مجلة الرسالة/العدد 502/البريد الأدبي
→ في ظلال النيل | مجلة الرسالة - العدد 502 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 15 - 02 - 1943 |
هل هو نوارد الخواطر؟
المنابع الثرة التي تفيض منها جداول التفكير البشري قاطبة هي في حقيقة الأمر واحدة؛ وهذه المنابع الفياضة هي هذه العواطف المشاعة بين بني الإنسان كافة من سرور وحزن وحب وبغض، وأمل وألم. الخ.
فهذه العواطف المشاعة بين كل الناس وهي التي تسيطر على اتجاهاتهم النفسية فتنعكس صورها على - مرايا - ما ينطقون وما يكتبون، والاختلاف والتمايز في الكتابة والمنطق إنما يجيئنا من بعد ذلك فهما ينتجان من طرق التعبير والتصوير، ومقدار استيعاب الفكر والقلم لما تلتقطه عدسة المخيلة من صور وأشباح وانطباعات وتأثرات. وفي هذا الميدان تتبارى فرسان الكلام، فيتقدم سابق، ويتأخر لاحق؛ وفي هذا المجال نتعرف بلاغة البليغ وإسفاف المسف ولون كل منهما. ذلك لأن لكل واحد منهم مشربه الخاص لا يشاركه فيه سواه وإن اتحدت الغايات والمعاني في أغلب الأحيان. وعلى هذا فإننا إذا وجدنا مقالتين أو قصيدتين اتحدتا في كل شيء في اللفظ والأسلوب والمعنى فيحق أن يستوقفنا هذا الاتحاد. لأنه إما أن يكون منشؤه من (توارد خواطر) نادر المثال. أو من هجوم أحد الكاتبين أو الشاعرين على نتاج زميله وهذا ما يدعى بالسرقة في اصطلاح أهل البيان
أثار هذه الخواطر سياحة عملتها في ديوانين حديثين هما (الملاح التائه) للأستاذ الشاعر المبدع علي محمود طه. و (نسمات الربيع) للأستاذ صالح الحامد العلوي
وبحق أقول، إن كلا الديوانين خصب ممتع للنفس والفكر، وكلا الشاعرين مجدد أو يحاول التجديد فيما هو بسبيله. وقد راقتني في أثناء (سياحتي) هذه قصيدة في أول الديوانين بعنوان (غرفة الشاعر) تبدت لي في جمالها الخاص واتساقها وروعة فنها كالروض الأغن باكره الغيث في أيام الربيع فابتسمت زهوره من فوق الغصون فتنة للناظرين
وقد تلوت هذه القصيدة مراراً فيما بيني وبين نفسي وأنشدتها تكراراً لبعض زملائي من الأدباء. وحازت من إعجابنا جميعاً ما جعلنا نبتاع الديوان الذي يضم (باقتها) العاطرة تقديراً لأريجها الفواح
ثم ماذا؟ ثم بعد أيام تناولت ديوان (النسمات) وسحت في رياضه وغياضه مستقبلاً عذب نسماته، فإذا بي أعثر فيه على قصيدة تماثل تلك التي اقتطفتها من روض (الملاح التائه، أو بحره. وهي تحمل عنواناً دانياً من عنوانها هو (صباح الشاعر، وتحمل معاني وأهدافاً ووزناً وألفاظاً مثلها. فأستوقف نظري هذا (التماثل) الغريب واحتار فكري أمام هذا - الاتحاد - المريب. فهل هو يا ترى من باب (توارد الخواطر أو يدخل في (الباب الآخر)؟
(مكة المكرمة)
عبد القدوس الأنصاري
أيها الشاعر استفق ذهب الليل ... فقم ويك حي نور صباحك
الرسالة والورق
لِمَ يا أيامُ غيْبتِ الرسالةْ ... مشرع الحق الذي أجرى زلالهْ
والربيعَ الطلق في إشراِقه ... ناشراً في صفحةٍ الكون جمالهْ
والسنا اللماحَ في أنوارِه ... ضربَ العِلم على أيدي الجهالهْ
(ورق الطبع) لئن غابت فمن ... بعدها يحملُ أعباَء الرسالهْ؟
مصطفى علي عبد الرحمن
في العلاقة اللفظية بين اللغات
إن التشابه اللفظي بين بعض كلمات من لغات مختلفة، حقيقة قد تثير الدهشة لدى الكثيرين؛ ومن السهل والطريف معاً تتبع ذلك عند من يلم بأكثر من لغة واحدة. على أن التعليل لهذه الظاهرة يسير واضح يتلخص في أن الحروف التي تتحرك بها عضلات اللسان محدودة لا تتجاوز الثلاثين، في حين تتنوع لغات البشر وتتعدد، ويرتفع عدد الكلمات في بعضها إلى عشرات الألوف ومئاتها. فإذا قلنا نحن (نير) مشيرين إلى هذه الأداة التي توضع على عاتق الثور، قال الإنجليزي يعنون الداني أو القريب. . . وهكذا.
ويبدو لي أن عالمنا اللغوي الكبير الأستاذ (الأيوبي) يستقري أمثال هذه الكلمات الأعجمية - خلال بعض إجاباته - قاصداً ردها إلى أصل عربي قد لا يرتبط بها في شيء إلا أن يشبهها في بعض الحروف.
ونحن مع شكرنا له على غرضه النبيل من هذا المجهود نقرر أن أصحاب كل لغة هم أدرى الناس بمنابع ألفاظها وأصول اشتقاقها. فذا قلنا للفرنسي إن كلمتكم مأخوذة من كلمتنا (سليط)، فأنكر وقال: بل هي مشتقة من بل هي مشتقة من كان من الواجب علينا أن نكذب أنفسنا ونصدقه، ما لم تكن حجتنا على هذا الأخذ قوية.
فكيف والظاهر يؤيده والتاريخ اللغوي يصدق زعمه؟!. . .
هل يريد أستاذنا الكبير أن يقول إن العربية أقرب إلى هذه اللغات من أصلها اللاتيني؟. . . ذلك ما لا نظنه.
وإننا حين نكتفي من المعجم الأوربي بقوله إن لفظة (كذا) مشتقة من الأصل اللاتيني أو اليوناني (كذا) يجب ألا نكتفي ممن ينسب هذا إلى العربية بغير الدليل التاريخي القاطع، ولا عبرة بالمشابهة اللفظية كما أوضحنا.
يضاف إلى هذا أننا نجد الألفاظ العربية الدخيلة في هذه اللغات منصوصاً عليها في معاجمها، مع ذكر خطوات اشتقاقها إن أمكن تتبعها، فلم يعد من حقنا بعد كل هذا أن ننسب إلى لغتنا لفظاً أجنبياً، ما لم تنص على ذلك معاجم القوم، أو يقم الدليل القاطع من عندنا على صحة نسبته إلى لغتنا. . .
ذلك رأيي الخاص في هذا الموضوع، وللأستاذ الكبير أن يؤيده أو يفنده. وأعود إلى إجابته الأخيرة عن (المقرونة) وما ذكره من أنها هي التي يقال لها اليوم مكرونة: إن هذا كلام يعوزه الدليل وتنقصه الحجة القاطعة. والذي تذكره المعاجم الموثوق بها، ويؤيده العقل أن هذه اللفظة الإنجليزية تحريف للاسم القديم الأخير مشتق من الفعل. يسحق أو يتيسر لنا أن نثبت وجود علاقة صحيحة بين المقرونة العربية وهل كانت المقرونة - وهي التي يقول الأستاذ إنها من طعام أهل الجاهلية - معروفة لدى الشرقيين بنفس الاسم، عندما اتصل بهم الإيطاليون، وبادلوهم منافع السلم وفواجع الحرب؟
ذلك ما نطالب أستاذنا الكبير بإثباته قبل التسليم له بوجهة نظره، وثمة شيء آخر أحب أن أذكره، وهو أن الإنجليز يطلقون اسم الشعر على نوع من النظم الفكاهي عندهم يتألف من مزيج من الألفاظ بعضها أوربي حديث وبعضها لاتيني قديم. وفي قاموسنا المحيط للفيروزبادمي نجد ما نصه: والمقرون من أسباب الشعر ما اقترنت فيه ثلاث حركات بعدها ساكن، كمُتفا من متفاعلن وعلتُن من مفاعلتن) فهل الشعر (المكروني) عندهم منقول من شعرنا هذا المقرون؟! إن الأخذ بمجرد التشابه في اللفظ قد يدفعنا إلى إصدار ذلك الحكم؛ وما نشك أن السير في تلك السبيل ينتهي بنا إلى تسجيل مفارقات مضحكة لا نستسيغها إلا أن تجيء على سبيل الإضحاك ليس غير. أما أن نقصد بها الجد كل الجد، ونرمي بالنظر فيها إلى البحث العلمي الصحيح، فذلك أمر فيه نظر. وأي نظر
وفي انتظار (إجابة) أستاذنا (الوحيد) نتوجه إليه بعاطر التحية وأذكى السلام.
محمود عزت عرفة
تكريم كتاب تركيا
من أنباء استانبول أن معالي حسن علي يويل وزير المعارف التركية افتتح الاحتفالات بالعيد الخمسيني الذي أقيم في جامعة استانبول لتكريم كتابها الذين ظلوا 50 عاماً يسدون الخدمات الجليلة للأدب التركي
وقد بدأ معظم الكتاب المحتفل بهم حياتهم الأدبية رازحين تحت نير أسوا عصور العسف والجور أيام حكم السلطان عبد الحميد الذي كان يخاف ويخشى جميع ألوان التثقيف، ويقف سداً منيعاً في سبيلها. أما احتفال أمس فقد جرى في جو على نقيض ذلك العهد الغابر
وكان في طليعة المحتفل بهم الأساتذة حسين جاهد يالشين الكاتب والروائي الشهير وهلال زيا والشاعر محمد أمين
وقد ألقى الأستاذ حسين يالشين خطاباً أشار فيه إلى الأوقات العصيبة. ثم نصح الشباب بألا يصغوا إلا إلى صوت ضميرهم فقط وأفضى الأستاذ بعد انتهاء الاحتفال بحديث إلى وكالة الأنباء العربية قال فيه: (إن حوادث اليوم واحتفالاته لهي خير جزاء عن الخمسين عاماً التي قضيتها أميناً على خدمة مثلي العليا وضميري)
الوطن والوطنية
ألقى حضرة صاحب العزة الدكتور محمد صلاح الدين بك رئيس (لجنة ترقيه التمثيل والسينما) حديثاً من محطة الإذاعة اللاسلكية عن الوطن والوطنية بمناسبة تمثيل الفرقة المصرية رواية (الوطن) للكاتب الفرنسي المعروف فكتوريان سارد وقد استهل حديثه القيم بأبيات حماسية من الشعر العربي في تمجيد الوطن وببعض الأحاديث النبوية والحكم النثرية. وقال إن الأدب شعراً ونثراً وكذلك القصة المسرحية تفيض بحوادث البطولة والتضحية في سبيل الوطن. ثم تحدث بعد ذلك عن رسالة الفرقة المصرية للتمثيل والسينما وواجبها نحو تثقيف الشعب وبسط موضوع رواية الوطن. واختتم حديثه قائلاً: (مثل هذه الرواية جديرة بالمشاهدة واستقصاء الحوادث. ولعل فيها اليوم مثلاً بليغ الدلالة على سمو النفوس التي تعاني البلاء في سبيل نصرة الحق والعدل وإعلاء كلمة الديمقراطية والحرية)
من شعر حافظ المنسي
ساق إلى القدر هذه القطعة الفكاهية النادرة من شعر المرحوم حافظ إبراهيم في صحيفة من مجلة قديمة قدم إلى فيها أحد الباعة بعض الحاجات، وهذه القطعة لم تنشر في الديوان القديم ولا في الجديد
واعتقد إن الدكتور مبارك ربما كان يعلم من يعرض به المرحوم حافظ في أبياته، وهذه هي الأبيات:
حدثونا بأن قرداً مُسِناً ... لبس الخزُّ مرة واختالا
وأتى للطيور في يوم عيد ... وهي من بهجة تفيض جمالا
قال إني أبو الجمال وثوبي ... شاهد جل صدقه وتعالى
قالت الطير: أيها القرد مهلاً ... أنت تبغي من الحياة محالا
كل ثوب إلى البلى ثم يبقى ... جوهر النفس للعيون مثالا
أنت قرد وإن سرقت من الطا ... ووس ذيلاه ومن حلاه جمالا
أحمد محمد حمد
الوطن
كانت الجيوش الأسبانية تحتل بلاد الفلمنك (بلجيكا وهولندا) حوالي عام 1567، وكان الدوق (ألب) نائب العاهل الأسباني لا يتورع هو وصحبه عن أن يذيق الأهلين كل أنواع التعذيب والموت والدمار؛ وكانت بروكسل عاصمة بلجيكا قد تحولت إلى معسكر لهم، وكان الوطنيون والخارجون على الكنيسة الكاثوليكية يزجون في السجون. ولكن هذا التعذيب لم يفت في عضد الوطنيين، ولم يثن عزمهم عن الكفاح والتضحية في سبيل الوطن
هذا هو موضوع رواية الوطن التي ألفها الكاتب الفرنسي المعروف فكتوريان ساردو وترجمها وأخرجها الأستاذ زكي طليمات وقدمتها الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى على مسرح دار الأوبرا الملكية في الأسبوع الماضي.
وقد أشترك في تمثيل هذه الرواية أقطاب التمثيل في الفرقة وفي مقدمتهم الأساتذة: حسين رياض، أحمد علام، زكي رستم. عبد العزيز خليل. عباس فارس. والسيدات: إحسان شريف وروحية خالد وغيرهم. وقام الممثلون جميعاً بأدوارهم على أكمل وجه ووفقوا كل التوفيق في أداء أدوارهم. وكأنما خلق كل منهم لتمثيل الدور الذي أسند إليه. وتلك غاية المقدرة فيما نرى
أما الإخراج فقد جاء آية بينة على مقدرة الأستاذ زكي طليمات المدير الفني للفرقة وإنه لجدير بكل تقدير وإعجاب
ولا يسعنا بعد ما ذكرنا إلا أن نقدم أصدق التهاني إلى القائمين على أمر الفرقة المصرية وعلى رأسهم صاحب العزة الأستاذ محمد صلاح الدين بك، ونتمنى للفرقة نهضة مباركة وتقدماً مطرداً في عهدها الجديد
عبد الفتاح متولي غبن