مجلة الرسالة/العدد 500/المصريون المحدثون
→ الفنون الجميلة | مجلة الرسالة - العدد 500 المصريون المحدثون [[مؤلف:|]] |
مقبرة الأحياء ← |
بتاريخ: 01 - 02 - 1943 |
48 - المصريون المحدثون
شمائلهم وعاداتهم
في النصف الأول من القرن التاسع عشر
تأليف المستشرق الإنجليزي ادورد وليم لين
للأستاذ عدلي طاهر نور
تابع الفصل الرابع عشر - الصناعة
إن طرق المساومة التي يتبعها المصريون في معاملاتهم تضايق كثيراً من لم يتعودها. فعندما يستفهم العميل عن ثمن سلعة، يطلب منه التاجر أكثر مما يرجو كسبه. فيستكثر المشتري السعر ويعرض على البائع نصف المبلغ أو ثلاثة أرباعه فيرفض التاجر؛ غير أنه يخفض سعره، فيعرض العميل بدوره مبلغاً زائداً نوعاً. وتستمر المساومة هكذا حتى يصلا إلى سعر وسط فتتم المبايعة. وأعتقد أن السائحين الأوربيين يذمون التجار المصريين بغير حق، وذلك بعد أن تحققت أن أكثرهم لا يكسبون أكثر من واحد في المائة. ويعمد من يجد سلعة توافقه ويبغي اقتناءها بثمن زهيد إلى المساومة مع التاجر طويلاً. فيصعد إلى مصطبة الدكان ويستريح، ثم يحشو شبكه ويشعله ثم يبدأ النقاش الذي يستمر طويلاً. وقد يقطع التاجر أو العميل المبايعة بأحاديث غير مناسبة كأنه عزم على ألا يناقش في الأمر أكثر من ذلك. ولا تلبث المساومة أن تعود. ويتناول خادم العميل من التاجر بعد إتمام الصفقة وانصراف سيده، نفحة صغيرة من المال. ولا يتردد الخادم في طلب هذه النفحة إذا لم يقدمها التاجر من تلقاء نفسه. ويقام في أغلب أسواق القاهرة مزايدات في أيام محددة مرة أو مرتين في كل أسبوع. ويتولى هذه المزايدات دلالون يستأجرهم أصحاب الشأن من الأفراد أو التجار. ويرفع الدلال البضاعة في يده معلناً الأسعار ويصيح: (حراج) وكثيراً ما يعمد أفراد الطبقة السفلى عند إتمام صفقات بأبخس الأثمان إلى الصياح والإشارات، فيظن من يجهل اللغة العربية أن طرفي المساومة يتشاجران وأن الغضب قد بلغ منهما أشده. وقد يستفهم المرء عن ثمن ما يبيعه الفلاحون فيقولون تقبله (هدية) واثقين أن المستفه يستفيد من قولهم هذا الذي أصبح من لغوا الحديث. ويكرر الفلاحون قولهم هذا عند الاستفهام مرة أخرى، غير أنهم يطلبون على العموم أسعاراً باهظة
من الممل أن أذكر جميع الحرف الشائعة هنا. وأصحاب أهم هذه الحرف: بائع الأجواخ وهو يبيع أقمشة الملابس أو الملابس الجاهزة، والأسلحة؛ ويطلق عليه في كلتا الحالتين اسم (التاجر) فقط. والجوهري والصائغ وهو لا يستغل إلا حسب طلب عملائه. وبائع الخردوات (الخروجي) والنحاس والخياط والصباغ والرفاء والحباك والعقاد وبائع الشبك (الشبكشي) والعطار وهو يبيع الشمع أيضاً، وبائع التبغ (الدخاخني) وبائع الفاكهة (الفاكهاني) والنقلي وبائع الشراب (الشربتلي)، والزيات ويبيع مع الزيت الزبد والجبن والعسل الخ. . . والخضري والجزار والفران، ويرسل إليه الخبز والحم للشي. ويوجد في القاهرة مطاعم عديدة يطهى فيها الكباب وأصناف مختلفة أخرى، ولكن قلما يتناول الناس طعامهم في هذه المطابخ وإنما يرسلون في طلب ما يلزمهم حين لا يستطيعون إعداد الطعام في منازلهم. وكثيراً ما يتناول التجار غداءهم وعشاءهم من هذه المطابخ. ويوجد أيضاً عدة دكاكين لصنع الفطير وغيره ويبع الفول المدمس. وقد وصفت هذين الطعامين في فصل سابق. ويتناول أفراد الطبقة السفلى طعامهم عند (الفطاطري) أو (الفوال)
يباع الخبز والخضر وغير ذلك من الأطعمة في الشوارع. ويناد الباعة المتجولون نداءات غريبة تستحق الذكر. فيصيح بائع الترمس. (مدد يا امبابي)، ويعني بهذا القول إما الاستعانة بالشيخ الامبابي وهو ولي مشهور مدفون في بلدة امبابة على الشاطئ الغربي من النيل تجاه القاهرة، وينبت بجوار هذه البلدة أجود الترمس؛ وإما الإشارة إلى أن ترمس امبابة لذيذ الطعم بفضل مدد الامبابي. ويصيح بائع الترمس أيضاً: (ترمس امبابه يغلب اللوز) أو يقول: (يا ما حلى بُنيَّ البحر)، ويشير هذا النداء الذي قلما يسمع في غير الأرياف إلى طريقة إعداد الترمس للأكل. إذ أنه ينقع في الماء يومين أو ثلاثة لتزول مرارته، ثم يغلى ويوضع بعد ذلك في قفة من الخوص تسمى: (فرد) يخاط عليه ويقذف به في النيل، حيث يترك يومين آخرين أو ثلاثة ينقع مرة ثانية. وبعد ذلك يجفف ويؤكل بارداً بعد أن يضاف إليه بعض الملح. ويصيح بائع الليمون: (الله يهونها يا ليمون) وكثيراً ما ينادى على اللب لب (عبد اللاوي)، وبذر البطيخ: (يا مسلي الغلبان يا لي) أو عادة: (اللب المحمص)، وينادى بائع (الحلاوة) وتصنع من تفل السكر الممزوج ببعض عقاقير نداء غريباً: (بمسمار يا حلاوة). ويقال إن بائع الحلوة يكاد يكون لصاً، إذ أن الأطفال والخدم يعمدون إلى سرقة الأدوات الحديدية من المساكن التي يسكنونها ليستبدلون بها الحلوى. ويصيح بائع البرتقال: (عسل يا برتقال عسل) ويستعمل بائع الخضر والفاكهة نداء مشابهاً، ويصعب على المرء أحياناً معرفة ما يباع ما لم يتبع قاعدة أن ما يباع هو الأقل جودة؛ فقولهم جميز يا عنب إنما يشير إلى بيع الجميز الذي يقل عن العنب جودة. ويستعمل بائع الورد نداء فريداً: (الورد كان شوك من عرق النبي فتح)، ويشير هذا إلى معجزة تنسب إلى الرسول. وتباع زهور الحناء الزكية بقولهم: (روايح الجنة يا تمر حنة). وهناك نوع من الأنسجة القطنية تصنع على آلة يحركها ثور. وتباع بقولهم: (شغل التور يا بنات)
عدلي طاهر نور