مجلة الرسالة/العدد 49/القصص
→ بين الدين والعلم | مجلة الرسالة - العدد 49 القصص [[مؤلف:|]] |
المارد الأناني ← |
بتاريخ: 11 - 06 - 1934 |
النفس الرقيق. . .
لايفان بونين
ترجمة ع. الحمدي
في المقبرة فوق أكمة نضرة مخضرة صليب جديد مصنوع من خشب البلوط، قوي ثقيل، ثابت راسخ، ناعم الملمس، بهيج المنظر. وكان الشهر أبريل ولكن الأيام غائمة كالحة. فكنت ترى من مراحل شاسعة خلال الأشجار الجرداء شواهد الأجداث قائمة في المقبرة - مقبرة رحبة ريفية أو اكبر من الريفية بعض الشيء - والريح الباردة القاصفة تصفر صفيراً مخيفاً كلما مرت من تجاويف الإكليل المصنوع من الخزف الصيني عند قاعدة الصليب. وفي الصليب نفسه ركب إطار مستدير من النحاس الأصفر. وفي الإطار صورة لفتاة حسناء فاتنة من طالبات المدارس، مهندمة الملبس، لها عينان فرحتان براقتان تنمان على الحياة والغضارة
هذه الصورة هي صورة (أولجا مسجرسكي)
لما كانت بنتاً صغيرة لم يكن لها ما يميزها في ذلك الجمع الصاخب من ذوي الأثواب السمراء الذين كان لغطهم المتنافر يدوي في ابهاء المدرسة وصفوفها. وكل ما كان يستطيع الإنسان ان يقوله عنها هو أنها ليست إلا واحدة من هؤلاء الفتيات الكثيرات الجميلات السعيدات، وإنها ذكية، لكنها لعوب كثيرة الحركة، لا تصغي لما يلقيه عليها العلم في الصف من دروس. ثم صارت إلى النمو، وأخذت تتفتح أكمامها لا بالأيام بل بالساعات. وفي سن الرابعة عشرة، وقد أصبح لها خصر أهيف، وساقان جميلتان متسقتان، برز نهداها ولاحت عليها تلك الرسوم والملامح الدالة على النضوج، ولم تستطع لغة البشر بعدُ أن تصف فتنتها وسحرها. وفي سن الخامسة عشرة قيل عنها إنها حسناء. . . وكم كان أترابها ورفيقاتها في المدرسة شديدات العناية بتنظيم شعورهن، وكم كن نظيفات محترسات في حركاتهن! ولكنها ما كانت لتخشى شيئاً فهي دائماً نظيفة الثياب حسنة الهندام، متوردة الوجه من غير قصد فمنها ولا عناء من جانبها، اجتمع لها في سنتيها الأخيرتين كل م يميزها من باقي المدرسة، اجتمع لها الظرف والأناقة وخفة الروح وإشراق الطلعة وبريق الذكاء. . . ذلك إلى أن أحدا لا يستطيع الرقص مثل (أولجا مسجرسكي)! ولا يستطيع العدو أو الانزلاق مثلها! ولسبب ما لم تكن لأحد تلك الألفة التي كانت لها مع صفوف الصغار والأحداث في المدرسة. ومن غير أن تشعر أصبحت فتاة، ومن غير أن تشعر ذاعت شهرتها في المدرسة. ولم يمض قليل حتى أخذت الألسن تلوك عنها الأحاديث بأنها نزقة متقلبة لا تستطيع أن تحيا بغير عشاق، وأن التلميذ (شنسين) مدله في حبها مأخوذ بجمالها، وأنها هي أيضاً لعلها تحبه ولكنها لكثرة تقلبها وسوء معاملتها جعلته يحاول الانتحار غيرة مرة. .
في خلال شتائها الأخير جن جنونها بذلك الفيض من السعادة الذي غمرها. . . كذلك قالوا عنها في المدرسة. . . وكان هذا الشتاء مثلجا قارساً تنزل الشمس فيه مبكرة وراء الأيكة الكثيفة من أشجار الشربين الباسقات خلف بستان المدرسة المكسوة بحلل من الثلج الناصع. ولكن الجو كان رائعاً بساماً على الدوام. اليوم ثلج وغدا شمس. نزهة قصيرة في شارع الكنيسة. انزلاقة في متنزه المدينة. غروب وردي دافئ؛ موسيقى. . . ثم ذلك الجمع الدائم الحركة الذي كانت (أولجا) تلوح من بينه أخفه روحاً وأشده نزقاً وأوفره سعادة. وفي ذات يوم بينما كانت مندفعة كالإعصار في غرفة الألعاب تعدو في أثرها الفتيات الصغار يصرخن ويهتفن مبتهجات استدعتها رئيسة المدرسة على حين غرة. فوقفت بغتة وتنفست نفساً عميقاً ثم رتبت شعرها وسحبت أطراف مئزرها كي توصله إلى كتفيها. وبعينين مضيئتين هرعت إلى فوق. كانت الرئيسة صغيرة السن، لكن شعرها كان أبيض، وكانت جالسة بهدوء إلى الطاولة تحت صورة القيصر وفي يديها تطريز قد انكبت عليه واستغرقت فيه.
قالت الرئيسة بالفرنسية دون أن ترفع عينيها عن التطريز (عمى صباحاً يا (مس. مسجرسكي) - إنني آسفة لأن هذه ليست المرة الأولى التي اضطررت فيها لاستدعائك إلى هنا لأكلمك في سلوكك) فأجابت (اولجا) - لقد أخذت بإرشادك أيتها السيدة - قالت ذلك وهي تقترب من المنضدة تنظر إليها بإشراق باد وسرور ظاهر، وفكر شارد، ولم تؤد إليها من التحية إلا طرفاً ضئيلاً ظريفاً هو كل ما تستطيع تأديته من التحيات.
فقالت الرئيسة (انك لم تسمعي ما أقول - وقد اقتنعت وا أسفاه بهذا) قالت ذلك وسحبت الخيط سحبة تدحرجت لها كرة الخيوط على البلاط الصقيل اللامع، وتبعتها أولجا بنظرة مستطلعة. ثم رفعت الرئيسة عينيها إليها وقالت (سوف لا أكرر ما أقول. سوف لا أكثر من القول).
راق (اولجا) غرفة المطالعة هذه، وراقتها نظافتها الغريبة واتساعها غير المألوف. وأعجبتها زنابق الورد الجنية الزاهية التي كانت موضوعة في زهرية فوق المكتب. جلت بنظرها إلى القيصر الشاب وقد صور بكامل جسمه في بهو فاخر، ولبثت ساكتة لا تنبس ببنت شفة.
قالت الرئيسة في لهجة تدل على معنى مقصود منها. وقد شعرت في نفسها بسورة من الغضب: (انك لم تعودي الآن بنتاً صغيرة)
فأجابت أولجا في سذاجة يغلب عليها الحبور. (نعم. سيدتي!)
قالت الرئيسة ولا يزال في لهجتها معنى تقصده، وتتعمد الإلماع إليه (لكنك لم تصبحي امرأة بعد) واحمر وجهها الشاحب بعض الحمرة وقالت (خبريني أولاً: لماذا تصففين شعرك بهذا الشكل؟ انك لتصففينه كالمرأة).
فأجابت أولجا (ليس من ذنبي يا سيدتي أن يكون شعري جميلاً) وأمسكت شعرها المنظم الجميل بكلتا يديها وبشكل لا يخلو من دلال.
فقالت الرئيسة (أحقاً ما تقولين؟ أصحيح أنه لا لوم عليك؟ - ألا تلامين على الطريقة التي تنظمين بها شعرك؟ ألا تلامين على هذه الأمشاط الغالية؟ ألا تلامين إذا أفقرت أبويك باقتناء حذاء بعشرين روبلا؟ ولكني أكرر القول بأنه قد غاب عن بالك انك لا تزالين طالبة ليس إلا). وهنا قاطعتها أولجا فجأة بأدب ومن غير أن تفقد شيئاً من بساطتها وهدوئها قائلة (عفواً يا سيدتي انك خاطئة، إنني في الواقع امرأة، وهل تعلمين من يلام على ذلك؟ انه صديق أبي وجاره أخوك (الكسي ميكالوفتش). . . وقد وقع ذلك في الريف في الصيف الماضي).
بعد هذا الحوار بشهر أطلق ضابط من أجلاف القوزاق سمج أخرق، في هيئة السفلة من الرعاع والأفاقين، على أولجا عياراً نارياً أرداها قتيلة وهي في جمع من الناس على رصيف المحطة وقد وصلوا تواً بالقطار. وهكذا تحقق بهذا الحادث اعتراف (أولجا) الذي صعق الرئيسة. فقد قال الضابط للمحقق إن (مسجرسكي) قد أخرجته عن وعيه، وإنها فيما مضى كانت لها به صلة من صلات العشق الخفي، وإنها وعدته بالزواج منه، وفي محطة القطار في يوم مقتلها عند ما رأته يغادر المدينة إلى (نوفوجركاسك) أخبرته بغتة بأنها لن تفكر في الزواج منه، وان كل ما قالته له من أمر الزواج لا يتعدى السخرية منه والهزء به، وإنها ناولته مذكرتها ليقرأ فيها تلك الصفحات التي كانت قد كتبتها عنه.
قال الضابط (ألقيت نظرة عجلى على تلك الصفحات - وذهبت إلى الرصيف حيث كانت تخطر جيئة وذهاباً تنتظرني ريثما أفرغ من قراءتها وسددت إليها مسدسي فقتلتها. وتلك هي المذكرة في جيب معطفي، انظر تحت تاريخ 10 يوليو من السنة الماضية. . .). وهذا ما قرأه المحقق:
(الساعة الآن الثانية صباحاً، استغرقت في نوم عميق لكنني ما لبثت أن استيقظت مرة أخرى. . . أصبحت اليوم امرأة. أبي وأمي و (توليا) كلهم سافروا إلى المدينة وبقيت وحدي. ما أسعد الإنسان أن يكون وحده. آه لو أستطيع أن أصف مبلغ سعادتي بوحدتي هذا اليوم. في الصباح أخذت أتمشى في البستان بالمزرعة. دخلت في الأيكة الوارفة الظل. خيل إليّ أنني وحدي في هذا العالم كله. ليس فيه غيري. لم تلم بي قبل اليوم أمثال هذه الخواطر والأفكار اللذيذة. . . ما أحلاها. . . تناولت طعام الغداء وحدي، ثم لعبت ساعة من الزمن. . . وألقت الموسيقى في روعي بأنني يجب أن أعيش أبداً وأن أكون أسعد مخلوق على وجه الأرض! ثم أخذتني سنة من الكرى في غرفة الاستقبال الخاصة بأبي. وفي الساعة الرابعة أيقظتني (كيت) وقالت لي إن (الكس ميكالوفتش) قد حضر إلى هنا. كم سررت بلقائه. كم كان جميلا أن استقبله وأكرم مثواه. جاء ومعه جوادان مطهمان. ما أجملهما؟ ظلا طيلة لبثه واقفين عند الباب الأمامي. لكنه لبث هنا لأن المطر كان ينهمر كأفواه القرب وأنه يرجو انقطاعه وجفاف الطريق عند المساء. أسف أشد الأسف لعدم لقائه أبي في البيت، كان مبتهجاً خفيف الروح مترعاً بالحياة، عاملني بكل لطف وأدب. وصار يتنادر معي ويذكر في دعابه وفكاهة أنه وقع في شراك حبي من زمن بعيد. وقبيل تناول الشاي أخذنا نخطر في البستان بين الرياحين والأغصان المتمايلة وكان الجو رائعاً فاتناً، ولكن الرد طفق يشتد، وظللنا نمشي معاً ذراعاً بذراع، وقال كأنه معي فاوست مع مرجريت!. هو في السادسة والخمسين، إلا أنه لم يزل وسيماً جذاباً. حسن الهندام دائماً - والشيء الذي أنكرته عليه هو أنه جاء اليوم متلفعاً بملفعة تفوح منها رائحة عطر انكليزي ولا تزال عيناه عيني شاب يافع. . لحيته طويلة مسترسلة. مفروقة في وسطها فرقاً جميلا - هي فضية لامعة. - تناولنا الشاي في الشرفة الزجاجية، وشعرت بغتة أن وعكاً خفيفاً عراني فاستلقيت على السرير وظل هو يدخن. ثم جلس بقربي وشرع يقول أقوالاً لذيذة، فيها متعة، وفيها ما يستثير كامن الوجد ومكبوت الهيام. ثم تناول يدي فطبع عليها قبلة حارة. . . فجعلت من منديلي الحريري الكبير ستراً أسدلته على وجهي، وجع ينهال بالقبلات إثر القبلات من فوق المنديل على شفتي. . . لا أدري كيف وقعت الواقعة!. لا أستطيع أن أقول كيف حدثت، قد جن جنوني!. . ما كنت لأحلم يوماً أنني أكون كتلك اللحظة. . والآن لا أشعر نحوه بغير شيء واحد: الاشمئزاز الذي لا قبل لي بحمله. أواه! ما أشد ما ثار في نفسي بعد ذلك من المقت له!!
المدينة في هذه الأيام من أبريل نظيفة نقية، قد ذهبت بأدرانها وأقذارها أمطار الشتاء، وبدت حجارتها بيضاء ناصعة، وأصبح السير فوقها محبباً شهيا. . . في كل يوم أحد بعد القدّاس ترى في شارع الكنيسة المؤدي إلى خارج المدينة امرأة قِمئة ضئيلة الجسم تلبس الحداد، في يديها قفازان من جلد المعز الأسود، تحمل مظلة مقبضها من الأبنوس، تراها تسير في الشارع وما تنتهي منه حتى تجوز ساحته، ثم تعبر السوق المتهدمة حثت الحدادون الكثيرون، وحيث النسيم يهب رقيقاً عليلاً من الحقول القريبة. وهناك على بعد كبير بين الدير والسجن ترى العين المنحدر الأبيض من القبة السماوية، والحقول المترامية تغتسل في تلك القتمة الرمادية. . . وبعد ذلك، بعد أن تجوز البركة الكدرة خلف الدير ترى ما يبدو لك كأنه حديقة فسيحة واطئة محاطة بسور أبيض كتب على بابه: (صعود سيدتنا إلى السماء هناك تقف المرأة وقفة قصيرة ترسم مسرعة بيديها صليباً على صدرها وتسير سالكة الطريق الأصلي؛ ومتى وصلت المقعد إزاء الصليب الجديد المصنوع من خشب البلوط، جلست في تلك الريح الشديدة وذلك الهواء القارس ولبثت كذلك ساعتين. . حتى تؤلمها قدماها من شدة البرد، وهما في ذلك الحذاء الخفيف، وحتى تكاد تجمد يداها من قسوته ولذعته. وبينا هي تستمع لأطيار الربيع تصدح بالغناء العذب، والصوت الرخيمالرقيق حتى في ذلك البرد القارس. وبينا هي تصغي إلى صفير الريح تمر من تجاويف إكليل الخزف وتضاعيفه تبرق في رأسها فكرة أنها تقدم نصف حياتها لو أن ذلك الإكليل البارد الميت لا يكون أمام عينيها. ثم إن (أولجا مسجرسكي هي التي دفنت في ذلك القبر)، هذه الفكرة وحدها، تغمرها في لجة من الدهش البالغ والحيرة المتناهية، فيبدو عليها وجوم عميق وذهول غريب وجزع مروع: كيف يستطيع الإنسان أن يجمع بين طالبة غضة بضة لا تتجاوز سنها السادسة عشرة، كانت قبل شهرين أو ثلاثة تتفجر حياة، وتسطع فتنة، وترفل بأزهى حلل السعادة والهناء. كيف يستطيع الإنسان أن يوفق بينها وبين تلك الأكمة من التراب وذلك الصليب الخشبي؟ أممكن أن تكون هذه هي نفس هذه الفتاة التي تشع عيناها بالخلود الأزلي من هذا الإطار النحاسي؟ وكيف يستطيع الإنسان أن يجمع بين هذه الطلعة المشرقة الوضاءة وتلك الحادثة الفظيعة التي توافق الآن اسم (اولجا مسجرسكي)؟ رحماك يا رب! إن هذا ليعجز الإفهام. . ولكن هذه المرأة القمئة الضئيلة الجسم سعيدة في قرارة نفسها، سعيدة كأولئك العاشقين الذين وقفوا حياتهم على حلم عاطفي جميل. .
هذه المرأة هي معلمة (أولجا) في المدرسة. فتاة أربت على الثلاثين، ظلت منذ زمن بعيد عائشة على هوس في قرارة روحها كان هذا الهوس أول الأمر ينتاب أخاها - وهو ملازم في الجيش ليس فيه ما هو جدير بالاهتمام أو قمين بالالتفات - كل روحها كانت معلقة به، متصلة بمستقبله بأمتن الصلات، اتصالا تتصور أنه لابد يوماً مود بها إلى أرض من أراضي عبقر. وبعد ذلك لما قتل أخوها في (موقدن) أقنعت نفسها بأنها - ويا للسعادة ولحسن الحظ - ليست كالأخريات، وإنها بدلاً من الجمال، وبدلاً من أن تكون امرأة حقيقية تتمتع بما للمرأة من أنوثة، بدلاً من ذلك لها عقل راجح، وفكر ثاقب، هو أسمى من هذه الدنيويات السافلة، هي عاملة من عمال المثل الأعلى.
وأولجا الآن محور أفكارها وخيالها ومبعث كل إعجابها وسرورها، في كل عيد أو عطلة أن تهرع إلى قبرها - وقد ألفت الذهاب إلى المقبرة بعد موت أخيها - تظل ساعات طوالا شاخصة إلى الصليب الخشبي. تذكر وجه (أولجا مسجرسكي) الشاحب المصفر وسط الأزاهير في النعش وتذكر أيضاً ما سمعته ذات مرة: ذات مرة في فرصة الغداء بينما كانت (أولجا مسجرسكي) تتمشى في بستان المدرسة تقول مسرعة عجلي لصديقتها الحميمة (سبوتين) الطويلة البادنة: (كنت أقرأ في كتاب من كتب أبي - وأن لأبي لكتباً قديمة لا تحصى، أكثرها غريب نادر فيه الوفير من المتعة وفيه الجزيل من اللذة - قرأت عن الجمال الذي يجب أن تمتلكه المرأة، وما أكثر ما هو مسطور هناك، لست أذكره كله، لكنني أحفظ منه بعض الشيء؛ اسمعي: عينان سوداوان فاحمتان كالقار يغلي في جفنه، صدقيني، هكذا كان مكتوباً هناك. . . كالقار يغلي في جفنة!! حاجبان سوداوان كالليل البهيم، حمرة غضة تخضب الاهاب، قد اهيف، يدان أطول من المعتاد، قدمان صغيرتان، نهدان بارزان، ساقان مستديرتان متسقتان، ركبتان يحكى لون رضافهما لون داخل الأصداف. كتفان عاليان لكنهما منحدران - لقد كدت أحفظ أكثره غيباً، كله صحيح، ما أشده انطباقاً على الواقع، ولكن أتدرين ما هو أهم من كل هذا، هو النفس الرقيق الناعم اللين، وليس هو إلا هذا الذي أتنفسه أنا. . . . من الأعماق، أصغ إليّ، ألا تجدينه عندي!!. . أليس هو رقيقاً)
والآن قد تلاشى النفس الرقيق مرة أخرى في العالم، في ذلك اليوم الأشهب الغائم في ريح الربيع البادرة القارسة. . .
بغداد
ع. الحمدي