مجلة الرسالة/العدد 475/البريد الأدبي
→ غراب وطفل | مجلة الرسالة - العدد 475 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 10 - 08 - 1942 |
الأستاذ العقاد في السودان
لا يزال الأستاذ الجليل عباس محمود العقاد منذ نزل الخرطوم موضع
التكريم والتجلة من أهله. وللسودان الكريم أريحية للأدب ورجاله هي
نصيب المصرية منه وسر العروبة فيه. وقد تعشت الروح الأدبية في
القطر الشقيق بزيارة الأستاذ له؛ فحفلت الأندية، ونشطت الصحافة،
وكثرت المآدب، وافتنت الأحاديث، وتلاقت الآراء، وتجاوبت المشاعر،
وبان من كل أولئك فضل الأدب على السياسة والاقتصاد في إبلاغ
الرسالة وإحسان السفارة؛ لأن رجال الأدب هم أهل الرأي والتوجيه،
فليس بعد اتفاقهم خلاف، ولا بعد اهتدائهم حيرة. وقد نشرنا في هذا
العدد أولى رسائل الأستاذ من الخرطوم؛ وستكون هذه الرسائل ولا
شك طُرفاً من الأدب الرفيع كان يتمناها قراء الرسالة وأصدقاء
السودان وعشاق الأدب. ومن طرائف هذه الرحلة المباركة أن العقاد
أرسل إلى جريدة النيل هذه الأبيات تحت هذا عنوان:
من جزيرة القاهرة إلى مقرن الخرطوم
تفسير حلمي بالجزير ... ة وقفتي في المقرن
حلمان حظهما خيا ... لاً دون حظ الأعين
ما دمت بينهما فما ... أنا سائل عن مسكني
وإذا التذكر عاد بي ... عطف الجديدُ فردني
يا جيرة (النيل) المبا ... رك، كل نيل موطني
وله سمىُّ في الصحا ... فة معرب لم يلحن
حييت فيه سميه ... وحمدت فيه مأمن (الخرطوم)
عباس محمود العقاد
فأجابه الأستاذ المبارك إبراهيم أحد محرري النيل بهذه الأبيات:
يا من نزلت أعالي الوا ... دي حميد المأمن
أهلاً، فمنزلك القلو ... ب وفي سواد الأعين
ولأنت يا بن النيل با ... قعة البيان الأرصن
فتغن في الخرطوم ما ... شاء التغني وافتن
فالنيل في أرض الكنا ... نة مثله بالمقرن
(وله سمىٌّ في الصحا ... فة معرب لم يلحن)
لهج يرمز العبقر ... ية أو بديع الأزمن
(دارة جريدة النيل بالخرطوم)
المبارك إبراهيم
أعداد الرسالة الخاصة
كبنا وما زلنا حريصين على أن يكون أكثر ما يُكتب في أعدادنا الخاصة بأقطار العروبة، لأقطاب البيان المسئولين في كل قطر يصدر عنه العدد. وكان هذا الحرص سبباً في هذا البطئ الملحوظ في إعداد هذه الأعداد، لأننا لم نتلق من العراق حتى اليوم ما طلبناه من المقالات والصور. وقد يكون للأحوال الحاضرة أثر في هذا البطء، ولكنه الأثر الذي لا يستطيع أن يتغلب على إرادة أمة تريد أن تتعارف أن وتتآلف وتسير في جهادها المشترك على هدى وعلم.
وإنا مع تكرار الرجاء لإخواننا الأدباء أن يستجيبوا لما طلبت الرسالة، نعلن إليهم أننا لم نكلف أحداً بجمع المقالات والوثائق غير الأستاذ فخري شهاب السعيدي في بغداد؛ أما في الأقطار الأخرى فلم يقع اختيارنا على أحد بعد.
وفاة السير وليم فليندرس بتري توفي مساء اليوم الثامن والعشرين من شهر يوليو بمستشفى الحكومة بالقدس السير وليم فليندرس بتري، عالم الآثار المصرية عن ستة وثمانين عاماً
وكان الفقيد من العلماء الثقات في تاريخ مصر القديم وتاريخ الغابرين في القسم الشرقي من حوض البحر المتوسط. وهو الذي وضع قواعد علم الآثار في مصر، واستخدام الآثار المدفونة في الكشف عن أسرار الحضارات القديمة
ومما كان يقوله، إن الخزف والجواهر من أهم موارد العلم له، وأن الأبنية كانت ترشيده إلى كل ما يريد الوقوف عليه، وإن لم يكن هناك شيء مكتوب عليها
وقد ولد السير فليندرس في 3 يونيو 1853 ببلدة (شابلتون) بجوار جرينوتش، وكان والده مهندساً، وجده لأمه ضابطاً بحرياً
ولما بلغ الثامنة من عمره كان يتكلم أربع لغات. وفي سن الخامسة عشرة كان طالباً مجداً في القسم المصري بالمتحف البريطاني
وفي السابعة والعشرين من عمره، قدم مصر حيث بدأ حياته العملية
وكان إلى جانب إلمامه التام باللغات القديمة، رياضياً من الطراز الأول، ومهندساً ومصوراً بارعاً
وأمضى السير وليم فلندرس العامين الأولين، من أعوام إقامته في مصر، وهو يقيس الأهرام والمعابد، ثم درب على ذلك جماعة من العمال المصريين، وبدأ أعمال التنقيب عن الآثار. وظل يقوم بهذه الأعمال وكتابة المذكرات عن استكشافه حتى سنة 1914
وقد ألف أكثر من مائة كتاب استغرق في كتابة أحدها وهو (تاريخ مصر) 19 عاماً، إذ بدأه في سنة 1894 وانتهى منه سنة 1923
وكذلك أنشأ مدرسة إنجليزية لتدريس الآثار في مصر ولبث يقوم بالتدريس فيها حتى سنة 1934، إذ غادرها إلى القدس، حيث بدأ أعمال الحفر في صحراء سينا وسورية
من أي يومي من الموت أفر
جاء في العدد 473 من (الرسالة) تحت عنوان (تصويبات) في مقال للأستاذ أحمد يونس محمد تعليقاً على البيت الآتي الذي ذكره الأستاذ السيد يعقوب بكر للأمام على: من أي يوميّ من الموت أفر ... أيوم لم يقدرَ أم يوم قُدر؟
أن البيت على هذا الوضع لا يتفق مع ما جاء بعده لأنه من بحر الرجز، وقد جاء في ديوان الإمام علي هكذا:
أيّ يوميّ من الموت أفر ... يوم ما قدر أو يوم قدر
يوم ما قدر لم أخش الردى ... وإذا قدر لم يفن الحذر
وهما من الرمل، ثم قال: على أنه إذا صح أن ديوان الحماسة لم يذكر غيره، فإنه يكون مكسوراً، لأن (لم) تقتضي الجزم، وهو لا يتمشى مع الوزن. انتهى كلامه
فالشق الأول لا اعتراض لي عليه. أما قوله بكسر البيت، فهذا خطأ، لأن الرواية بفتح راء يقدر، كما بسطت في كتب القواعد كالأشموني والمغني منسوبة للحارث بن منذر الجرمي؛ فقد زعم اللحياني أن بعض العرب ينصب بلم كقراءة بعضهم (ألم نشرح لك صدرك)؛ وقول الشاعر:
في أي يوميّ من الموت أفر ... أيوم لم يقدرَ أم يوم قدر؟
وخُرجا على أن الأصل نشرحن ويقدرن، ثم حذفت نون التوكيد الخفيفة، وبقيت الفتحة دليلاً عليها. وقال أبو الفتح: الأصل يقدر بالسكون، ثم لما تجاورت الهمزة المفتوحة والراء الساكنة، أبدلوا الهمزة المحركة ألفاً، كما تبدل الهمزة الساكنة بعد الفتحة (إعطاء للجار حكم مجاوره)؛ ثم أبدلت الألف همزة متحركة لالتقائها ساكنة مع الميم
وأقرب للقياس أن يقال: نقلت حركة همزة أم إلى وراء يقدر، ثم أبدلت الهمزة الساكنة ألفاً، ثم الألف همزة متحركة لالتقاء الساكنين، وكانت الحركة فتحة إتباعاً لفتحة الراء، كما في (ولا الضالين) فيمن همزه
قال الدماميني: ويمكن أن تكون الحركة حركة إتباع، وإن كان في كلمة
فعلى هذا يكون البيت موزوناً، حيث لا ضميمة إليه من أبيات أخر
علي حسين محمد
المدرس بمعلمات أسيوط
سير النبلاء للذهبي تذييلاً لما نشر الأستاذ الفاضل كوركيس عواد في العدد 471 من الرسالة، نشير هنا إلى أن الأستاذ سعيد الأفغاني نشر جزءاً في 40 صفحة من سير النبلاء للحافظ الذهبي بدمشق سنة 1941 وطبع بمطبعة الترقي. وهذا الجزء خاص بترجمة الإمام ابن حزم الظاهري مع مقدمة ضافية في حياة الذهبي بقلم الناشر، نسخ له من خزانة إمام اليمن صاحب الجلالة يحيى حميد الدين. وسير النبلاء كتاب ضخم للذهبي في عشرين مجلداً، وفي الخزانة المذكورة منه بضعة مجلدات.
وقد كتب وجيه الحجاز الشيخ محمد نصيف إلى الأستاذ الأفغاني يبشره أن جلالة الإمام يحيى أمر أن يبحث عن بقية المجلدات في أطراف المملكة اليمنية كما أمر بالشروع في نسخ المجلدات الموجودة لترسل النسخة إلى دمشق وتهيأ للطبع. وفي ذلك بشرى لأهل العلم والتاريخ في إحياء سفر نفيس يتفرد بمزايا ليست في مرجع آخر مطبوع ولا مخطوط كما يظهر ذلك من مقدمة هذا الجزء المطبوع.
(مطلع)
كم ذا
قرأت في العدد (462) من مجلتكم الغراء كلمة بعنوان (كم ذا) يستوضح فيها الكاتب عن مدى صحة قول حافظ رحمه الله:
كم ذا يكابد عاشق ويلاقي=في حب مصر كثيرة العشاق
واطلعت على بعض الردود التي لم تنه الموضوع، لذلك أحببت الإدلاء بهذه الكلمة إكمالاً لما سلف أن نشر
إن (كم) في البيت استفهاميه ومميزها محذوف تقديره (كثيراً) أو ما هو معناه:
إلى كم ذا التملق والتواني ... وكم هذا التمادي في التمادي
و (ذا) في بيت حافظ في محل نصب مفعول مقدم لـ (يكابد) وهو مما أضعف التعبير إلى حد كبير وكان مثار استيضاحٍ الكاتب. وسبك الشطر منثوراً يكون هكذا: (كم كثيراً يكابد عاشق مصر هذا الألم)، و (يلاقي) زائدة جئ بها للوزن وللقافية. على أن في البيت غلطة نحوية باستعمال لفظة (كثيرة) فهي إن نصبت على الحالية لم يستقم المعنى، لان كثرة عشاق مصر لا يكون حالاً من المكابدة. وإن جرت على الصفة احتاجت إلى التحلية بال المعرفة. وبذلك ينكسر الوزن. وعليه يكون من الضرورة استبدال لفظة (الجمة) بلفظة (كثيرة) ليستقيم الوزن والمعنى معاً. وفي هذا الكفاية.
حسين الظريفي