مجلة الرسالة/العدد 481/شهداء المعلمين
→ رمضان | مجلة الرسالة - العدد 481 شهداء المعلمين [[مؤلف:|]] |
صرخة الألم! ← |
بتاريخ: 21 - 09 - 1942 |
للأستاذ علي الجندي
(كثر في السنوات الأخيرة موت المعلمين فجأة في أثناء تأدية
واجباتهم، كما فشا فيهم مرض الذبحة الصدرية والفالج
وضغط الدم! حتى لفت ذلك أنظار الناس! وسر هذا البلاء
معروف لا يجهله أحد، وهأنذا أرفع صوتي بهذا الشعر الباكي
لعله يصل إلى أسماع القادرين على تخفيف الضر عنهم)
مَا غَالَهُ الْمًوْتُ، بَلْ أَوْدَى بِهِ الْعَمَلُ ... كَيْفَ الْحَيَاةُ وَلاَ سَلْوَى وَلاَ أَمَلُ!
قَالُوا: هُوَ اْلأَجَلُ الْمَحْتُومُ؛ قُلْتُ لَهُمْ: ... لَوْ لَمْ تَخُنْهُ الْمُنَى مَا خَانَهُ اْلأَجَلُ
يَأْسٌ وَبُؤْسٌ يَضِيعُ الْعُمْرُ بَيْنَهُماَ ... كِلاَهُماَ شَرٌ مَا يُمْنَى بِهِ رَجُلُ
أَغْرَتْ بِهِ الْمَوْتَ أَعْباَءُ تَحَمُلَهاَ ... لاَ يَشْتِكي. . . بَعْضُهاَ يَعْياَ بِهِ الْجَبَلُ
أَمَانَةٌ تُثْقِلُ اْلأَعْناَقَ مَا بُعِثَتْ ... إِلاَ لَهاَ أَنْبِياَءُ اللهِ وَالرُسُلُ
قَالُوا: بِهاَ انْهَضْ وَسِرْ فَوْقَ الْقَتاَدِ وَلاَ ... تَمْشِ الْهُوينَى! لِمَنْ جَاَءتْ بِكَ الْهَبلُ؟
هُوَ الشَّهِيدُ وَإِنْ لَمْ تَرْوَ مِنْ دَمِهِ ... بِيضُ السُّيُوفِ وَلاَ الْخَطَّيةُ الذُّبُلُ
تَمْضِي السُّنُونُ وَلاَ يَفْتَرُّ مَبْسِمُهُ ... وَلاَ يُرَنِّحُ مِنْ أَعْطاَفِهِ الْجَذَلُ
وَلاَ يَخَفِّ - عَلَى الأيام - مَحْمَلُهُ ... إَنَّ الشَّقِيَّ بِهِ الأَرْزَاءُ تَتَّصِلُ
مَشَى بَنُوهُ إلى غَاياَتِهِمْ، وَمَشَتْ ... بِهِ إلى قَبْرِهِ الأَوْصاَبُ وَالْعِلَلُ
ساَعٍ إلى دَرْسِهِ وَالضَّرُّ يُثْقِلُهُ ... كماَ مَشَى يَتَكفَا الشَّارِبُ الثَّمِلُ
تُكَادَ تَعْرِفُهُ مِنْ فَرْطِ صُفْرَتِهِ ... كأَنْ مِنْ وَجْنَتَيْهِ يَطْلُعُ الأُصُلُ
مَا جَازَ سِنَّ الصِّباَ وَالْوَجْهُ مُكْنَهلٌ ... وَالرَّأْسُ مُشْتَمِلٌ بِالشَّيْبِ مُشْتَعِلُ
وَالنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِ. . . كلٌّ لَهُ شُغُلٌ ... عَنْ هَمِّهِ. . . وَلَهُ مِنْ هَمِّهِ شُغُلُ
ساَرُوا عَلَى نُورِهِ الهْاَدِي، فَبَانَ لَهُمْ ... قَصْدُ السًّبِيلِ، وَسُدَّتْ دُونَهُ السُّبُلُ
وَخَلَّفُوهُ سِرَاعَ الْخَطْوِ، وَهْوَ لَقَي ... كماَ تَخَلَّفَ فيِ دَارَ الْبِلى الطَّلَلُ وَلَمْ تَضِقْ بِهِموُ فيِ عَيْشِهِمْ حِيَلٌ ... تُدْنَى الأَمَانيِ. . . وَقَدْ ضاَقَتْ بِهِ الْحِيَلُ
فيِ كلِّ يَوْمٍ لَناَ صَرْعَى نُشَيِّعُهُمْ ... إِلَى الْقُبُورِ، وَفيِ أَكباَدِناَ شُعَلُ
قَدْ عَاجَلَتْهُمْ مَناَياَهُمْ فَماَ فَزَعوا ... إِلَى طَبِيبٍ، وَلاَ أَوْصَوْا بِمَنْ نَجَلوا
أَنْضاَءُ حَرْبٍ مَفاَلِيلٌ وَلَيْسَ لَهُمْ ... عَلَى بَلاَئهِموُ غُنْمٌ وَلاَ نَفلُ
لَهفْيِ عَلَيْهِمْ ضَحاَياَ لاَ يُحسُّ بِهاَ ... فِيمَنْ أَقاَمُوا مِنَ الأَحْياءِ، أو رَحَلُوا!
الصَّابِرِينَ عَلَى الضَّرَّاءِ مَا نَبَسُوا ... يَوْماً بَشكْوَى، وَلاَ مَلُّوا، وَلاَ تَجلُوا
وَالْقاَنِعينَ مِنَ الدُّنْياَ بِقُوتِهِموُ ... وَغَيْرُهُمْ بِغِناَهُ يُضْرَبَ الْمَثَلُ!!
وَالسَّاهِرِينَ عَلَى الأَوْرَاقٍ مَا عَرَفَتْ ... طَعْم الْكَرَى فيِ الدُّجًى السًّاجِي لَهُمْ مُقَلُ
إَنْ أَحْسَنُوا لَمْ يُجاَزُوا بِالُّذِي صَنَعُوا ... وَإِنْ أَساءُوا فَذَنْبٌ لَيْسَ يُحْتَمَلُ!!
هِيَ الْحَياَةُ. . . فَمَوْلُودُ أُتِيحُ لَهُ ... (سَعْدُ السُّعُودِ) وَمَوْلُودٌ لَهُ (زُحَلُ)!
كَمْ دَائِبٍ فيِ نَوَاحِيهاَ قَضَى سَغَباً ... وَقَاعِدٍ جَاءهُ بِالنِّعْمَةِ الْكَسَلُ؟!
لَوْ أَنْصَفَتْ باَتَ كلٌّ عِنْدَ رُتْبَتِهِ ... فَلَمْ يَنَلْ نَهْلَةً مِنْ وِرْدَهاَ الْوَكِلُ
كَيْفَ احْتِياَلُكَ فيِ دُنْياَ يَطُولُ بِهاَ ... عُمْرُ الْجَباَنُ، وَيَلْقَى حَتْفَهُ الْبَطَلُ
لاَ يَجْتنيِ صاَبَهاَ إَلاَّ أَخُو كَرَمٍ ... وَلِلَّئِيمِ سُلاَفُ الرَّاحِ وَالْعَسَلُ
صَبْراً عَلَى نُوَبِ الأيام، عَلَّ لَكُمْ ... أَوَاخِراً، عِنْدَهَا تُنْسَى بِهاَ الأَولُ
الدَّهْرُ: أَنْعُمُهُ ظِلٌّ وَأَبْؤُسُهُ ... وَالظِّلُّ يَسْجوُ قَلِيلاً ثُمَّ يَنْتَقِلُ
(التوفيقية)
علي الجندي