مجلة الرسالة/العدد 485/إلى المعترضين علينا
→ من ملاحق كتاب (رسوم دار الخلافة) | مجلة الرسالة - العدد 485 إلى المعترضين علينا [[مؤلف:|]] |
المصريون المحدثون ← |
بتاريخ: 19 - 10 - 1942 |
للأب أنستاس ماري الكرملي
اعترض علينا في (الرسالة) 10: 869 حضرة الأستاذ اللغوي سعيد الأفغاني وغيره على أن جمع أفعل ومؤنثه فعلاء، غير مستند إلى نص صريح! (كذا) كأن قول سيبويه غير موثوق به! وذلك، (لأن نص سيبويه قاصر (كذا)، على أن جمع التكسير لأفعل فعلاً هو فعل العين (كذا). وما أظن أن كيفية تكسير هذه الصيغة كانت محل خلاف؛ وليس فيها شاهد على خطأ قولهم: صخور ملساء
(وإنما كان الأب بحاجة إلى نص صريح يستثني فيه هذه الصيغة من القاعدة العامة، وهي: أن نص جمع التكسير يكون بالمفرد المؤنث وبالجمع على السواء؛ فلك أن تقول: أشهر محرمة، وأشهر محرمات؛ وأياماً معدودة، وأياماً معدودات؛ كما في القرآن الكريم وغيره. فما الذي يفرد صيغة واحدة بين جميع صيغ النص بحكم خاص؟ هذا ما يحوج الأب الإبراه عليه. أما استقراؤه الشخصي، وطلبه من مخالفة الإتيان بشاهد، فلا يردان حجة، لأن المقيس لا يلزم له شاهد انتهى. . .
قلنا: إننا لا نحتاج إلى نص صريح تستثنى فيه هذه الصيغة لأن قاعدة جمع أفعل فعلاً، قاعدة قائمة بنفسها، وليس لها صلة بالقاعدة العامة، إذ هي قاعدة خاصة بهذا الوزن، والآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الصحيحة الرواية؛ والمسموع من كلام فصحاء العرب وبلغائهم هي أحسن شاهد، بل أحسن قاعدة لما نريد أن نثبته، ولا يهمنا بعد ذلك ضوابط النحاة، وقواعد الصرفيين، وآراء اللغويين، وتحكمات المتأولين، وأرباب الأحكام العربية، لأنهم لم يستقروا جميع قواعد اللغة المضرية. وبيدنا شواهد لا تحصى تدل على نقصان ضوابطهم وتتبعاتهم واستقراءاتهم، وربما ذكرنا شيئاً منها في فرصة مناسبة
ولهذا لا نعتمد في أغلب الأحايين على قواعد النحاة ولا على ما يقوله اللغويون، إلا إذا اتفق كلامهم وما ورد في الآي القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، وما سمع من كلام فصحاء الأقدمين الصادق النسب إليهم، فإن لم يتفق، لا نحفل بكلام الخليل، ولا بأقوال سيبويه، ولا بآراء تفطويه، ولا بنص عفطويه. فلقد رأينا في الآيات البديعة نعوتاً مختلفة واردة مفردة مؤنثة لموصوفات أو منعوتات مجموعة، كما قال حضرة أستاذنا الكريم النابه الأفغاني، ونحن تبعناها في جميع ما نكتب، وكتبنا. . . فقد جاء مثلاً في سورة الحج: (والقاسية قلوبهم)؛ وفي سورة الإنسان: (ودانيةً ظلالها)؛ وفي سورة الهمزة: (في عمد ممددة)؛ وفي سورة التوبة: (والمؤلفة قلوبهم). . .
لكننا لم نر مرة واحدة صفة مفردة مؤنثة لموصوف مجموع جمع مكسر كقول أحدهم: كريات حمراء؛ مع إننا وجدنا أمثلة مختلفة وكثيرة لقولهم: أياماً معدودات، وأياماً معدودة؛ وأشهر محرمات، وأشهر محرمة، ولم يستعمل الوجهان، مرة هذا، ومرة هذا، لا لجواز النطق بهما؛ فلماذا لم يأت أمثالها في الآي الفصيح، بل جاءت كلها على فُعل؟ ذلكم - يا سادتي - لأن القول بفعلاء في مثل هذا الموطن لا يجوز البتة، ولأنه غلط شنيع فظيع، تلعنه الإنس والجن، وملائكة السماء، وأهل النار جميعاً!!
وكيف يجوز لك أن تقول: رجال سوداء، ونساء سمراء، ونهارات غراء، وليال سوداء. . .؟ إني أعد ذلك كفراً وبسلاً ولعنة وتحقيراً للغة الضاد!!
وفي المائة والأربع عشر سورة، سبعة وسبعون ألف كلمة، وتسعمائة وأربع وثلاثون كلمة، وليس فيها شاهد واحد على ما يدعي هؤلاء المساكين! وفي تلك السور من لغات القبائل خمسون لغة، وقد استخرجناها من تفسير الطبري الكبير، الواقع في عشرين مجلداً، ومن كتاب الإتقان السيوطي، ودونك أسماء تلك القبائل مرتبة على حروف المعجم:
1 - أزدشنوءَة 2 - أشعر 3 - أنمار 4 - أوس 5 - بَلِيّ 6 - بنو حنيفة 7 - بنو العنبر (لا بنو الغُبَّر، كما وهم أحدهم) 8 - بنو فُجَاءَة 9 - تغلب 10 - تميم 11 - ثقيف 12 - جُذام 13 - جُرْهُم 14 - حضرموت 15 - حمير 16 - خثعم 17 - خزاعة 18 - الخزرج 19 - سبأ 20 - سدوس 21 - سعد العشيرة 22 - السكاسك 23 - طيّيء 24 - عامر بن صعصعة 25 - عذرة 26 - العمالقة 27 - عُمان (وزان غراب) 28 - عنز 29 - عنس 30 - غامد 31 - الغثاة 32 - غسان 33 - غطفان 34 - الغوث 35 - غيلان 36 - فرحان 37 - قريش 38 - قيس 39 - كنانة 40 - كندة 41 - لخم 42 - مدين 43 - مَذْحِج (وزان مجلس) 44 - مُزَيْنَة 45 - النمر 46 - نمير 47 - هُذَيْل 48 - هُوَازِن 49 - اليمامة 50 - اليمن
على أن الحقيقة هي: أن لغات قبائل العرب تنيف على المائة، لكني لم أبوبها إلى الآن. ثم قد يكون في القبيلة الواحدة لغتان ما عدا اللغة الفصحى، وإذا طالعت في تاج العروس ما جاء على الأنفحة في مادة (ن ف ح) تصدق ما نقوله لك.
هذا ما عدا ما ورد في القرآن الكريم من الكلم اليونانية والرومية والفارسية والأرمية (السريانية)، والحبشية والبربرية، والعبرية والقبطية. وقد طالعنا (القرآن) مراراً لا تحصى ولم نجد فيه كلمة واحدة تؤيد مدعاهم. وطالعنا (النهاية) لابن الأثير، وهي في أربعة مجلدات، وتحوي أصدق الأحاديث النبوية الصحيحة ولم نجد شاهداً واحداً على ما يفتئتون. وكذلك لم نجد حرفاً واحداً في شعر الأقدمين، ولا في كلام فصحائهم المفوهين، ولا في (القاموس) وهو في أربعة مجلدات، ولا في (لسان العرب) وهو في عشرين مجلداً، ولا في (تاج العروس) وهو في عشرة مجلدات ضخام كبار، ولا في (الفائق) للزمخشري وهو في مجلدين كبيرين إلى غيرها (كصحاح) الجوهري و (الكليات) لأبي البقاء و (ديوان الأدب) للفارابي، وقد خططنا بالحمرة تحت كل كلمة، علامة على أنا طالعنا تلك المصنفات حرفاً حرفاً وبكل تدبر وترو، وذلك للمرة الثالثة أو الرابعة على كل تقدير، ومن يشك يراجعنا في الأمر.
فإذا كان النحاة والصرفيون لم ينتبهوا إلى هذه الحقيقة الناصعة البيان، أفهذا ذنبنا يا سيدتي الكرام؟
ثم إن أكبر نحاتهم غلط أغلاطاً كثيرة، كبيرة، قعيرة تكاد تكون جريرة، أريد بهذا الإمام سيبويه. فقد ألف (الكتاب) فنقده أبو بكر الزبيدي في (كتاب الأبنية والزيادات على ما أورده فيه مهذباً) وعنى بطبعه المستشرق الإيطالي إغناطيوس جويدي، وطبعه في روما سنة 1890م
وقد وجدنا نحن أغلاطاً كثيرة للخليل بن أحمد الفراهيدي أستاذ سيبويه، وليس الآن محل ذكرها هنا. ومثل ذلك قل على عدد جم من القدامى. أمل لغة القرآن والأحاديث الصحيحة والمسموع من كلام بلغاء العرب كالوارد في البيان والتبيين، وكتاب الحيوان، وكلاهما للجاحظ، وكالوارد في الكامل للمبرد، وكالمذكور في الأغاني، وما كان من هذا القبيل فهو كالإبريز النقي الذي لا عيب فيه
فكيف نصدق بعد هذا أقوال هؤلاء الأئمة ومن أتبعهم من غير أن تحقق أقوالهم ويبحث عما فيها من الوهن والفهاهة؟ فهل أوتوا التنزيل من السماء حتى لا يجسر أحد على تخطئتهم، أو التعقيب عليهم، أو الاستدراك عليهم؟ وهل أوصد باب الاجتهاد في لغة الضاد، كما أوصد بعضهم باب الاجتهاد في الدين؟ - إن الله مع الصابرين!
شروط جمع أفعل فعلاء على فعل
لهذا الجمع القائم بنفسه ستة شروط وهي:
(الأول) على أن يدل على (لون) ويكون (نعتاً) صرفاً لا منقولاً إلى الاسمية أو الموصوفية، ولهذا تجمع أسود على أساود للحية الكبيرة فيها سواد، وأجدل على أجادل للصقر، وأدهم على أداهم للقيد، إلى نظائرها. ومن النعوت الدالة على لون أو شِيَةٍ وهي على فُعْل ما جاء في سورة المرسلات: (كأنه جمالة صُفْر). وفي سورة طه: (ويوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً). وفي سورة فاطر: (ومن الجبال جدد بيضٌ وحمرٌ مختلف ألوانها وغرابيب سود). وفي سورة الكهف: (ويلبسون ثياباً خضراً من سندس). وفي سورة الإنسان: (عاليهم ثياب سُنْدس خُضْرٌ). إلى غيرها وهي كثيرة. ومما سمع عن فصحاء العرب قولهم: حُدُلٌ ككتب جمعاً لأحدَل وحدْلاء. قالوا: هذا شاذ لأن أفعل وفعلاء من الألوان والعيوب والشيات يجمعان على فُعْل بالضم والسكون. إنما ثقل بعضهم طائفة من الألفاظ من هذا القبيل على لغة لبعض قبائلهم، فإنهم يثقلون ما هو مخفف من باب الشاذ، ولا تقس عليه إذ لا يحق لك أن تفعله
(الثاني) أن يدل على (عيب) إلَّمْ يدل على (لون) كما في سورة البقرة (صم بكم عمي فهم لا يرجعون)
(الثالث) أن يدل على (حلية أو زينة) إلَّمْ يدل على عيب أو لون. كقولك: رجل أهيف، وامرأة هيفاء، ونساء هيف ورجال هيف، ورجل أحور، وامرأة حوراء، وقوم حُوْر، ونساء حور. ومنه في سورة الرحمن: (حور مقصورات في الخيام). وفي سورة الطور: (وزوجناهم بحور عين)
(الرابع) أن يكون للنعت المذكر نعت مؤنث يقابله ومن لفظه، وبالعكس، فإن لم يكن كذلك، لم يُجز تكسيره على فُعْل، بل على وزن آخر سمع منهم. تقول في جمع حسناء: حسان لأنه ليس لها مذكر من لفظها على وزن أفعل. ومنه في سورة الرحمن: (فيهن خيرات حسان). وفيها أيضاً: (متكئين على رفرف خضار وعبقري حسان)
وتقول في جمع الصقلاء، وهي المنهضمة الخصر الصقال للسبب المذكور. وقالوا: أعوام عُوَّم، كسكر، ومفردها عام أعوم ولم يقولوا سنة عوماء. قال القجاج:
من حرِّ أعوام السنين العوَّم
(الخامس) إذا أشير إلى الجمع المكسر بضمير مفرد مؤنث لكونه لغير العاقل، أو جاور (فعلاء) وصف مفرد مؤنث يصح أن يكون للمفرد وللجمع على السواء، فأنت مخير في أن تنعته بفعل أو بفعلاء، وإذا كان اللفظ في الشعر والوزن يقتضي (فعلاء) فلا تخف من أن تزن اللفظ هذا الوزن. وكذلك يقال على الجمع المكسر لغير العاقل، فيصاغ نعته على (فعلاء) إذا كانت هيئة ذلك الاسم المجموع بهيئة نعت مفرد مؤنث تقول: قنا خطية ملد، وقنا خطية ملداء، لأنك نصف تلك القنا بأنها (خطية) وبأن هذه (الخطية) ملد، أو ملداء.
وما عدا ذلك لا يجوز لك أن تنعت الاسم المكسر بنعت مفرد مؤنث، ولاسيما إذا كان الاسم المنعوت مجموعاً جمعاً مؤنثاً سالماً، فلا نقول قط كريات بيضاء.
(يتبع)
الأب أنستاس ماري الكرملي
أحد أعضاء مجمع فؤاد الأول للغة العربية
بغداد في 2691942