مجلة الرسالة/العدد 472/البريد الأدبي
→ رسالة العلم | مجلة الرسالة - العدد 472 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 20 - 07 - 1942 |
باي تونس الجديد
قست الحوادث على الصحف المصرية فشغلتها عن وصف ما وقع في تونس الخضراء بموت الباي السابق وقيام الباي الجديد، فرأيت أن أكتب كلمة وجيزة أشرح بها لقراء (الرسالة) جانباً من حياة اليوم في ذلك القُطر الشقيق، نقلاً عما وعته أُذناي من إذاعة تونس العربية، وهو يصور بعض خواطر الناس هناك
الباي الجديد اسمه (محمد المنصف) ولقبه (المنصور بالله) وكان أبوه يلقَّب بالناصر، (ومن كان أبوه الناصر فهو المنصور) كما قال أحد خطبائهم في الاحتفال الذي أقيم بقاعة العرش
وسياق الخطب والقصائد يجعل الباي (صاحب الجلالة الملك) وهذا اتجاهٌ جديد فيما أفترض، وإن كان لقب (الباي) قد احتفظ بقدسيته في الأغاني والأناشيد
ويظهر بوضوح وجلاء أن نظام (البيعة) روعيت أصوله من الوجهة الشكلية، فالباي ورث أباه على العرش، ومع ذلك رأى التونسيون أن يقيموا البيعة بعد توليته بأيام، رعاية للتقاليد الإسلامية، وإن كان الأصل أن تكون البيعة أسبق من الولاية، لأنها بمثابة الترشيح الذي يسبق الانتخاب، وإلا فهي ضربٌ من المُلك العَضُوض
والطريف في هذه القضية أن المبايعين يفِدون من أسبوع إلى أسبوع بنظام وترتيب، فيكون لكل إقليم يوم، ويكون المبايعون من أعيان البلاد في الإقليم، البلاد التي لها شأن في القديم والحديث، وهذا المعنى يشار إليه في الخطب والقصائد بإجمال، ولكنه يذاع على الجمهور بالتفصيل. ولو كانت لنا سياسة عربية صريحة لرأت الإذاعة المصرية أن تسجل ما روته الإذاعة التونسية في هذا الموضوع، ففيه تفاصيل عن الأقاليم التونسية تستحق التسجيل. ولكن أين من يسمع؟!
ومما يجب النص عليه أن الخطب والقصائد التي ألقيت في المبايعة تمتاز بميزتين: الأولى سلامة اللغة من اللحن والتحريف، وذلك يشهد بأصالة العروبة هنالك
الميزة الثانية هي الحرص على القومية الإسلامية. فأكثر الخطب تُختم بعبارة دينية لطيفة، كأن يقول هذا الخطيب: (جعل الله غرر أيامك لائحة، بِسرّ الفاتحة)، وكأن يقول ذلك الخطيب: (حفظك الله في الذهاب والإياب، بجاه النبيّ الأوّاب، وبسرّ فاتحة الكتاب)، وق التفتّ إلى كلمة (سرّ الفاتحة) فوجدتها وردت في جميع خُطب المبايعين.
وغنَّى المغني في تهنئة الباي قصيدةً حفظتُ منها هذين البيتين:
أضاءت بك (الخَضْرا) فأشرق نورُها ... فأنت عماد الدين ليس يزول
مددتَ علي الإسلام أكناف نِعمةٍ ... بأعطافها ظلٌ عليه ظليلُ
والخضراء لقب تونس، وبه توصف في الأشعار الشعبية المنظومة على لسان الزناتي خليفة وأبي زيد الهلالي. وهما شخصان حقيقيّان، لا خرافيان كما يتوهم جماعة من الخلائق
وإنما نصصت على الناحية الإسلامية، لأن الإسلام في تونس كان أكبر عقبة في طريق الاحتلال الفرنسي. ومع ذلك أن حكومة باريس كانت رأت تشجيع التونسيين على التجنس بالجنسية الفرنسية ليصيروا إلى ما صار إليه الجزائريون، فقرر أهل تونس أن من تجنس بالجنسية الفرنسية فلا يجوز دفنه في مقابر المسلمين، وبهذا صار الخروج على الجنسية التونسية بمثابة الخروج على الدين الحنيف.
وبالرغم من الدعايات الأجنبية في تونس فقد ظل التونسيون غاية في الوفاء بالعهد للعروبة والإسلام، وتلك مزية يشاطرهم فيها اللوبيون والجزائريون والمراكشيون، مع اختلاف قليل في لون العصبية قضت به ظروف لا تخفى على اللبيب.
وإذا تذكرنا أن فتح الأندلس يرجع في الأغلب إلى شهامة العرب في أفريقيا الشمالية أدركنا قيمة تلك البقاع في الحيوية العربية والإسلامية، ولن يمر زمن طويل قبل أن يكون لأولئك الأقوام تاريخ جديد.
وإذا تذكرنا أن (البحر الشامي) كما يسميه التاريخ العربي وهو الذي يسمَّى خطأً (بحر الروم) والذي أسميه (بحر العرب) إذا تذكرنا أن هذا البحر خدم العروبة والإسلام بفضل أبنائه من المصريين والفلسطينيين واللبنانيين عرفنا أنه لن يستغني عن خدمات أبنائه من اللوبيين والجزائريين والتونسيين والمراكشيين، وما أحسبه سيسكت عن ضياع لبنان الثاني وهو الأندلس، وستعرفون صدق هذه النبوءة بعد أزمان قصار لا طوال.
(وقُل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)
زكي مبارك
الفدائية ردًّاً على حضرة الأديب مصطفى عبد المجيد جابر أقول:
حين يضحي الإنسان بنفسه إنما يقصد التضحية بموضوع كان خارجاً عن نطاق الذات ثم انطوى عليها فإذا رمى الموضوع أصابه سهمه
(الفدائية) ابنة عم الانتحار، وكلا الفدائية والانتحار يمتان إلى الماسوشية بأوثق الصلات.
إن الباعث على النزوع إلى الفدائية عقد نفسية زودت بطاقات وجدانية كبيرة تحت تأثير ظروف خاصة.
والواقع أن الإنسان أناني على وجه العموم سواء ضحى بنفسه أو بسواه، وليس هناك من هو أوفر أنانية من الهستيري.
إن السمو - الذي يعنيه العرب - غريب عن (الفدائية)، بل ربما كان غريباً عن (البشرية)!
محمد حسني ولاية
مساجلات
أطلعت في مجلة (الرسالة) الغراء على مقال تحت هذا العنوان بتوقيع الأستاذ محمد مندور، وقد أخذتني الدهشة لما وقع نظري عليه من اجتراء الكاتب وإنكاره الحقائق الواضحة فيما كتب الأستاذ العقاد بصدد رسالة الغفران.
إن الأستاذ العقاد لم ينكر فيما يكتب أن أناساً قبل لوسيان سبقوا المعري إلى فكرة الجنة والنار، حتى يعود الأستاذ محمد مندور فيؤكد ذلك.
وإنه لما يخجلني حقَّا أن أعيد هنا ما كتبه الأستاذ العقاد أو أن أشير على الكاتب بأن يعيد قراءته ليتبين أنه كانت لديه مندوحة عن هذا الرد الجاف.
ولكنه أراد أن يرد على الأستاذ العقاد، فكان له ما أراد، وإن كان لم يأت في كلامه بجديد غير ما أكده الأستاذ العقاد في أكثر من مقال، ثم عاد فأكده للأستاذ المندور على صفحات (الرسالة).
وإذا كان ما كتبه الأستاذ العقاد لم يكن مفهوماً لحضرة الكاتب - بعد كل هذا - فليس الذنب في ذلك بواقع على العقاد إن الرحلة إلى العالم الآخر معروفة قبل المعري وقبل لوسيان كما قال الأستاذ العقاد في كلام واضح لا لبس فيه؛ وليس موضوعها بحاجة إلى من ذكرهم الأستاذ مندور لتوكيده
وإن كان هذا لا يمنعنا أن نقول إن لوسيان كان أول من كتب رحلة إلى العالم الآخر، يصح أن يجمع بينها وبين رحلة أبي العلاء من حيث الطريقة والحوار، لا من حيث إنها رحلة إلى الجنة والنار كما ظن الأستاذ مندور
فإذا كان لدى الكاتب شيء غير هذا فليرشدنا إليه
أما حكمه على أدب العقاد فلنترك الحكم عليه للقراء، ما دام صاحبه لم يستطع ولن يستطع أن يدعمه بالحجة والبرهان.
(دمياط)
الجبلاوي
مؤلف في التاريخ العام تنقله وزارة المعارف إلى العربية
روت وكالة الأنباء العربية أن وزارة المعارف تعتزم القيام بأكبر عمل أدبي لم يسبق لها القيام بمثله. وذلك بنقل المؤلف القيم العظيم الذي وضع بالإنجليزية، ليكون مرجعاً لرواد التاريخ بعنوان التاريخ العام - إلى العربية. ويشتمل هذا السفر الفذ على مليونين ونصف مليون كلمة
وقد تحدث السير جون هامرتون ناشر الكتاب إلى وكالة الأنباء العربية في هذا الشأن؛ فقال إن السير والتر مونكتن كان له كبير الفضل في تيسير هذا العمل وتذليل مهمته
والمعروف أن السير جون هامرتون ومعاونيه قضوا أكثر من عامين في وضع هذا المجلد الضخم الذي ساهم في كتابة فصوله مائة وخمسون كاتباً من الكتاب المبرزين
وقد قال خلال حديثه السالف الذكر: لم يكن يسعني عند وضع هذا الكتاب وجمع فصوله، إلا الشعور من جديد بالإعجاب والاغتباط بذلك النصيب الكبير الذي ساهم به العقل العربي في تأسيس ثقافة العالم الإنساني وتكوين حضارته. وإني لفخور بأن جمهور قراء العربية في مصر والشرق الأوسط سوف يجدون في هذا المؤلف الضخم خير شاهد على جهود الإسلام في بناء الحضارة الإنسانية والتقدم العلمي. وإن إصرار وزارة المعارف على نقل الكتاب برمته دون الاكتفاء بترجمة مختصرة له لدليل رائع على أن الغذاء الروحي لم يستغن عنه في هذا العهد الذي يسوده الهدم والتخريب
طيلسان ابن حرب
جاء في ديوان إسماعيل صبري باشا ص 96 ما نصه: (طيلسان ابن حرب يضرب به المثل في القدم والبلى؛ وسبب ذلك أن ابن الرومي الشاعر المعروف كان قد مدح ابن حرب فخلع عليه طيلساناً بالياً، فقال في ذلك الطيلسان شعراً كثيراً حتى صيره مثلاً لكل ما بلى ورث. فمن ذلك قوله:
يا ابن حرب كسوتني طيلساناً - رقّ من صحبة الزمان وصدا
طال ترداده إلى الرفو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدى)
وليس من شك في أن هذا القول لا نصيب له من الصحة؛ فالذي نعرفه أن محمداً بن حرب أهدى إلى الحمدوني طيلساناً خلقاً، وكان الحمدوني يحفظ قول أبي حمران السلمي في طيلسانه الذي يقول فيه:
إذا ارتداه لعيد أو لجمعته ... تنكب الناس لا يبلى من النظر
فجارى الحمدوني أبا حمران حتى بلغ ما قاله في طيلسانه حوالي مائتي مقطوعة منها:
يا ابن حرب كسوتني طيلساناً ... مل من صحبة الزمان وصدا
طال ترداده إلى الرفو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدى
ومن ذلك نتبين أن البيتين للحمدوني وليسا لابن الرومي كما زعم الأستاذ شارح الديوان. ولعل اختلاط الأمر على الأستاذ جاء من أن ابن الرومي كان ممن قالوا شعراً في هذا الطيلسان نفسه
(المياسرة)
عوض الدحة
أين أخبار حافظ
شُغلت منذ حين بدراسة الناحية الفكاهية في حياة شاعر النيل المرحوم حافظ بك إبراهيم، إذ كان أعجوبة في مرحه ولهوه ودعابته، واقتضى ذلك البحث أن أجمع ما يمكن من الملح والطرف التي نسبت إلى هذا الشاعر الضحوك، فماذا كان من شأني؟. . .
تعددت مني الأسباب وتنوعت الأساليب، وراجعت شتى المصادر ومختلف الكتب والصحف، فجمعت من طرف حافظ، بعد اللتيا والتي، عشرات وعشرات؛ ولكن بعض أصدقائه يؤكد لي أن طرفه تزيد على مئات ومئات، فأين أجد هذا الزاد الأدبي النفيس؟. . .
لقد حسبت أن أصدقاء حافظ القدامى يعرفون من أخباره وأسراره ما لا يعرف أبناء هذا الزمان، فسألت شاعر القطرين مطران بك عما يعرفه فأجاب؛ إني نسيت! وسألت الدكتور مبارك فأجاب إني مشغول! وسألت الأستاذ البشري فما أجاب! وسألت الأستاذ عبد الله عفيفي بك، فأحالني على مجموعة قصاصات المرحوم محمد مسعود بك، ففزغتُ إليها لدى ولده الدكتور يحيى مسعود فاعتذر بأنها لم ترتب بعد، وأن الاطلاع عليها لن يتيسر قبل شهور! وسألت الدكتور منصور فهمي بك، فأحالني على فريق من أدباء دار الكتب الذين عاشروا حافظاً، فوجدت عندهم طرفة من هنا وطرفة من هناك، ثم. . . ثم اعتذار ببعد الشقة وداء النسيان! ثم سألت كثيرين غير هؤلاء فما تحقق لي رجاء! فأين أجد أخبار (حافظ) - أيها الناس - وقد مات في عام 1932، فهو لم يمض عليه أكثر من عشر سنوات؟ أين أجد أخبار حافظ، وقد كان بالأمس القريب ملء الأسماع والأبصار والقلوب؟. . . وماذا يكون حديث الأجيال القادمة عن حافظ وإخوانه من الأدباء والذين عاشروهم لا يعرفون عنهم ما يخف في الميزان أو يثقل؟. . . وماذا عندكم أيها الأدباء؟
(البجلات)
أحمد الشرباصي