من النار في الليل. فإذا كان بين كل خمس رصاصات واحدة من ذوات الأكثر أمكن للعين أن ترى وتتبع خط الضرب. ولا يخفى أن رؤية الإنسان أين يضرب من الأهمية بمكان عظيم وبخاصة في المدفعية الجوية الحديثة حيث سرعة عمليات الهجوم والدفاع عظيمة يكاد يكون من المستحيل تتبع الهدف في البقعة التي يحددها المنظار أصديق أم عدو؟
لكل طائرة علامة أو أكثر للتعرف عليها إن كانت صديقة. وهي غالباً ضوء صغير في الذنب والقاع، ويمكن أن يصحبه مفتاح تلغرافي بجانب القائد. وتعطى علامات التعارف هذه للطيارين جميعاً في كل ليلة لتكون بمثابة كلمة المرور بين الطائرات وبعضها أو بين الطائرات وبطاريات المدافع المضادة. فقد يرى قائد في سلاح الجو البريطاني يقوم بأعمال الدورية مثلاً إشارة غريبة في طائرة أخرى مرت به قد تكون معادية. وعندئذ يضئ بإشارة التعارف فإذا رد عليه الآخر بالإشارة المتفق عليها تابع سيره، وإذا لم تكن الإشارة بما يتوقعه تحسس تواً زر مدافعه الرشاشة.
عبد المنعم محمد الزيادي
معهد الصحافة بالجامعة الأمريكية