مجلة الرسالة/العدد 476/البريد الأدبي
→ ذكريات. . . | مجلة الرسالة - العدد 476 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 17 - 08 - 1942 |
السويبة هي الصوبة أو الصوببة
سأل حضرة الأستاذ الفاضل عبد الرحمن أفندي أحمد سعد عن أصل (السويبة) في العربية، وعن دلالتها على معنى يقارب معنى المطمورة التي على وجه الأرض فنقول - قبل الجواب - هذه الكلمة:
زارني أحد أدباء البغداديين، بعد أن وقف على كلمة (المطمورة) المدرجة في العدد 464 من الرسالة فقال: (بأي لغة كتبت يا سيدي مقالتك على (المطمورة)؟) قلنا له: باللغة المالطية، وسبب هذا الجواب أني لاحظت في طبعها أغلاط طبع كثيرة، حتى كان يصعب علي معرفة ما كتبتُ. ولولا عناية خاصة من الله لما تمكنت من فهم ما جاء فيها. ولم أبعث بتصحيح ما جاء فيها من الأوهام، لبعد المسافة بين بغداد ومصر، ولكثرة ما كان فيها من الأوهام. ولهذا اكتفيت بأن خططت خطاً أزرق تحت كل زلةٍ وردت فيها، تنبيهاً للقارئ لا غير، وذلك في نسختين فقط.
وبعد أن نبهت هذا التنبيه العام أقول:
ورد في سؤال الأستاذ الأبيض الوارد في 632: 10 (ثم يسيفونها) والصواب (ثم يسيعونها) وقوله (ويصمدونها) والصواب (ويصومعونها).
والآن نجاوب على سؤاله فنقول:
إن (السويبة) من أفصح كلام العرب وأحسنه بعد إزالة التصحيف عنه. والصواب أن يقال (الصويبة) مصغرة، أو (الصوبة) مكبرة. وبكلا اللفظيين ينطق بعض أعراب العراقيين. قال الشارح:
(والصوبة، يالضم: كل مجتمع. عن كرابح، أو الصوبة: الجماعة من الطعام. والصوبة: الكدسة من الحنطة والتمر وغيرهما. والصوبة: الكبشة من التراب، أو غيره. عن ابن السكيت: الصوبة: الجرين، أي موضع التمر، وحكى اللحياني عن أبي الدينار الأعرابي دخلت على فلان، فإذا الدنانير صوبة بين يديه، أي كدس مهيلة. ومن رواه فإذا الدينار، ذهب بالدينار إلى معنى الجنس، لأن الدينار الواحد لا يكون صوبة. هكذا في لسان العرب؛ غير أني رأيت في الأساس قولهم: والدنانير صوبة بين يديه، مهانة. فلينظر انتهى. قلنا: قوله (مهانة) من خطأ الطبع. والصواب (مَهيلة) من هال التراب أو نحوه: إذا صَّبهُ
فأنت ترى من هذا أن أهل السودان متفقون وأهل العراق على اتخاذ هذه الكلمة، إلا أن أبناء الرافدين يستعملونها مكبرة ومصغرة على السواء من غير تفضيل صيغة على صيغة، إنما يأتون بها بحسب ما يمر بخواطرهم، ويفعلون مثل ذلك بكثير من الحروف
ثم إن نقل الصاد إلى السين كما في (الصُوَيْبة) و (السويبة) لغة قديمة معروفة عند العرب، فمنهم من كان يرقق الصاد فيجعلها سيناً، ومنهم من كان يفخم السين فيجعلها صاداً. والشواهد لا تحصى. والأمور جارية هذا المجرى إلى عهدنا هذا. ونحن نذكر بعض الشواهد من كلام الأقدمين فقد قالوا:
(الخِرس كالخِرص. والخربسيس والخربصيص. والسويق والصويق. قال ابنُ دُريد في الجمهرة: وبالصاد، أحسبها لغة لبني نميم، وهي لغة ابن الغبر خاصة) (كذا في تاج العروس. وهو خطأ أيضاً والصواب: (وهي لغة بني العنبر، إذ لا وجود لابن الغبر)
والتاج كثير أغلاط الطبع، ويجب أن يطالعه القارئ بكل تحفظ وتحرز وقد صححت فيه أوهاماً لا تحصى، ولو طبعت لجاءت في مجلد كبير، وكذلك يقال في لسان العرب، فإن مطبوعان مصر القديمة كانت تجئ بأقبح حلة وأسوأ حالة.
وأنتهز هذه الفرصة لأقول: إني لم آت على ذكر جميع مترادفات المطمورة أو ما يجالس معناها من الألفاظ المستعملة في العراق. فقد نسيت مثلاً الصوبة والصويبة. والمنثر، وزان المِنبر وهي مستعملة في ديار المنتفق وأرجائها، وهو مخزن الطعام في الصحراء ويسمى صاحبه الجَّبان بجيم مفتوحة، يليها باء موحدة تحتية مشدَّدة، فألف، فنون
والمنثر، غير واردة في معاجم اللغة، وقد وردت في (كتاب عمدة الطالب، في أنساب آل أبي طالب)، وصاحبه من أنباء المائة التاسعة للهجرة
هذا ما تيسر لنا جمعه. وهو الهادي إلى الصواب
(بغداد)
الأب أنستاس ماري الكرملي
من أعضاء مجمع فؤاد الأول للغة العربية كم ذا
يرى الأستاذ الظريفي في العدد (475) من الرسالة الغراء أن الموضوع لم ينته بالردود التي قرأها في الأعداد السالفة، ثم بغُفل بيت أبي الطيب ويتناول بيت حافظ رحمه الله بالنقد القاسي تارة وبالتجريح تارة أخرى. ولنا أن نتناول كلمته بالنقد الهادئ تقريراً للحق ودفاعاً عن شاعر النيل. وإنا لنوجز البحث فنقول: ذهب الأستاذ إلى أن (كم) في بيت حافظ استفهامية ومميزها محذوف تقديره (كثيراً) أو ما هو في معناه؛ ثم أورد بيتاً لا ندرك تماماً صلته بالموضوع وهو قول أحد الشعراء:
إلى كم ذا التملق والتواني ... وما هذا التمادي في التمادي
فأما كون المميز (كثيراً أو نحوه) فلا نفهمه، والوَجْه أن يكون المميز (شدةً أو شوقاً مبرحاً) أو لفظاً مجروراً بمن مناسباً للمقام؛ وإذا فقول حافظ:
كم ذا يكابد عاشق ويلاقي ... في حب مصر كثيرة العشاق
يحمل على الصورة التالية (كم شدةً أو كم من الشدائد والأشواق المبرحة يكابد عاشق ويلاقي في حب مصر)؛ أما أن يكون المعنى (كم كثيراً يكابد عاشق مصر هذا الألم) فلا نكاد نسيغه.
وظاهر أن (ذا) في البيت الذي أورده الأستاذ اسم إشارة وليس بها رائحة الاستفهام بقرينة الاستفهام في الشطر الثاني. ثم يرى الأستاذ الظريفي أن (ذا) مفعول مقدم ليكابد؛ وقد يكون في هذا تعسف لا داعي إليه؛ وقد بدا اثر ذلك فيما أورده من تأويل. ويرى أن كلمة (يلاقي) حشو أريدَ به تكملة الوزن والقافية، ومثل هذا القول يفهم في مثل هذا القول يفهم في مثل قول الشاعر (وألقى قولها كذباً وميْنا) أما فرضه على قول حافظ فقسوة بالغة، فإن لكلمة (يلاقي) معنىً يزيد البيت قوة والمعنى روعة؛ فالشاعر يكابد في حب بلاده ما يكابد، ويلاقي كل يوم شوقاً وعنتاً جديداً في سبيل ذلك الحب. والقول بأن في البيت غلطة نحوية لا يقل عن سابقه قسوة. نعم إن إضافة (كثيرة) لا تكسبها تعريفاً فلا تصلح وصفاً لكلمة (مصر) وهي معرفة، ولكن من المكن قراءتها منصوبةً على الحالية من (مصر) لا من (يكابد) كما جاء في كلام الأستاذ. وقديماً قالوا: إن الحال وصفٌ لصاحبها قيدٌ في عاملها (فكثيرة العشاق) وصف لمصر قيد في المكابدة والملاقاة؛ كما يمكن حملها على أنها منصوبة بعامل مقدر مناسب للمقام، وقد يقع مثل ذلك للمدح (كما هنا) وللدم أو الترحم أحياناً. وإذا فلا موجب لتصويب البيت بالصورة التي رآها الأستاذ الظريفي بعد ما استقر في النفوس وتنقلت روعته في قلوب الأدباء جيلاً بعد جيل
وبعد، فقد أغفل الأستاذ بيت أبي الطيب (وكم ذا بمصر من المضحكات. . .) وقد أصبح شطراً ذا خطر في موضوع البحث، ولا أدري أهو مُسلَّم به، وإذاً ففيم قوله: إن الردود لم تنه الموضوع؟ أم هو لا يزال منه في ريب وإذا فما رأيه؟ على أني أعود فأقول: إن أبا الطيب جارٍ في بيته على عرف أهل الكوفة الذين أجازوا زيادة الأسماء ومنها (ذا) وجوزوا وقوع أسماء الإشارة أسماء موصولة ومنها موضوع النزاع. وفيم العجب والرجل واسع الثقافة متأثر بآراء مدرسة الكوفة، ثم هو بعد من دعائم الشعر ومفاخر العروبة؟!
غفر الله لك يا أبا الطيب؛ طالما عَنَّيْتَ حُسَّادك وأنصارك! وكأني بروحك اليوم تطل على هذا الخلاف، ثم تبتسم وتومئ إلى قولك الخالد:
أنام ملء جفوني عن شواردها ... وتسهر الخلق جرَّاها وتختصم
(المنصورة)
محمود البشبيشي
حول الردف والسناد
ردّاً على كلمة الأديب الفاضل أحمد يونس محمد أقول: إن علماء العروض نصوا حقيقةً على أن الردف هو حرف مدٍّ قبل الروي؛ وعليه فتكون الياء في مثل: سريرتي والخميلة، ليست من قبيل الردف، لعدم وقوعها قبل حرف الروي مباشرة. . . ولكني أضيف إلى هذا أن الشعراء قد أجمعوا من قديم على التزام مثل هذه الياء - إذا وردت - في سائر الأبيات، حتى لتوهموها من الردف وأضافوها إليه؛ هم محقون في ذلك، لأنها لا تستساغ في الواقع إلا ملتزمة مع سائر الأبيات. . .
وقد بلغ من إجماعهم على اعتبارها ردفاً، واحترازهم من الوقوع في (سناد الردف) بإهمال التزامها، أن نص ابن رشيق على هذه الشبهة في كتابه (لعمدة)؛ فقال في باب القوافي (ص 106 من الجزء الأول):
(وقد يلتبس بالمردف ما ليس بمردف، فيجتنبه الشعراء مثل (فيهم) مع (منهم) وهو جائز، لأن الهاء ليست رويَّا فتكون الياء ردفاً، وإنما الروي الميم): أي أن ياء (فيهم) لم تقع قبل حرف الروي (الميم) مباشرة، بل فصلت بينهما الهاء؛ فالياء هنا ليست ردفاً بسبب ذلك الفصل. . .
ونحن لم نضف هذه الياء إلى باب الردف إلا أخذاً بإجماع الشعراء، وهم إدراكاً لدقائق العروض من (العروضيين) أنفسهم. ولئن كان ابن رشيق شاعراً أيضاً، إلا أنه اصدر حكمه هذا وهو لا بس ثوب (العروضيين) ومتحدث بمنطقهم؛ وما نظن أنه أتى في شعره بمثل الذي أجازه هنا. . .
ثم إننا نحاسب الأستاذ محمود حسن إسماعيل باعتباره شاعراً مرهف الإحساس. . . لا نظَّاماً ولا عروضيَّاً
على أن قصيدته إن خلت من الردف ومن سنادِه، وفقاً للقاعدة العروضية فهي لم تخل من التأسيس - في بعض أبياتها دون بعض - كما أشرنا إلى هذا في كلمتنا السابقة؛ وعليه فيكون السناد الذي تطوق إليها، وهو سناد التأسيس دون غيره من (أنواع السناد الخمسة) التي يتساءل عنها الأديب صاحب الكلمة
(جرجا)
محمود عزت عرفه
في كتاب (الإمتاع والمؤانسة)
. . . أُصحح للأب الفاصل أنستاس ماري الكرملي خطأ وقع فيه وهو قوله إن (هيردوس أتيقوس) روماني لا يوناني؛ فهذا ابعد في الخطأ من استنكاره أن يعتبر (تيودسيوس) يونانياً، وذلك لأن (أتيقوس) هذا أي (الآتيكي) نسبة إلى (آتيكا) مقاطعة آتينا (معلم خطابة)، أو على الأصح (معلن بلاغة) يوناني صميم ولد في ماراتون سنة 101 بعد الميلاد وكان أبوه (آتينا) صميماً تولى القنصلية أيام (نرفا)، ولقد مات (أتيقوس) سنة 177م، ونحن نعرف عنه أنه أنفق شبابه في (آتينا)، وأنه درس بها الفلسفة آخذاً بمذهب (أفلاطون)، أنه أتى إلى (روما) ليشرف على تربية الإمبراطور الفيلسوف مارك أوريل وأخيه في التبني (نرفوس) وأنه بعد أن صار قنصلاً، وبعد أن جمع ثروة ضخمة، عاد إلى (آتينا)، حيث بنى عدة مبان هامة، لا يزال قائماً منها إلى اليوم (أوديون أتيقوس) الشهير بسفح (الأكروبول) وإذا، (فأتيقوس) يوناني، ولغته هي اليونانية
وإذا ذكرنا أن (كومودوس) هو ابن (مارك أوريل) وأن (أتيقوس) قد أشرف أيضاً على تربيته، كما اشرف على تربية أبيه، وإذا كان من الممكن أن يكون (قومودس) إمبراطور روما كتب إلى (أتيقوس) باللغة اليونانية يطلب إليه كتباً وأشعاراً، وأن العرب قد علموا بذلك - مترجماً عن اليونانية - ترجمة لا نعلم مبلغ دقتها فأي غرابة في أن يكونوا قد جعلوا من (أتيقوس) شاعراً يونانياً، ومن (قومودوس) ملكاً لليونان، ما دام مصدرهم كان يونانياً وما دام (التوحيدي) يورده علي سبيل الرواية؟ وهل العرب كانوا يعرفون شيئاً دقيقاً عن الشعراء اليونان ومعلمي البلاغة عندهم، حتى نستبعد أن يخلطوا بين الشاعر ومعلم البلاغة، أو أن يستنتجوا من يونانية النص أنه تبودل بين يونانيين؟
وأما قصة (الكراكي)، فقصة لا اثر لها فيما عثرت به من كتب اليونان، فهي خرافة لا نعلم عن نسبتها إلى قومودوس وأتيقوس شيئا، وإن يكن هناك احتمال في أن تكون من بين الأساطير الكثيرة التي راجت عن وفاة الشاعر اليوناني الكبير لوسيان المعاصر لقومودوس وأتيقوس
وهكذا يتضح أن القراءة التي نظمها أقرب ما تكون إلى الصحة، هي قومودوس وأتيقوس اللهم إلا أن تكون عند الأستاذ كرواس معرفة خاصة بأبقوس الشاعر اليوناني، وذلك ما ننتظره منه إن تفضل فجاد بعلمه الغزير
ولعل في هذه القراءة ما يطمئن إليه - ولو مؤقتاً - الأب الفاضل إلى أن يقترح غيرنا قراءة أصح
محمد مندور
مدرس بكلية الآداب