مجلة الرسالة/العدد 5/الله وراء كل شيء
→ في الليل | مجلة الرسالة - العدد 5 الله وراء كل شيء [[مؤلف:|]] |
في الأدب الشرقي ← |
بتاريخ: 15 - 03 - 1933 |
شقيت نفسه فضلت هداها ... وتجلى إلهها في هواها
زعمت أن طينها أزلي ... كذبتنا وحق من سواها
ولئام النفوس أن تلف مولا ... ها حفيا بها عصت مولاها
ضلة للعقول لم تك شيئاً ... ثم كانت فأنكرت من براها!
قف حيال السماء ليلا وسائل ... سفن النيرات من أجراها!
سفن موجها الأثير ولا يع ... لم إلا ربانها مرساها
جاوزت في العيون حد التقصي ... فتراها ولا تكاد تراها
أن تطالع أبصارنا مبتداها ... فإلى الله ربها منتهاها
واسأل الوردة اكتست كل لون ... من كساها ومن حباها شذاها؟
ألبستها الأوراق كف قدير ... فأرتنا لثم الشفاه الشفاها
أبرزتها عذراء من خدركم ... في حياء توردت وجنتاها
ودعتها مليكة الزهر لما ... ألبستها الرياض تاج نداها
فأصغ للجواب منها تجدها ... باسم من حاكها تحرك فاها
شجرات في الروض مشتبهات ... شهوة الآكلين فأطعم جناها
ذقت هذي فما أمر جناها ... ثم هذي فقلت ما أحلاها!
ما اختلاف الطعوم والماء فيها ... واحد، والتراب أصل غذاها؟
صاغها مثلما أراد بديع ... قد نفينا عن ذاته الأشباها
ثم سائل بلابل الأيك تشدو ... فيهز الأملاك لحن غناها
وتناجي القلوب وهي تغني ... فتذيب القلوب في نجواها
من بري هذه الحناجر عيدا ... ناً وأنشأ قيثارة في لهاها؟
أنه مبدع كسا الطير ريشاً ... وحباها في الجو ملكا وجاها
هذه النملة الدقيقة خلقاً ... كيف تسعى وكيف تبني قراها؟
هذه النحلة اكتست حبرات ... من طهي شهدها وسل حماها؟
قل لشمس النهار من جلاها ... واسأل الأرض من أدار رحاها؟
واسأل الريح كيف تسجي سحابا ... واسأل السحب كيف يهمي ح ثم سائل بروقها مشرعات ... هل تضج الرعود خوف أذاها
واسأل الدوح كيف شب لظاه ... واسأل الراسيات من أرساها
مدها في الثرى وأعلى ذراها ... قادر في غد يحل حباها
ضل في التيه من أبى الرشد تيهاً ... يا أخا العقل لا تكن تياها
يجهل العقل كنهه وهو عقل ... وجدير أن يدرك الا كناها
قل له ما الأثير وهو فضاء ... أن يحمل رسالة أداها؟
ثم ما الكهرباء وهي قريب ... منه وهو البعيد عن معناها؟
قل له ما ارتباط جسم بروح ... ظل فيها دراسة واكتناها؟
هل أعنا الأعصاب حين أصاخت ... أذناها وإذ رنت مقلتاها؟
أو أعنا للقلب نبضا ضعيفا ... تستمد الأبدان منه قواها
أو أعنا الأنفاس مطردات ... وهي في النوم لا تني رئتاها
إن خلف العقول ربا حكيما ... أودع الكائنات سر بقاها
عبد الغني المنشاوي - المدرس بالمدرسة الخديوية