مجلة الرسالة/العدد 492/الكرملي في قبضة الحق
→ من أطرف ما قرأت | مجلة الرسالة - العدد 492 الكرملي في قبضة الحق [[مؤلف:|]] |
المصريون المحدثون ← |
بتاريخ: 07 - 12 - 1942 |
للأستاذ سعيد الأفغاني
1 - كان الأب أنستاس ماري الكرملي قد تعرض لتصحيح بعض الخطأ في كتاب الإمتاع والمؤانسة الذي صححه الأستاذان أحمد أمين وأحمد الزين ولم يشركا الأب في التصحيح ولا الربح. وكان في جملة ما خطأ: قول القائل: (ويجعلها (أي الأحجار) ملساء) فقال حضرته مصححاً: (والصواب ملساً بضم الميم. . . الخ) فصححناً له فهمه في العدد (479) (من (الرسالة)، وكان قد استند إلى كلام لسيبويه فأوضحنا له - برفق وعطف - أن كلام سيبويه ليس فيه ما زعم حضرته. ثم شرحنا له القاعدة العامة (التي اعترف بصحتها واطرادها) في العدد (486) من هذه المجلة. وقلنا له: (إن نعت جمع التكسير يكون بالمفرد والمؤنث وبالجمع على السواء، فلك أن تقول: أشهر محرمة وأشهر محرمات، و (أياماً معدودة) و (أياماً معدودات) كما في القرآن الكريم وغيره، فما الذي يفرد صيغة واحدة بين جميع صيغ النعت بحكم خاص؟ هذا ما يحوج الأب الإبراه عليه. أما استقراؤه الشخصي وطلبه من مخالفه الإتيان بشاهد فلا يردان حجة، لأن المقيس لا يلزم له شاهد)
فلما ألجأه الحق إلى أضيق من جحر الضب، انبرى يرد علينا وعلى غيرنا ممن صححوا له تهافته في ثلاث مقالات طوال، نسي فيها الموضوع والزمان، وخلت من شيء واحد هو المطلوب كله وهو مدار البحث وحده، فلم يأتنا بالنص المطلوب ولن يأتينا به ولو دخل بعضه في بعض غيظاً وكداً
فعلى هذا يبقى قولهم: (صخور ملساء وكريات بيضاء) مما لا يجوز لصحيح الفهم أن يخطئه. وإن مما يعلمه بالضرورة من له أدنى إلمام بلغة العرب أن الموافق للقاعدة المطردة غير محتاج إلى شاهد وكل جائز له شاهد مدون
2 - وقال حضرته: (ومن الأغلاط الشائعة في مصر وتستحق أن يشار إليها إشارة خصوصية (كذا) ما يأتي: ص23 س18 أصواب هو أم خطأ. . . أم خطاء وزان سحاب لضد الصواب على ما في كتب اللغة) أهـ
وهذا زعم غير صحيح؛ وقد نقلت له من الكتب نصوصاً لقفت كل ما أفك، وأفهمته أن الخطأ هنا هو الأفصح والأشهر. والغريب المضحك حقا أن يحتج الأب بما هو حجة عليه واضحة وهو الكلام الذي نشرته الرسالة لأبي هلال العسكري وفيه (أن الخطأ هو أن تقصد الشيء فتصيب غيره. . . والخطاء تعمد الخطأ). وبعد أن عاب هذا الأب سيبويه والخليل. . . أنكر علينا احتجاجنا بمؤلف الصحاح، وذكر أن العسكري أعلى منه مقاماً!! فيا أيها الأب إن الجوهري والعسكري متفقان ولكنك لم تدرك لا كلام الجوهري ولا كلام العسكري. والبلاء الأكبر في أن يأتي متحذلق في آخر الزمان يوازن بين إمامين ثم لا يستطيع أن يفهم كلامهما
أما بعد أيها الأب أنستاس ماري الكرملي، إن فيما نسبت قوله إلى ما هو كذب وافتراء. فأنا لم أقل: سيبويه غير موثوق به. ولم أقل: نص جمع التكسير، إنما قلت: نعت جمع التكسير. ولم أقل. . . ولم أقل. . . مما يمل بيانه للقارئ
فإذا كان هذا شأنك مع حي يملك أن يدفع عن نفسه، فكيف نثق بما ننقل عن أولئك الأئمة المساكين الناعمين في عالم الخلود؟
وأدهى من ذلك أنك كنت ادعيت إنه لا يقال خطأ بل خطاء وامتلأت زهواً إذ زعمت أن هذا غلط شائع في مصر، فلما بينا لك أنك أنت المخطئ، تواريت خجلا ثم انبريت تدعي إنما أردت أن خطاء أحسن من خطأ موازنة لصواب؛ بين كلمتك الأولى المنشورة في العدد (475) من الرسالة، والثانية المنشورة في العدد (487) مدى قليل جداً، فما أسرع ما يفضح الباطل والادعاء الأجوف صاحبهما! وأمر آخر: متى عهدك، عافاك الله، بالذوق الموسيقي؟ أحين احتشدت فلم تجد أحلى وقعاً من (ليس المزكزك بأنيئهن) فإن يكن لك - وأنت عجوز - عذر من هرمك ومرض أذنك فاعلم أن الله لم يخلق رجلاً صحيح الذوق سليم الأذن يستسيغ (الخطاء والصواب) أكثر من (الخطأ والصواب)، ورحم الله امرأ صيرك - وأنت تريد الكلام في اللغة - إلى الجرس والموسيقى
ولست أوفى (الرسالة) ما يجب لها من شكري وشكر العلم والأدب على نشرها مقالاتك كما هي: فقد رأيتك يا سيدي تدعي - بعد كلامك في الموسيقى - أن نسبك ينتهي إلى بني مراد!! (تشرفنا)؛ ولقد تواضعت جداً إذ لم تنتسب في بني هاشم وأنت تشعر في صميمك شعوراً غالباً عليك بالحاجة الماسة إلى نسب ما بعد هذا التخبط
أتسمح لي بطلب متواضع جداً؟ إنك ستفعل مشكوراً 1 - كن أمينا فيما تنقل عن الأحياء والأموات
2 - احتط فيما تكتب في اللغة العربية، فإن عارفيها كثيرون، وليست كذلك السريانية والآشورية. فلك في هؤلاء الأخريات ميدان تصول فيه وحدك
3 - إن أبيت إلا الخوض فاسلك من المسائل ما كان (آليا) بحتا وتجنب ما يحتاج إلى ذوق وعلم وحسن فهم، وإلا وقعت في مثل ما وقعت فيه حين زعمت أن قولك: لا يقال كريات بيضاء مستنداً إلى قول سيبويه
4 - إنك لا تستطيع فقد كلام حتى تفهمه، ولن تفهمه حتى تحسن قراءته، ولن تحسن قراءته حتى تتخلق بأخلاق المتعلمين
5 - لقد غبر زمان - لا رده الله - كانت الشهرة فيه عن طريق الدعوى والتحرش بمن لا يبلغ المتحرش أن يكون أصغر تلاميذهم، وأصبح يقاس فضل المرء بقوة حجته وحسن خلقه لا بسلاطته وتلبيسه. هذا وللب المفضال أنستاس ماري الكرملي جزيل احترامي.
(دمشق)
سعيد الأفغاني