مجلة الرسالة/العدد 494/البريد الأدبي
→ بين الحب والحظ | مجلة الرسالة - العدد 494 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 21 - 12 - 1942 |
من شاعر إلى شاعر
(أهدي الأستاذ الشاعر علي محمود طه نسخة من ملحمته
الرائعة (أرواح وأشباح) إلى صديقه الأستاذ محمد عبد الغني
حسن ولم يكن قد أتيحت له قراءتها إلا بعد أن سلم من ثورة
نفسية جامحة فأرسل إليه هذه الأبيات):
هذا كتابك أشباحٌ وأرواحُ ... شعر من النغم العلويِّ لمَّاحُ
فيه من الفنِّ إشراقٌ وتجليةٌ ... وفيه من ومضات الروح أوْضاح
فيه من السحر ما هاروتُ يصنعُه ... وخمرِ بابلَ ما لا تصنعُ الراح
أقررتَ عيني وعين المعجبين به ... بكل معنى إليه النفس ترتاح
الشعر ما الشعر إلا روضة عبقت ... وأنت فيها طليق الصوت صدَّاح
سريتَ في الشعر مَسرى الملهمين كما ... يسري نسيم على الأسحار فوَّاح
فأنتَ في جوِّه العلويِّ منطلق ... وأنتَ في بحره اللجيِّ ملاَّح
محمد عبد الغني حسن
إنصاف الأب الكرملي
اطلعت في العدد الأخير من (الرسالة) على قطعة بعنوان (الكرملي في قبضة الحق) بقلم الأستاذ سعيد الأفغاني في دمشق. وإنصافاً للأب المحترم أقول:
خطأ الكاتب الأب، لأنه أنكر (أحجاراً ملساء) وصححها (بأحجار ملس) وقال: (لك أن تقول أشهر محرمة ومحرمات وأياماً معدودة ومعدودات) ولم يأتنا بمثل من القرآن أو الحديث أو كلام بليغ على مثل (مباسم فلجاء وعيون دعجاء وحواجب بلجاء)، بل الذي ورد من ذلك (لو رأيتم العيون الدعج تحت الحواجب البلج فوق المباسم الفلج لاتخذتموها اللات والعزى) ولم يرد غير ذلك على الإطلاق في كلام فصيح وغريب قول الأفغاني (أما استقراؤه الشخصي أي الأب وطلبه من مخالفيه الآتيان بشاهد فلا يردان حجة، لأن المقيس لا يلزم له (يريد يلزمه) شاهد. يريد أن يقول إن عندنا قاعدة جميع شواهد اللغة شواذ منها
لكن مجمعنا اللغوي فهم ما لا يفهمه الكاتب ولا احسب الكاتب ينكر أن مجمعنا يحتج بكلامه. فقد جاء في الصفحة 204 من الجزء الرابع من مجلته قوله:
القاعدة: فعلاء مؤنث افعل كحمراء تجمع باطراد على فعل قال ابن يعيش: (فأما فعل فهو جمع فعلاء صفة إذا كانت مؤنثة افعل نحو حمراء وحمر وصفراء وصفر جمعوه على فعل جمع ما لا زائد فيه الخ. . .
فكريات بيضاء ليست صحيحة، وهذا ما كلت ألسنتنا وحفيت أقلامنا لإفهام أدبائنا إياه
نجيب شاهين
شبهة في تاريخ وفاة ياقوت
من المعروف أن صاحب معجم الأدباء (ياقوت بن عبد الله الرومي) توفي عام 626 من الهجرة. . وقد نص على هذا ابن خلكان في تاريخه؛ عندما ختم ترجمته لحياته بقوله: وتوفي يوم الأحد لعشرين من شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة في الخان، بظاهر مدينة حلب
وعن ابن خلكان نقل ابن العماد صاحب (شذرات الذهب في أخبار من ذهب)، وجرى على هذا جميع أصحاب التراجم من المتأخرين. . .
ولكني وجدت ياقوتاً في معجمه (ج2، ص 198، طبع دار المأمون) يتحدث عن الحسن بن أبي المعالي المعروف بابن الباقلاني النحوي. . . ثم يختم حديثه عنه بقوله: (لقيته ببغداد سنة سبع وثلاثين وستمائة، وكان آخر العهد به). ونفهم من هذا أن ياقوتاً كان يعيش في ذلك التاريخ، بل يمكن أن نستنبط من قوله (وكان آخر العهد به) أنه يشير إلى وفاة ابن الباقلاني، وحدوثها في تلك السنة. ويؤيد هذا ما أورده السيوطي في كتابة (بغية الوعاة في ذكر طبقات النحاة)؛ فقد نقل عن ابن النجار صاحب تاريخ بغداد أن وفاة الباقلاني كانت (يوم السبت الخامس والعشرين من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وستمائة) هذه حقائق تاريخية تصطدم في ذهن القارئ ولا يجد لواحدة منها مرجحا؛ فهل نشك في صحة ما اجمع عليه المؤرخون من تاريخ وفاة ياقوت، أم نخطئ ما ورد بمعجمه من تاريخ التقائه بابن الباقلاني؟ وإذا اخذنا بالرأي الأخير، فهل نحمل السهو في ذلك على ياقوت نفسه، أم نحمله على ناسخي معجمه والقائمين بطبعه من القدماء والمحدثين؟. . .
هذا شيء، والشيء الآخر أن مكان هذه المقابلة - فضلاً عن تاريخها - موضع (للتفكير. فياقوت، كما نفهم من كلام ابن خلكان، لم يطرق بغداد منذ حوالي سنة 600هـ، بل إنه (تحامى دخولها) وهو يقترب منها عند انتقاله متخفياً من إربل إلى خراسان عام 613هـ؛ لأن له غريماً (علويا) من أهلها كان قد ناظره في دمشق وألب عليه العامة حتى كادوا يقتلونه؛ وكان هذا سبب هروبه إلى خراسان، فكيف إذن يزعم ياقوت أنه لقي ابن الباقلاني في بغداد؟ وإذا قلنا إنه لقيه بها قبل عام ستمائة (أي تسع وتسعين وخمسمائة فما قبله) فكيف يتفق أن يقع الخطأ أو التحريف في ثلاثة أرقام كاملة، فنقرأ أن هذا اللقاء كان في سنة (سبع وثلاثين وستمائة)؟. . .
(جرجا)
محمود عزت عرفة
المكتب
قال الدكتور زكي مبارك وهو يدرس الشوقيات عندما تعرض لقصيدة (مصاير الأيام) ما يلي: (. . . ابتدأ الشاعر يريد شوقي) بحياة الطفل في المكتب، والمكتب كلمة جديدة يراد بها المدرسة الأولية، وهي كذلك في عرف وزارة المعارف فهي تقول المكاتب العامة بعد أن تقول المدارس الأولية)
وقد نفهم من ذلك أن المكتب بمعنى المدرسة الأولية وضع جديد والصحيح أنه استعمال قديم، ودليلي على ذلك ما يلي:
1 - قال المبرد: (المكتب موضع التعليم والمكتب المعلم، والكتاب الصبيان، ومن جعل الموضع الكتاب فقد اخطأ) ويرى هذا الرأي صاحب القاموس ولكن صاحب تاج العروس رده.
2 - قال ابن خلكان في ترجمة أبي مسلم الخراساني: (أنه نشأ عند عيسى بن معقل فلما ترعرع اختلف هو ووالده إلى المكتب) وغير خاف أنه في هذا الدرر من حياته يتعلم التعليم الأولي.
3 - روي ابن قتيبة في كتاب المعارف: (أن من المعلمين علقمة بن أبي علقمة مولى عائشة. . . كان له مكتب يعلم فيه العربية)
4 - وأوضح من هذا ما قاله الغزالي في كتاب الأحياء في باب رياضة النفس جـ ثالث: (ويشغل الطفل في المكتب بتعلم القرآن، وأحاديث الأخيار وحكايات الأبرار وأحوالهم. . . وينبغي أن يؤذن للطفل بعد الانصراف من المكتب أن يلعب لعباً جميلاً يستريح إليه من تعب التعلم).
محمود السيد أبو السعود
بني أمية والإسلام
قرأت ما كتبه الأستاذ محمود أبو رية حول كتاب (عبقرية عمر) للأستاذ عباس محمود العقاد. والحق يقال إن الأستاذ قد غالى كثيراً في قوله إن البناء الإسلامي قد تصدع، وإن اليأس اخذ يدب في جسم الدولة الإسلامية في عهد بني أمية، واستشهد على ذلك بقول الإمام علي: (إن موت عمر ثلمة في الإسلام لا ترتق إلى يوم القيامة)
والباحث المنصف في تاريخ الإسلام لا يسعه إلا أن يقرر أن الدولة الإسلامية لم تصب حظاً من العظمة وامتداد السلطان مثل ما أصابته في عصر الدولة الأموية
وكيف يدب اليأس في قلوب المسلمين في عصر بني أمية وهم الذين ركبوا البحر في هذا العهد لأول مرة، وكان لهم فوق الخضم المتلاطم صولات وجولات هي صفحة بيضاء في كتاب الشجاعة الإسلامية؟! وهذا عقبة بن نافع يسير بكتائب المسلمين في محاذاة الشاطئ الأفريقي مخترقاً المجاهل والقفار حاملاً لواء الإسلام خفاقاً في بلاد كل ما يعرفه عنها أن أهلها همج متوحشون لم تصلهم مدنية ولا حضارة!
أما قول الإمام علي، فما أظن أن الإمام كان يقصد أن البناء الإسلامي قد تصدع بموت عمر، إنما كان قصده أن الإسلام قد خسر بموت عمر رجلاً من خيرة رجالاته ومن العسير أن يجد الناس منه عوضاً.
أحمد البديني
فلسفة الأخلاق في الإسلام
الأستاذ محمد يوسف من العلماء الباحثين والكتاب المروين الذين عناهم الأستاذ الزيات في مقالته الغراء (دفاع عن البلاغة)
فهو يكتب عن دراسة مستفيضة وتحليل عميق، فيخرج الفكرة ناضجة، ويبدي الرأي خميراً، ويجلي البحث مكتملاً من جميع نواحيه
ولعل هذا هو السر في ظواهر ثلاث نلمسها لمساً في كتابه (فلسفة الأخلاق في الإسلام)
1 - النشر والطي، والتفصيل والأجمال، والعرض والتلخيص؛ مما يبلغ حد التكرار أحياناً ويؤاخذ به من لم يقصد إلى الإيضاح والتحرير
2 - الدقة البالغة في الشرح والموازنة، وتجلية الغامض من عبارات الفلاسفة ومصطلحات الصوفية، إلى أمانة في النقل نادرة؛ مما حداه إلى كثرة الاستدراك، وإيراد الجمل المعترضة التي لا تكاد تخلو منها صفحة واحدة واثبات النصوص مسندة إلى مصادرها الكثيرة المتنوعة
3 - السداد في النظر، والعدالة في الحكم بعد استقصاء وجوه الرأي، من غير ما سفه ولا شطط حتى لا تحوك في الصدر شبهة دون أن يذيبها بقول سديد أو رأي رشيد
غير أن إصابة الأستاذ للغرض، ومصاحبته للتوفيق، ونزاهته في الحكم - لا تحول بيننا وبين الإدلاء بهذه الملاحظات الخفيفة خدمة للعلم ووفاء للحق (والحق لا يصح أن نجامل على حسابه أحداً من الناس وإن كان زين الدين وحجة الإسلام والمسلمين)
(ا) كنا نود أن يقتصد المؤلف ولو صفحة واحدة مما كتب في ابن عربي الذي هو إلى فلاسفة التصوف اقرب منه إلى فلاسفة الأخلاق، فيضمها إلى الكتابة عن أبي الحسن البصري المارودي الذي أشار الأستاذ بحق إلى أن كتابه (أدب الدنيا والدين) مما يمثل الأخلاق الإسلامية اصدق تمثيل على حين لم يظفر من الكتاب إلا ببضعة اسطر. وإذا لم تكن ترجمة أبي الحسن من أغراض الكتاب فلا ريب أنها - على الأقل - من قبيل الاستطراد المفيد
(ب) مما يثير العجب والأسف معاً أن بعض أئمة الأخلاق والتصوف - بله الأدب والفلسفة - ليسوا من أهل البصر في علم الحديث؛ ولقد روي عن الغزالي رحمه الله أنه قال: بضاعتي في هذا العلم مزجاة؛ وسبب ذلك عند علماء الحديث معروف؛ فكنا نأمل ألا يروي المؤلف حديثاً عن الأحياء أو غيره - وهو من أجلة المدرسين في كلية أصول الدين - إلا مع الإشارة إلى درجته على الأقل. ورحم الله الحافظ العراقي فقد كفانا المئونة في تخريج أحاديث الأحياء كتابه (المغنى) وقد جمع بينهما الحلبي في طبعته؛ ولكن الأستاذ اعتمد على نسخة مجردة. على أن المؤلف نقل تزييف الحفاظ للحديث الصوفي المشهور: (كنت كنزاً مخفيا. . .) وأبان اعتراف الصوفية أنفسهم بأنه لم يثبت نقلاً وإن ثبت كشفاً
وحبذا لو أشار إلى تزييف العراقي للحديث الذي ساقه الغزالي في الزهد (من أراد أن يؤتيه الله علماً بغير تعلم وهدى بغير هداية فليزهد في الدنيا) وما أكثر أمثال هذا الحديث في كتب الغزالي.
(ج) في الكتاب أعلام وكلمات غربية، كان يحسن أن يضبطها الأستاذ فيكفي القارئ مئونة البحث والتنقير، ولكن عذره - ويظهر أنه لابد من الاستدراك دائما - أن الكتاب موضوع لطائفة مفروض عليها البحث والتنقيب.
وبعد فما قرأت كتاباً في الأخلاق أو الفلسفة وأحببت أن أعود إليه بشغف وعناية قبل هذا الكتاب. وهذا - فيما أعتقد - أمارة على إخلاص المؤلف وحبه للحق ودءوبه على البحث عنه والوصول إليه؛ في أدب جم وخلق كريم.
طه محمد الساكت
المدرس بمعهد القاهرة