الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 477/المساهمة والشركة في مصر

مجلة الرسالة/العدد 477/المساهمة والشركة في مصر

مجلة الرسالة - العدد 477
المساهمة والشركة في مصر
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 24 - 08 - 1942


بمناسبة ذكرى وفاة (طلعت حرب)

للأستاذ عبد الله حسين

في يوم الخميس 13 أغسطس أحتفُل بالذكرى الأولى لوفاة الزعيم الاقتصادي الكبير المغفور له محمد طلعت حرب باشا، المؤسس الأول لبنك مصر وشركاته المساهمة المعروفة. ولقد كان مما يتفق وطبائع الأمور، أن يعرض المحتفلون بهذه الذكرى، والمعزون والجماهير التي عرفت (طلعت)، أو استمعت إلى أحاديثه وخطبه، أو وقفت على آثاره وأعماله وتصرفاته، إلى بنك مصر وشركاته، وما يتصل بها من خطط، وما تعرضت له من أزمات؛ وكان من الطبيعي أيضاً أن يكون للفقد - شأن كل عظيم وعصامي ومبرز - الأصدقاء والحساد والأعداء. . . والخصومة للعظيم - وخاصة لمن بلغ منزلة (طلعت) - لا تغض من مكانته، بل لعلها تزيده منزلة، وتُجلَّى على الأيام فضائله وشمائله. ذلك أن النقد وحده هو الذي يستطيع أن يكشف عن اللؤلؤة الصحيحة من دفائن المعادن

لست أريد أن أتناول هنا ترجمة حياة الفقيد، ولا أن أقوم ببحث في شؤون الشركات الوطنية؛ وإنما حسبي أن أعرض لأشياء تحدث بها أناس منذ أعوام ثلاثة، وكان من وراء هذه الأحاديث ذلك القانون الذي صدر في العام الماضي بدعم بنك مصر وتقوية الروابط بينه وبين الحكومة

كانت هذه الأشياء من المسائل التي بالغ حساد (طلعت) وخصومه في الخفض من مكانته، والغض من شأوه، وفاتهم بادئ ذي بدء، أن (طلعت كان رجلاً، وكان مجرباً، وكان بادئاً، وكان بشراً، وكان يعمل في بيئة لم تُتَعهد من قبل. . . كل هذا قمين أن يدعوا إلى شيء من الخطأ والتراخي والتشاؤم. ولقد كنت أشفق من هذا الأشياء، وكنت أخشى أن تعدو من جرائها العوادي على البلاد والمشروعات الوطنية

غير أنني بعد أن هدأت العاصفة، وقضي (طلعت)، راجعت نفسي، وشئت أن أكون في منزلة القاضي، يفصل بالحق، ويورد في حيثيات حكمه الأسباب التي يتألف منها اعتقاده، والمقدمات التي انتهت إلى رأيه

أراد (طلعت - حين فكر وحين مضى يحقق ما فكر فيه - أن يستعين في مشروع بالعناصر التالية:

1 - (الأعيان): للإفادة من أموالهم في الاكتتاب برأس المال، ثم يجذبهم إلى نقل مودعاتهم من البنوك الأجنبية إلى البنك الوليد

2 - (الحكومة): بوزاراتها ووزرائها وكبار موظفيها. لكي تكون يداً مع المشروع وما تفرع عنه من الشركات، وذلك بأن تودع أموالها البنك، وبأن توصي بتفضيل منتجات شركاته وما إلى ذلك من مزايا

3 - (الصحافة): للدعوة والدعاية والتخفف من المهاجمة أو النقد، إذ أن المشروع جديد ومالي يتأثر بالنقد السريع

4 - بالجمهور - عامة، وخاصة - الطلبة والشباب:

فإذا كان قد حدثت أشياء غير صالحة، فإن منجم ذلك هو العيوب التي نشهدها في تصرفات الأعيان والحكومات والمصالح الأميرية وبعض الصحافة والجمهور. ذلك أن كل عنصر من هذه العناصر، حسب أن له حقاً على طلعت أو على البنك، بأن يترخص وأن يتسامح فيما لا يجوز الترخيص والتسامح فيه. فإذا وقف طلعت موقف الحزم، غضب طلاب المنفعة؛ وإذا تسامح - وهذا ما كان يؤثر طلعت دفعاً للكيد - استتبع هذا ألواناً أخرى من التسامح، بالاستزادة من الإقراض والتراخي في الأداء. والرجل يريد أن يرضي جميع الحكومات خشية أن يقال إنه حزبي. على حين أن مشروعاته مستقلة وواجب أن تكون مستقلة عن الأحزاب السياسية والتجارية والشخصية.

وعندي أنه إذا شئنا أن نتقي ما حدث من الأزمات والأخطاء، أن نمضي قدماً في علاج شئوننا، فنعرف أين يبدأ حقنا وأين ينتهي عند حق غيرنا من بنك أو شركة أو مساهمة أو مصلحة عامة. علينا أن نفرق بين منافعنا الخاصة وبين المصالح العامة. بل علينا أن نعرف كيف نضحي منافعنا الخاصة لنصلح شئوننا العامة. فالمجاملة والتسامح (سياسة معلهش) والتراخي والاستغلال الحقير للنفوذ هذا كله مرجع العيوب في مشروعاتنا ومساهماتنا وشركاتنا. فإن أصلحنا، صلحت أداتنا المالية والاقتصادية، وأدركنا أن الداء فينا وعلاجه بين ظهرانينا، وأنصفنا الموتى من الأحياء

عبد الله حسين