مجلة الرسالة/العدد 48/من طرائف الشعر
→ تاريخ الأدب | مجلة الرسالة - العدد 48 من طرائف الشعر [[مؤلف:|]] |
حنين إلى النخلة ← |
بتاريخ: 04 - 06 - 1934 |
الوادي
لصوت الطبيعة الصارخ ألفونس دي لامارتين
للشاعر الدمشقي أنور العطار
(إلى التي علمتني الحب وعلمتني الألم، وجعلت من حياتي مشابه لحياة هذا الشاعر، في خيبة الحب، وحرقة القلب، ومشجعي النغم، ومذيب الألم!)
إيهِ وَادي الصَّباءِ والأَحلاَمِ ... ِإيهِ مَهْوَى الإِيحاءِ والإِلهامِ
هَبْ لِضَعْفي مَلاَذَ يوْمٍ قصير ... أَتَرَقَّبْ فيهِ دُنُوَّ حِمامي
لم يَعُدْ قَلْبيَ السَّئُوم المُعنَّى ... يرْتجي مِنْ عَمايةِ الأَيَّامِ
أَنْ تُعِيدَ المُنى إِليهِ عِذاباً ... مُغْرِيَاتٍ بِثغرِهاَ البَسَّامِ
هُوَ ذا المسلَكْ الذي ضاقَ ذرْعاً ... في ثنَايَا الوَادِي المُضبَّ النَّوَاحي
تَتَدلَّى الغَابَات حَوْلَ حِفَافيْ ... هِ وَتَبْدُو مُلْتفَّةَ الأدْوَاحِ
بَاعِثَاتٍ إلَى جَبِينيَ فَيْئاً ... مِنْ غُصُونٍ تميدُ بالأَفرَاحِ
غَاَمِرَاتٍ سَاحَ الفؤادِ سَلاَماً ... مُقْصِيَاتٍ عَنَّي شَجَا الأَتْرَاحِ
هَاهُماَ جَدْوَلاَنِ في قَاتمِ البُعْ ... دِ اسْتَسَرَّ في مَسْرَبِ الأَعْشاَبِ
رَسما في المَسيِر مُنْعَطفَ الهضْ ... بِ وَمَسرَى الرُّبا ومَنْحى الشَّعابِ
مَزَجَا في هُنَيهْةٍ نَاغِمَ المَا ... ءِ بَموْجٍ كَالهَادِرِ الصَّخَّابِ
ثُمَّ غَابَا عَنِ العُيُونِ وَضَاعا ... في قَصِيَّ المدَى وَخَافي الرَّحابِ
وَلَكاَلجْدْوَلَيْنِ في التَّهدارِ ... فَاضَ نَبْعي وَلّجَّ في التَّسيْاَرِ
ثُمَّ ولَّى وَلَيسَ صَوتُ ولا اسْمٌ ... أوْ مَعَادٌ إِلى حِمى التَّذكاَرِ
فيهما المَاء قد ترَامى نَقيَِّا ... مُشرِقَ السكْبِ مثلَ شمْسِ النَّهَاَرِ
غيْرَ أنَّي، وَالهْفَ نفْسي، كئِيبٌ ... وَمِيَاهي مُرْبدَّةُ الأنْوَارِ
في ضِفَافٍ مِنَ الجدَاوِلِ غَرْقَى ... في دُمُوع النَّدَى وَسَجْوِ الظَّلالِ
كُنْتُ أَقْضيِ سَحَابةَ اليَوْمِ مَغْلُو ... لاً بِقيدٍ ممِنَ الطَّبِيعةِ غَالِ وَعَلى هَادِرِ الميَاهِ تَغُطُّ النَّ ... فْسُ في حُلْمِهاَ البَعيدِ المجَالِ
مِثْلَ طِفْلٍ أَغْفى على نَغَمٍ حُلْ ... وٍ غَميسٍ في زاهِرِ الآمَالِ
آهِ! هَلْ لي إِلى هُنَاكَ مَعَادٌ ... حَيْثُ أَفْنى في زاخِرِ الأَمْوَاجِ
إنَّ عَيْني تَهفُو الى ذلك الأُفْ ... قِ وَتَهْوى تَزَاحُمَ الأحرَاجِ
ليتَني في حِمى الطبيعةِ أَبْقى ... سَادِراً في بِقَاعِهَا والفِجَاحِ
ثُمَّ أَرنُو إِلَى السماوات مِفرَا ... حاً أُصَلَّي في ذَهَلتي وَأُناجي
كم تَعشقَّتُ في حياتي وَكم زوَّ ... دتُ عيني مَرْأَى، وَقَلبي شُعُورَا
غيْرَ أَنَّي رجعتُ أَدراجَ ذاك الْ ... عَيشِ أَبغي إلى الهُدُوءِ مَصيَرا
يَا مطافَ الجمَالِ باللهِ كُنْ لي ... شاطئِاً للسُّلُوَّ يوْماً قَصيرَا
لَيْسَ غيْرُ النَّسْيانِ يَمْلأُ نفْسي ... أَملاً وَاسعِاً وَصبْراً غَزيرَا
إِنَّ نَفسي في هدْأَةٍ وَفُؤادِي ... في ارتيَاحٍ يَفُوقُ كُلَّ ارْتيَاحِ
لمْ يعكَّر صَفاَءهُ الأَلمُ المرُّ ... (م) وَمَا في حِمَاهُ مِنْ أَترَاحِ
والضَّجِيج القَصيُّ للسكوْنِ يَفنى ... كَفَناءِ الأَشْباحِ في الأَشبَاحِ
مِثلماَ يُضعِفُ المدَى الصَّوت في الأُذْ ... نِ تمشَّتْ بهِ مُتُونُ الرَّياَحِ
قَدْ رَأيْتُ الحياةَ بَيْنَ الغُيُومِ ... تَتَوارى في الغَابرِ المَوْهُومِ
وَيضيعُ البَرِيقُ منها وَيَخفى ... خلْفَ سِتْرٍ مِنَ الزَّمانِ القْديِمِ
غير باقٍ منها سِوى الحُبَّ يَبدْو ... في إطارٍ منَ الخيالِ عظيمِ
وحْدَهُ ثابِتٌ لدُنْ قَدْ أفاقَ ال ... قلَبُ مِنْ حُلْمهِ العميقِ الهُمُومِ
إيهِ نفسي قِفي على الملْجَأِ البا ... قي وَلُوذِي بهِ لِكيْ تسترِيحي
مثلما يجلِسُ المسافِرُ والقَل ... بُ مَلئٌ مِنَ المرامِ المُرِيحِ
هادئَ البالِ تَهَنَّأ لمَّا ... بَلَغَ القَصْدَ بَعَدَ سَيرٍ طَليحِ
راح يَستنْشِقُ الهواَء نقيّاً ... في مَساءٍ بالنَّافِحَاتِ طفُوحِ
مِثْلُهُ فلُثِرْ غُبَارَ خُطانا ... مالنا رجعَةٌ إلى ذي الطَّريقِ
مِثْلُهُ فَلْنَشمَّ في غايةِ العُم ... رِ أريجاً مِنَ الصَّفاءِ العمِيقِِ
حُلُمٌ عَيْشُنا يَمُرُّ وَيمضي ... غيرَ حُلوِ الُّرؤى وغيرَ أنيقِ ما بِهِ جِدَّةٌ يرِفُّ سناهَا ... وهو غَمْرٌ بِكُلَّ رثٍّ عتيقِ
إنَّ أيَّامَكِ القِصَار العَبُوسَا ... تِ كمِثلِ الخريفِ في الإجهَامِ
تَنطوِي مثلما يُغَيَّبُ ظِلٌ ... في ثنايا الهضابِ والآكامِ
ثُمَّ تزوي عنكِ الصداقةُ والعط ... فُ يُولَّي موَشَّحاً بظلامِ
في طريقِ القُبُور تَهوين حَسْرى ... وتضيعين في سجونِ القَتَامِ
بيدَ أن الطبيعة الرحبةَ القَل ... بِ تُناديكِ في حنانٍ عظيمِ
فَاغمسي روحكِ اللهيفَةَ فيها ... فهيَ أحْنى مِنْ كلَّ قلبٍ رؤومِ
فإِذا ما ضجرتِ منْ عالمِ البُغْ ... ضِ وما في مطافِهِ منْ همُومِ
فارجعي القَهْقري ترَىْ عا ... لَمَ حُبٍ ضَمَّ كلَّ مرومِ
فهيَ توليكِ ظِلَّها وسناها ... وتُصَفَّي مِنَ الأثامِ هواكِ
أنصتي للصَّدى العميقِ (فبيتا ... غور) قد تامهُ صدَى الأملاكِ
فاعبُديهِ وقدَّسيه طويلاً ... إن فيهِ ما تَشتهيهِ مُناكِ
أَرهفي أُذْنكِ اللَّطِيفةَ تَسْمَعْ ... في سَمَاها نشَائدَ الأفلاَكِ
اْتبَعي النُّورَ في السَّمَاءِ ومَاشي ال ... ظِلَّ في الأَرضِ وامْرَحي في الوِهادِ
واصعَدِي في رُبا النَّسيم مع الرَّي ... ح التي لا تَعي مِنَ الإِنشادِ
وَاملئي الغَابَ فَرَحةً وَالسَّواقي ... وَاسرَحي طلْقةً مِنَ الأَصفَادِ
خاصِرِي ذلك الشُّعَاغَ السماويّ (م) ... وَهيَّا ارقُصي بِظلَّ الوَادي
نَفَحَ اللهُ بالذَّكاءِ بَني الأَرْ ... ضِ لكي يهتْدوا إلى مُوحِيهِ
وَيُناجُوهُ ضارِعِين إِليهِ ... لم يِخبْ قَطُّ في الدُّنا راجيهِ
إنَّ صوتْاً يُخاطِبُ الرُّوحَ حُلْواً ... وَهيَ غَرْقى في صَمتِهاَ والتَّيهِ
آهِ مَنْ لم يسْمَعْ نِداءً خفياًّ ... هُوَ في قَلْبهِ صّدَى مُلْقِيهِ
دمشق
أنور العطار
من المجمع الأدبي