مجلة الرسالة/العدد 474/المصريون المحدثون
→ ترتيب القرآن | مجلة الرسالة - العدد 474 المصريون المحدثون [[مؤلف:|]] |
مطالعات في الأدب الغربي ← |
بتاريخ: 03 - 08 - 1942 |
38 - المصريون المحدثون
شمائلهم وعاداتهم
في النصف الأول من القرن التاسع عشر
تأليف المستشرق الإنجليزي ادورد وليم لين
للأستاذ عدلي طاهر نور
تابع الفصل الثاني عشر - السمر والتنجيم والكيمياء
يدرس الكثيرون في مصر الكيمياء أيضاً. وهنالك فئة تنعم بمواهب يستطيعون أن يبلغوا بها شهرة أفضل مما يدركونه من هذه المهنة. ويواصل هؤلاء جهدهم العقيم حتى يبلغوا الكبر بالرغم مما يلاقون من سخرية حصفاء الرأي وذم الذين يغررون بهم عن غير قصد. ومع ذلك فقد يحصلون على معلومات كيميائية وافرة بدراسة هذا العلم الكاذب. والاهتمام بالكيمياء في حالة الانحطاط العلمي الموجودة الآن بمصر يبرهن على العقلية المصرية الرفيعة
وهناك أو كان هناك مصري يدعى الشيخ إسماعيل أبو الروس من مدينة دسوق، ذاع صيته في السحر الروحاني. ويتحدث المصريون حتى أكثرهم علماً ورزانة عن مهارته السحرية أحاديث لا تصدق. فيتحدث بعضهم مؤكداً زواجه بجنية، وآخرون عن استخدامه جنياً يستشيره ويأمره في الباطن دون أنه يستعمل طلسماً ما مثل مصباح علاء الدين. ويقال إن الشيخ كان يستخدم دائماً قوته الخارقة في أغراض طيبة أو بريئة، وأن محمد علي - كما يقول البعض - كان يكرمه ويستشيره كثيراً. وقد أخبرني أحد أصدقائي المسلمين الأذكياء في القاهرة أنه زار أبا الروس في دسوق بصحبة الشيخ الأمير بن الشيخ الأمير الكبير شيخ المالكية، فسأل صاحب صديقي مضيفهما أن يبين لهما بعض ما يدل على براعته في السحر، فأجابه إلى طلبه. فقال الشيخ الأمير: قدم إلينا القهوة في فناجين أبي الموجود بالقاهرة. وانتظرا قليلاً ثم أحضرت القهوة فنظر الشيخ الأمير إلى الفناجين وظروفها وصرح أنها طقم أبيه بلا شك. وبعد ذلك قدم الشراب في قلل أبيه. ثم كتب رسالة إلى أبيه وأعطاها لأبي الروس طالباً الحصول على الرد. فأخذها الساحر ووضعها وراء وساد الديوان، وبعد قليل رفع الوسادة وأراه أن رسالته اختفت وحلت محلها أخرى أخذها الشيخ الأمير وقرأها فوجد فها ردَّاً كاملاً على ما كتبه بخط صرحَّ بأنه خط أبيه، وأخباراً عن عائلته تبين له صحتها التامة بعيد عودته إلى القاهرة. وقد وقع أثناء زيارتي الأخيرة لمصر حادث سحري عجيب تدخلت فيه الحكومة وكان محل حديث الناس وتعجبهم في العاصمة كلها. وسأروي هذه الواقعة تماماً كما قصها عليَّ الكثيرون في القاهرة دون أن أحذف منها المبالغات التي دبجوا بها حديثهم، لا لأنني جاهل مبلغ صحتها فحسب، بل لأبين إلى أي حد عظيم يؤمن المصريون بالسحر
عُزل مصطفى الدجوي كبير الكتاب في مجلس القاضي من وظيفته، وحل مكانه آخر يسمى مصطفى كان صيرفياًّ. فأرسل الأول إلى الباشا التماساً لإعادته ثانية، إلا أنه مرض مرضاً شديداً قبل أن يصله رد. فاعتقد أن ذلك نتيجة سحر استخدمه مصطفى الصيرفي بكتابه شعوذة تسبب موته، ولذلك أرسل إلى الباشا مرة أخرى يتهم الصيرفي في بهذه الجريمة، فأحضر المتهم أمام الباشا فاعترف بفعله ودل على الساحر الذي استخدمه. ولما قبض على الساحر لم يستطيع إنكار التهمة، فسجن حتى ينجو الدجوي أو يموت، وأودع في حجرة صغيرة يتناوب حراستها حارسان - وهنا يبدأ القسم العجيب في القصة - عندما جن الليل، وبعد أن نام أحد الحارسين سمع الآخر صوت همهمة غريبة، فنظر من خصاص باب الحجرة، فرأى الساحر جالساً وسط الغرفة يدمدم ببعض كلمات لم يستطيع فهمها، وفي الحال انطفأت الشمعة التي كانت أمامه، وظهر في الوقت نفسه أربع شمعات أخرى في كل ركن من أركان الغرفة الغرفة، ثم وقف الساحر تجاه أحد الحوائط وضربة بجبهته ثلاثاً، وفي كل مرة كان الحائط ينفرج عن رجل يبدو أنه يخرج منها. ولم يلبث هؤلاء أن اختفوا بعد أن حدثهم الساحر قليلاً، وكذلك اختفت الشمعات الأربع، وعادت الشمعة الأولى وسط الغرفة مضيئة كما كانت قبلاً، ورجع الساحر إلى جلسته، وساد السكون. . . وهكذا أبطلت التعويذة التي كانت معدة لقتل الدجوي. ففي الصباح التالي شعر المريض بتحسن كبير بحيث توضأ وأقام صلاته. ومنذ ذلك الوقت تم شفاؤه سريعاً، وأعيد إلى وظيفته السابقة، ونفي الساحر من مصر. وقد نفى ساحر آخر بعد أيام قليلة لكتابته حجاباً جعل بنتاً مسلمة تصاب بحب قبطي حباً جامحاً.
وقد أثار فضولي في موضوع السحر بعيد قدومي إلى مصر حادث قصة عليّ مستر صولت قنصلنا العام؛ فقد سرقت من منزله أمتعة أتهم بسرقتها أحد خدمه. فاستدعى ساحراً مغربياً شهيراً ليحمل المذنب، إذا كان أحدهم مذنباً، إلى الاعتراف بذنبه. وحضر الساحر وقال إنه سيبين صورة اللص بحيث تبدو كاملة لأي صبي لم يبلغ سن المراهقة؛ وطلب من رب الدار أن يحضر أي ولد يختاره، وكان هناك عدة أولاد يعملون في حديقة مجاورة للمنزل، فدعي أحدهم لهذا الغرض. فرسم الساحر بالقلم على راحة يد الولد اليمني شكلاً هندسياً صب في وسطه ليلاً من الحبر؛ وطلب من الولد أن ينظر في الحبر بعزم؛ ثم حرق بعض البخور وعدة قصاصات من الورق كتب عليها تعاويذ؛ واستدعى في الوقت نفسه أشياء مختلفة تظهر في الحبر. وأعلن الولد أنه رأى هذه الأشياء وصورة المتهم أخيراً. فوصفه بقامته وهيئته وملبسة، وقال إنه عرفه، ونزل مباشرة إلى الحديقة وقبض على أحد العمال الذي اعترف أمام السيد بجرمه
وقد شوّقني الحديث السابق إلى مشاهدة حادث كهذا. ولكن لجهلي أسم الساحر ومكانه كنت عاجزاً عن الوصول إليه. على أنني علمت بعيد عودتي إلى إنجلترا أن هذا الساحر أشتهر بين السياح المتأخرين في مصر، وأنه يقيم في القاهرة، وأنه يسمى الشيخ عبد القادر المغربي. وقد أحضره جاري عثمان مترجم القنصلية البريطانية، بعيد قدومي الثاني إلى مصر. فضربت له موعداً ليثبت مهارته التي اشتهر بها. وحضر الساحر في الموعد المعين، قبل الظهر بساعتين تقريباً، ولكن كان يلوح عليه القلق وتطلع إلى السماء مراراً، ثم لا حظ أن الجو غير موافق. وكان اليوم عابساً كثير الضباب عاصف الهواء. وكانت التجربة قد عملت مع ثلاثة صبيان على التوالي، ولكنها لم تنجح تماماً مع أولهم وفشلت مع الآخرين. فقال الساحر إنه لا يستطيع أن يقوم اليوم بأكثر من ذلك، وأنه سيحضر مساء يوم ثانٍ. وقد حافظ على وعده وقرر أن الوقت ملائم؛ وأخذنا ندخن الشبك ونحتسي القهوة وهو يحدثني أحاديث مختلفة منتظرين جاري عثمان ليشاهد التجربة. والساحر جميل الشكل طويل القامة قوي البنية، وجهه أقرب إلى البياض، ولحيته شديدة السواد، رث الثياب أخضر العمة كبيرها، لانتسابه إلى النبي (ص) لطيف الحديث بلا تكلف. وقد أخبرني أنه يباشر أعماله العجيبة بواسطة الأرواح الطيبة، ولكنه قال لآخرين أن سحره شيطاني
وطلب الساحر أولاً قلماً وحبراً وقطعة ورق ومقصاً ليعد تجربة مرآة الحبر السحرية التي تسمى، مثل بعض الأعمال المشابهة الأخرى، ضرب المندل. ثم قطع قصاصة ضيقة كتب عليها بعض أدعية علاوة على تعويذة أخرى يعتقد أن التجربة تتم بها. ولم يحاول أن يخفي ذلك. ولما طلبت نسخة منها قبل بسهولة وكتبها في الحال موضحاً لي في الوقت نفسه أنه يبلغ غايته بفعل الكلمتين الأوليين (طرش) و (طريوشٌ) وهما أسماء تابعيه الجنيين. وقد قارنت النسخة بالأصل فوجدتها مطابقة تماماً. وهذا نصها:
طرْشٌ طريوشٌ انزلوا انزلوا، احضروا إلى مذهب الأمير وجنوده، إلى الأحمر الأمير وجنوده
احضروا يا خدام هذه الأسماء.
وهذا الكشف، فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد صحيح صح.
وبعد أن كتب هذه الكلمات، فصل الأدعية عن التعويذة وقطع الأولى إلى ست جذاذات. ثم شرح لي أن القصد من التعويذة التي تتضمن جزءاً من الآية الحادية والعشرين من سورة الكف، هو فتح عين الصبي بطريقة غير عادية وجعل بصره حاداً يرى مالا نراه
وكنت قد أعددت بإرشاد الساحر قليلاً من اللبان، والكزبرة ومجمرة بها جمر. فوضعت كل هذا في الغرفة مع الصبي الذي أعد لإجراء التجربة، وكانوا قد دعوه من الشارع بناء على طلبي من بين بعض الصبيان حين عودتهم من أحد المصانع. وكان الصبي يبلغ من العمر ثماني سنوات أو تسعاً. وعندما سألت الساحر أن يبين لي من يستطيع النظر في مرآة الحبر السحرية أجابني: الصبي دون البلوغ، والبنت العذراء، والجارية السوداء، والمرأة الحامل. ووضع الساحر المجمرة أمامه، ثم أجلس الصبي على كرسي وأمر خادمي أن يضع في المجمرة بعض لبان وكزبرة. ثم أمسك يد الصبي اليمين ورسم على راحته مربعاً سحرياً نقلت نسخة منه هنا (شكل رقم 53) ويتضمن هذا الشكل أرقاماً عربية ثم صب في وسطه قليلاً من الحبر وطلب من الصبي أن ينظر فيه ويخبره إذا كان يمكنه رؤية وجهه معكوساً فيه. فأجاب الصبي إنه يرى وجهه جلياً. فقال الساحر وهو يمسك بيد الصبي طول الوقت أن يظل محدَّق النظر وألا يرفع رأسه
ثم أخذ الساحر إحدى قصاصات الورقة المكتوبة عليها الأدعية وأسقطها في المجمرة على الجمر والبخور الذي كان قد ملأ الغرفة بدخانه. وبينما كان يفعل ذلك أخذ يدمدم دمدمة لم تنقطع طول العملية إلا حينما كان يوجه للصبي سؤالاً أو يعرفه ما يجب قوله. ووضع في مقدمة طاقية الطبي الورقة المكتوبة فيها الآية القرآنية. وسأله عند ذلك إذا كان يرى شيئاً في الحبر، فأجابه بالنفي؛ ولكنه لم يلبث أن قال وهو يرتعش ويبدو أكثر خوفاً: (أرى رجلاً يكنس الأرض) فقال الساحر أخبرني بعد أن ينتهي من الكنس. فقال الصبي في الحال (لقد فعل). فقطع الساحر إذ ذاك دمدمته مرة أخرى ليسأل الصبي إذ كان يعرف ما هو البيرق؛ فلما رد بالإيجاب أمره أن يقول: (هات بيرقاً). ففعل الصبي ذلك ولم يلبث أن قال: (لقد أحضروا بيرقاً). فسأله الساحر (على أي لون هو؟). فأجاب الصبي أحمر. فقال له أطلب بيرقاً آخر. فلم يلبث أن قال إنه رأى بيرقاً آخر، وأنه اسود اللون. وبالطريقة نفسها قال الساحر للصبي أن يطلب ثالثاً ورابعاً وخامساً وسادساً وسابعاً. فقال الصبي إنها أحضرت على التوالي وأنها أبيض وأخضر واسود وأحمر وأزرق. فسأله الساحر حينئذ (كم بيرقاً أمامك الآن؟) فأجابه (سبعة). ووضع الساحر أثناء ذلك ثاني القصاصات المكتوبة عليها الأدعية وثالثها في المجمرة. وإذ كان يضيف لباناً وكزبرة مراراً فقد أصبح الدخان يؤلم العين. وعندما أخبره الصبي أن البيارق السبعة ظهرت له أمره أن يقول: (أحضر خيمة السلطان وانصبها) ففعل ذلك وقال بعد لحظة: (لقد أحضر بعض الرجال الخيمة وهي خيمة كبيرة خضراء وهم ينصبونها) ثم أضاف تواً (لقد نصبوها) فقال الساحر: (الآن مر الجنود بالحضور وبنصب معسكرهم حول خيمة السلطان) ففعل الصبي كما أمره وقال على الفور: (أرى عدداً عظيماً من الجنود بخيمهم. لقد نصبوا خيمهم). فقال له حينئذ أن يأمر الجنود بالاصطفاف. ولم يكد يأمرهم حتى قال إنهم اصطفوا. ووضع الساحر رابع القصاصات في الجمر وسريعاً ما ألحق بها الخامسة. وقال تواً: (قل للبعض أن يحضروا ثوراً) فاصدر الصبي الأمر وقال: (أرى ثوراً أحمر يسحبه رجال أربعة ويضربه ثلاثة) فقال له أن يأمرهم بذبحه وتقطيعه ووضع لحمه في أوعية وطهيه. ففعل كما أمره ووصف هذه العمليات كما تمت حسب الظاهر أمام عينه. فقال الساحر: (قل للجنود يأكلون) ففعل الولد وقال: (إنهم يأكلون. لقد أكلوا وهو يغسلون أيديهم) فقال له الساحر إذ ذاك أن يدعو السلطان ففعل الولد وقال: (أرى السلطان ممتطياً جواداً أشهب وعلى رأسه قلنسوة مرتفعة حمراء. لقد ترجل عند خيمته وجلس داخلها) فقال الساحر: (مرهم بتقديم القهوة للسلطان وبتأليف المجلس) فاصدر الصبي هذه الأوامر وقال إنها نفذت. وكان الساحر قد وضع آخر القصاصات الست في المجمرة. ولم أميز من همهمته شيئاً غير ألفاظ الدعاء المكتوب التي رددها مراراً ماعدا مرتين أو ثلاثة سمعته يقول: (إذا استعلموا أخبرهم. وكونوا أنتم صادقين) إلا أن أكثر ما ردده كان غير مسموع. ولما لم أسأله أن يعلمني عِلمه فلا أدعي الجزم بأني أعرف تماماً أدعيته
عدلي طاهر نور