مجلة الرسالة/العدد 471/رسَالة العلم
→ المؤلفات العربية القديمة وما طبع منها في سنة | مجلة الرسالة - العدد 471 رسَالة العلم [[مؤلف:|]] |
ظلم ← |
بتاريخ: 13 - 07 - 1942 |
قلوب النجوم
للأستاذ خليل السالم
الكون كما يرى (إينشتين) قرص متحدب كحجر الطاحون، الشمسي قريبة من مركزه، وفي هذا القرص انتثرت النجوم دون نظام أو ترتيب، إلا أنك إذا نظرت في اتجاه أطراف الحجر تكون المسافة التي تنظر خلالها أكثر بعداً، فترى العدد الأكبر من النجوم المحتشدة في المجرة، وهذا سرها. أما إذا نظرت في اتجاه عمودي على الاتجاه الأول، رأيت تخلخلاً طبيعياً في عدد النجوم، ذلك لأننا ننظر خلال مسافة أقصر من الأولى، فيكون عدد النجوم أقل من العدد الأول. وليس نظامنا المجري هو كل الكون، فهناك عوالم أخرى من السدم المختلفة الأشكال والأحجام، وكل هذه تشغل حيزاً يتسع حتى لا يتسع له الخيال، فقطر القرص 180. 000 بليون ميل، وسمكه حوالي 30. 000 بليون ميل. وكل هذه أيضاً تشعرنا بضآلة الإنسان وحقارة شأنه، كما ترمز إلى جبروت عقله الذي يستوعب مثل هذه الأرقام الضخمة، ويتسع لهذه الصورة الزاخرة
أقرب النجوم إلينا نجم (رجل قنطورس) وبعده عنا 41 4 من
السنوات الضوئية، أي أن النور الذي يقطع 300. 000 ك.
م. في الثانية، في الزمن الذي يمضي بين ثلثي الساعة مرتين،
هذا المقدار العجيب يستغرق من الوقت 41 4 من السنوات
حتى يصل إلينا من أقرب النجوم في هذا الكون الشاسع الأبعاد
عدد النجوم كما يقدره الفلكيون يبلغ نحو 30 , 000 مليون نجم من كافة المقادير، وقد توزع هذا العدد الضخم في ذلك الحيز المتسع البعيد الغور، بحيث أصبحت أبعاد النجوم عن بعضها كبيرة جداً. ولتأخذوا عن هذه الأبعاد فكرة، أعطيكم مثلاً بسيطاً ورد في أحد كتب العلامة الإنجليزي المشهور السر جيمز جينز قال: لو أطلقنا في جميع المحيطات التي على الأرض أربع سمكات، وسبحت هذه كيفما اتفق، لكانت النسبة بين أبعادها تعاد الفارق الطبيعي أبعاد النجوم عن بعضها
وهذا العدد الكبير من النجوم توزع إلى أنواع عديدة: فهناك النجوم الكبار، والنجوم الجديدة، والنجوم المزدوجة، والنجوم المتغيرة، والنجوم القيفادية، والأقزام البيض، والعمالقة الحمر، والنجوم المجتمعة؛ ولكل من هذه الأنواع خواص تتميز بها وتختلف بها عن غيرها من النجوم
أكثف النجوم نجم فان ماتن، ومن أكثفها رفيق الشعري اليمانية، فكثافته تعادل كثافة الماء 53 , 000؛ وهو نجم مشهور كثير ما يرد ذكره في أبحاث الفيزيفا النظرية الحديثة؛ وقد استخدم في إثبات أحد قوانين النسبية، أعني قانون ميل الطيف نحو اللون الأحمر عندما ينبعث النور من جسم ثقيل. وسنأتي على تعليل هذه الكثافة العجيبة بعد قليل
لعلنا قد خرجنا عن الصدد فلنعد إلى موضوعنا الأصيل أعني قلوب النجوم. ولا يخفى أن الوسيلة الوحيدة في درس هذه المصابيح الجميلة إنما هي تلك الرسائل التي يحملها منها إلينا النور، وهذه الرسائل مكتوبة بلغة خاصة واضحة طوراً وغامضة طوراً آخر؛ فنلجأ إلى المرقب والمطياف والمطياف المصوِّر والمجهر وغيرها من الأجهزة الدقيقة فنستعين بها على فك تلك الطلاسم والألغاز.
وقبل أن نعني بهذه الرسائل حق العناية لا بد لنا من الاطلاع على بعض الحقائق والمبادئ الأساسية التي أثبتها المختبر، وانطبقت تمام الانطباق على الظواهر الطبيعية التي تجري في الكون على اتساعه وكثرة أنماط المادة فيه. وسنبدأ بعلم الحل الطيفي.
علم الحل الطيفي
مما يؤثر عن الفيلسوف الألماني الشهير (كانت) قوله: ليس ثمة أمور لا بد من أن للإنسان يبقى جاهلاً حقيقتها مثل معرفة تركيب الشمس والأجرام السماوية من الناحية الكيميائية. ولا يستنكر من الفيلسوف العظيم تورطه في هذا الحكم الذي أثبتت الأيام بطلانه، فقد كان يعلم وهو من يقدر الحواس حق قدرها أننا لا نستطيع أن نفهم المادة إلا عن طريق الحواس؛ ونحن طبعاً لا نستطيع أن نلمس النجوم أو نذوقها أو نشمها أو نسمعها، وليس لنا إلا حاسة النظر العاجزة عندما ننتقل إلى دراسة النجوم البعيدة دراسة عميقة دقيقة. إلا أن الإنسان عمد إلى الحيلة، وبدل أن يصعد إلى النجوم قربها إليه بأجهزته وصورها وكبّر تلك الصور ودرس الأطياف طبقاً لقوانين الحل الطيفي، تلك القوانين التي أثبتها المختبر، والتي ندين لها بكل التقدم العجيب في علم الفلك الحديث.
ورواية هذا العلم الجديد - أعني علم الحل الطيفي - ممتعة مدهشة. وسأذكر بإيجاز أشخاص المسرحية وملخص أدوارهم: أول ما يظهر على المسرح نيوتن الخالد الذي كانت اكتشافاته ولا تزال العامل المشترك الأعلى في جميع العلوم. ظهر على المسرح فأدهش الناس حين عرض عليهم نور الشمس وقد تحلل إلى ألوانه البديعة السبعة، تلك الألوان التي تبديها الطبيعة في أجمل مناظرها: قوس قزح. وتلاه في التمثيل العالم ولستن فأثبت أن لكل غاز طيفاً خاصاً وخطوطاً خاصة يتميز بها عن غيره من الغازات. هنا عرفنا أن بعض العناصر الموجودة على الأرض موجودة في السماء. ولعل الدور الحاسم كان دور فرنهوفر فقد دخل المسرح والناس قد اشرأبت أعناقهم لتتبع أحداث الرواية اللذيذة فاكتشف خطوط فرنهوفر التي تظهر في طيف الشمس وهي خطوط سوداء لا تتغير مواضعها، وسببها - كما عللها العالم الإنجليزي ستوكس - أن الغازات الموجودة في الشمس تمتص الأشعة الخاصة بها، فبدل أن تبدو خطوطها لامعة كما في طيفها المستقل تبدوا أماكن تلك الخطوط مظلمة سوداء. وهكذا تسنى للعالم كيرشوف أن يدرس الشمس في المختبر بعد الآن. وماذا كان عليه إلا أن يحلل النور القادم على متن الأثير ويقيس الأمواج ويقارنها بالأمواج التي يحصل عليها في المختبر من الشرارات الكهربائية والقوس الكهربائي والأنابيب المضيئة. ومن هنا أمكن كلا من العالمين (لُكير) و (جونسون) أن يكتشفا في وقت واحد غازاً جديداً في الشمس أسمياه باسمها (الهليوم)، وأثبتت الأيام صحة دعواهم فاكتشف الكيميائي رمزي غاز الهليوم على الأرض، وتبين أن له نفس الخواص الطيفية التي تنبأ العالمان لكير وجونسون من قبل باتصافه بها
بعدئذ أو بعد منتف القرن التاسع عشر إذا أردنا أن نعرف أين نحن من مر السنين، بدأت دراسة أطياف النجوم والأجرام السماوية دراسة واسعة النطاق. فقد فحص الأب أنجلو سيشي ما يقرب من أربعة آلاف نجم. وأحسن الدراسات الحديثة لأطياف النجوم وأعمقها وأكثرها شمولاً تمت على يدي الآنسة آني كانون فقد صنفت نحو ربع مليون نجم بحسب ترتيب خواصها الطيفية. وقد أسفر هذا التصنيف بكثير عن الحقائق عن تركيب النجوم ونشوئها. ولا يتسع لي المقام لبحث هذه النتائج، ولكنني بإيجاز أورد هنا خط التصنيف من دون تعليق:
الأصناف
رموزها بالإفرنجية
لونها
الخطوط الطيفية التي تقوى فيها
درجة حرارتها
الصنف الأول
زرقاء بيضاء
الهليوم المتأين
30 , 000ْ
الصنف الثاني
زرقاء بيضاء
الهليوم الحيادي
20 , 000ْ
الصنف الثالث
بيضاء
الهيدروجين (الشعري اليمانية نجم منه)
11 , 000
الصنف الرابع
وسطى تزيد خطوط الهيدرجين قوة
7 , 500
الصنف الخامس
صفراء
المعادن، الهيدروجين، الكالسيوم (الشمس)
6 , 000
الصنف السادس
برتقالية
المعادن الحيادية
4 , 200
الصنف السابع
حمراء
عصبة أكسيد التيتانيوم
3 , 000
الصنف الثامن
حمراء
عصبة خطوط الكربون
3 , 000
عالم الذرة
لا بد لما من معرفة بسيطة لتركيب الذرة لما لأبحاث الذرة الجديدة من علاقة وثيقة بعلم الفلك على وجه العموم، وقلوب النجوم على وجه الخصوص عالم الذرة الذي انحصر في أصغر جزء من المادة عالم زاخر مملوء بالرؤى والأخيلة الواسعة. وهو معقد بشكل لا نستطيع معه أن نلم بدقائقه فلنرسم لهذا العالم صورة خاطفة سريعة لتفي بغرضنا الذي نتوخاه
الذرة نظام شمسي، النواة فيها تقوم مقام الشمس، والكهارب (الإلكترونات) تمثل دور السيارات، فتدور حول النواة بسرعة غريبة جداً، وتدور كالسارات في أفلاك أهلجية وربما في أفلاك دائرية، ولكن لا ضابط لهذا الدوران، فأنت لا تستطيع أن تعرف مكان الكهيرب وسرعته في آن واحد، كما تستطيع أن تحسب مكان الأرض مثلاً وسرعتها بحيث تتنبأ بوقت خسوف أو كسوف لأقل من عشر الثانية. أقول لا تستطيع أن تعرف سرعة الكهيرب ومكانه في آن واحد؛ فإن عرفت السرعة تعذر تعيين المكان، وإن عرفت المكان تعذر تعيين السرعة. ومن هنا تسرب إلى العلم الحديث مبدأ عدم التثبت أو مبدأ الاحتمال. فلا تزيد القوانين الطبيعية - التي كان العلماء يتشدقون بدقتها وضبطها وأحكامها - أن تكون احتمالات كبيرة فحسب. واضطر العلماء إلى رسم صورة جديدة لذرة بوهر التي نصفها. وتم التعديل على يدي العالمين شرودنجر وهيزنبرج
الذرة متعادلة كهربائياً. قطر البروتون أقل جداً من قطر الذرة، فيكاد يكون الفراغ في الذرة قدر المادة (100. 000) مرة وعل ضوء هذه الحقيقة سريعاً ما نحكم أن المادة بصورتها المألوفة فراغ كبير، فلو خطر ببالك أن تزيل الفراغ بين (100) طن من القمح مثلاً لوفرت على نفسك المخزن المتسع الذي يتطلبه هذا الحجم الكبير، ولما شغل الباقي من المادة أكثر من قبضة يدك وأستطيع أن أضع في يدي مليون طن من المادة المحشوكة حشك النواة في الذرة
أبسط الذرات ذرة الهيدروجين؛ فهناك كهيرب واحد يدور حول بروتون واحد، وهو يدور على أبعاد مختلفة من النواة تتناسب مع مربعات الأعداد البسيطة أعني 1، 4، 9، 16 الخ. . . يكون مرة في الفلك الأول، ثم يقفز إلى الثاني فالرابع، ثم إلى آخر، ثم يعود وهكذا. فإذا ما امتص الكهيرب قدراً من الطاقة تهيج وتفلت من المدار الذي يدور فيه وقفز إلى مدار أبعد، ومقدار هذا البعد يعتمد على مقدار الطاقة التي امتصها
وإذا سقط من مدار أبعد إلى آخر أقرب منه أطلق إشعاعاً خاصاً يدلك على المسافة التي سقط فيها. والدخول في تفاصيل هذا الموضوع ينقلنا حتماً إلى نظرية الكم وهي نظرية جديدة في علم الفيزيقا لا تكفيها مقالات مسهبة لشرح قواعدها ومقرراتها.
بقى علينا أن نقول إن عدد الكهيربات حول النواة يكون في الفلك الأول اثنين، ثم ثمانية في كل فلك آخر، وفي الفلك الأخير يعين عدد الكهيربات تكافؤ العنصر كما تعلم في علم الكيمياء.
ماذا يهمنا من عالم الذرة؟ يهمنا أن درجة الحرارة تهيج الكهيرب فيبتعد عن النواة، ويبتعد كلما قويت الطاقة المؤثرة حتى إذا زادت عن قدر مخصوص ترك الذرة مطلقاً. ويهمنا أن نعلم أيضاً أن إشعاع الذرة يعتمد على مقدار التهيج ونوع الذرة كاملة الكهيربات كانت أو ناقصتها. وما دمنا في صدد الكلام عن الإشعاع ودرجة الحرارة فيجب أن نشير إلى قانون ستيفان - بولتزمان الذي ينص على أن إشعاع أي جسم يتناسب تناسباً طردياً مع القوة الرابعة لدرجة الحرارة المطلقة.
والآن ما هي الحقائق التي نستخلصها من رسائل النجوم البعيدة على ضوء هذه المعلومات الجديدة؟
(البقية في العدد القادم)
خليل السالم
(ب. ع) من الدرجة الأولى
في الرياضيات